
الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر
روسيا تمنح الإدارة الأمريكية 3 فرص
الأربعاء 15/أكتوبر/2025 - 04:40 م
طباعة
sada-elarab.com/782531
لسنوات طويلة استخدمت الولايات المتحدة حق النقض “الفيتو”، بوصفها عضوا دائما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، دفاعا عن إسرائيل وعن انتهاكاتها لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
ودائما ما وقفت الولايات المتحدة ضد مقترحات روسيا والصين وغيرهما من الدول فيما يخص التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، فماذا كان الرد الروسي على المقترح الأمريكي بوقف إطلاق النار في غزة؟
رحبت روسيا على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف بما سمي بـ “خطة ترامب لغزة”، فقال الوزير: “روسيا تأمل في تنفيذ جميع الاتفاقات المتعلقة بخطة ترامب لغزة”، وعرضت روسيا كل ما يمكن أن يكون له مردود إيجابي على الوضع، حيث تابع لافروف: “إذا قرر المشاركون في القمة بمصر أن روسيا قد تكون مفيدة في مرحلة ما من تنفيذ خطة ترامب فهي مستعدة للمساهمة”.
لكن روسيا تشككت في تحقيق تسوية مستدامة في غزة، بعدما تلاشت آمال السلام في المنطقة عدة مرات من قبل. كذلك بادرت روسيا بتأجيل القمة الروسية العربية بسبب تطورات الأوضاع حول غزة، على أن تعقد فور الاتفاق على مواعيد جديدة (ربما في نوفمبر).
يعني ذلك، فيما أفهمه، أن الكرملين قرر منح ترامب وإدارته فرصة تاريخية لتوجيه أنظار وانتباه العالم بأجمعه إلى جهوده ومبادرته من أجل السلام بعد أن كانت الولايات المتحدة متورطة وشريكة بشكل مباشر في الإبادة الجماعية لشعب غزة منذ اليوم الأول، بل وصدر إعلان مريب وغريب بضرورة “تطهير غزة من المليون ونصف فلسطيني بالكامل”. تلك كانت الفرصة الأولى التي منحها الكرملين لترامب.
اليوم، لم ترحب روسيا وحدها، بل المجتمع الدولي بأسره (بما في ذلك الجنوب والشرق العالمي) رحب بخطة ترامب، إلا أن قطار السلام، وطالما انطلق، على حد تعبير ترامب، لا بد وأن يستمر في حركته بألا يقتصر على وقف إطلاق النار، وإنما بأن يتطرق للأسئلة الجوهرية في القضية الفلسطينية وعلى رأسها الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، الدولة ذات السيادة والتكامل الجغرافي وإمكانية الوصول إليها بالبر والبحر والجو.
يجب أن يمر قطار السلام الذي انطلق يوم أمس في شرم الشيخ بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، ووقف الاستيطان، وغيرها من القضايا الشائكة التي بقيت محلك سر خلال عقود.
الفرصة الثانية التي منحها الكرملين لترامب، كانت ترحيبه بما قاله يوم أمس في الكنيست مخاطبا مبعوثه إلى الشرق الأوسط وكذلك لتسوية الأزمة الأوكرانية ستيف ويتكوف، حينما قال له: “لعلنا نركز الآن على أوكرانيا”، وقد رد الكرملين صباح اليوم على لسان المتحدث الرسمي دميتري بيسكوف، والذي صرح بأن موسكو لا تزال مستعدة للحوار السلمي بشأن أوكرانيا وهي “ترحب بنية ترامب للبحث عن سبل لحل الصراع في أوكرانيا سلميا”، وتابع: “نحن نعرف ويتكوف ونعتبره فعالا”. كذلك أعرب الكرملين عن أمله في أن “يساعد النفوذ الأمريكي والمهارات الدبلوماسية لمبعوثي ترامب في تحفيز كييف لتصبح أكثر نشاطا في حل الصراع”.
أرى هذه فرصة تاريخية أخرى، لا سيما أن العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا في آخر مراحلها وما لم يتغير سلوك “الناتو” بصدد الصراع، ومضى على طريق إمداد النظام الأوكراني بمزيد من الأسلحة، بما في ذلك ما تردد مؤخرا حول صواريخ “توماهوك”، فإن الأحداث يمكن أن تتطور على نحو دراماتيكي سيكون كارثيا على حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، المتورطين بشكل مباشر في استراتيجية “إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في أرض المعركة”. وأتمنى أن يسعى الرئيس ترامب إلى تفادي هذه الهزيمة المؤكدة.
أما الفرصة الثالثة فيجسدها تصريحات المسؤولين الروس بشأن تقييم الدور الذي يقوم به ترامب والإدارة الحالية بموافقتهم على كسر الجليد والجمود ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، وما تمخض عن هذا اللقاء من أجواء إيجابية لا زالت تدفع نحو التوصل إلى تفاهم بشأن القضايا العالقة وعلى رأسها التسوية الأوكرانية.
إن لقاء ألاسكا يفتح الفرصة أمام ترامب والإدارة الحالية للخروج من العزلة الدولية لعدم تجاوبهم مع العملية الموضوعية للانتقال إلى عالم التعددية القطبية الذي يلبي طموحات الأغلبية الساحقة من البشرية. ويكفي أن نذكر أنه إلى جانب روسيا والصين والهند ثمة عشرات من الدول التي تشارك في منظمات وتجمعات تتوق إلى الخروج من عالم هيمنة القطب الواحد، ولن يتأتى ذلك إلا بخروج الولايات المتحدة من عزلتها، والجلوس إلى طاولة المفاوضات فيما يخص وقف سباق التسلح النووي، والتفاهم بشأن معاهدة “ستارت الجديدة”، التي ينتهي العمل بها فبراير المقبل. وقد عرضت روسيا طواعية الالتزام بالمعاهدة عاما آخر من طرف واحد، على أمل أن تقوم الإدارة الأمريكية هي الأخرى بخطوة مماثلة كبادرة حسن نوايا.
لكن وضع الرئيس ترامب، فيما يبدو، حرج في الداخل الأمريكي، حيث لا زالت الدولة العميقة مؤثرة وحاضرة في صناعة القرار، لا سيما فيما يخص السياسة الخارجية، وسياسات واستراتيجيات الحرب الباردة التي كنا نظن أنها ذهبت إلى غير رجعة منذ ثلاثة عقود.
إن روسيا، وبرغم كل ما يصدر من تصريحات من قبل ترامب، سواء في بعض الانتقادات لشخص الرئيس بوتين، أو ما يصدر بشأن توريد صواريخ “توماهوك” إلى أوكرانيا، والقاصي والداني يعلم أن “توماهوك” لن يستطيع الأوكرانيون تشغيلها أو توجيهها أو التحكم فيها دون بيانات استخباراتية ومعلوماتية وخبرات أمريكية. كما أن “توماهوك” هي صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، ما يجعل توريدها إلى أوكرانيا واستخدامها من الأراضي الأوكرانية تصعيدا لحرب “الناتو” ضد روسيا إلى مستوى جديد، وهو ما أعلنه الرئيس بوتين. أقول إن روسيا وبرغم كل هذه التصريحات تترفع عن الرد، وترغب في تجاوز الصعوبات من أجل التوصل إلى لغة حوار وتفاهم مع الولايات المتحدة، وهو أمر تؤكد القيادة الروسية على إمكانيته.
أتمنى أن يستغل الرئيس ترامب هذه الفرص، ولا أشك في أن لدى روسيا ما تقدمه في جميع القضايا العالقة والصراعات الدولية، وعلى رأسها أزمة الشرق الأوسط، فروسيا وقبلها الاتحاد السوفيتي لديهم خبرة طويلة في المنطقة، ويعرفون مفاتيحها، وأعتقد أن روسيا والولايات المتحدة معا سيستطيعان التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية، وقبلها تسوية الأزمة الأوكرانية وفقا تفاهمات عاقلة راشدة تتفهم موازين القوى على أرض المعركة وعلى مسرح السياسة الدولية.