رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
د. هايدي عيسى

د. هايدي عيسى

زِرَاعَةُ الْأَعْضَاءِ بَيْنَ التَّبَرُّعِ الْمَحْمُودِ وَالْاِتِّجَارِ الْمَذْمُومِ (1)

الخميس 27/مايو/2021 - 01:52 م
طباعة
لقد حفل ماضينا القريب بتطورات طبيَّة مُبهرة مُلفتة، تَمكَّن معها عديد من المرضى أن يجدوا بديلًا طبيعيًّا ملائمًا لحالتهم المرضية؛ لتدُبَّ الحياة من جديد في جسدٍ مات عضوٌ فيه، بدلاً من الاستسلام للعجز الذي أحاط بهم، وبالتالي إنقاذ حياتهم بعدما استجابت أعضاؤهم التالفة للمرض، يُساعدهم في ذلك كياناتٌ طبيَّة، ومن ورائها ـ للأسف في بعض الحالات ـ عصابات تجارة الأعضاء البشرية، وهنا كان جوهر الازدهار والخطورة معًا؛ فالأمر على نُبل فكرته إلا أنه ظل يحمل أبعادًا متشعبة للموضوع بعضها إيجابي وبعضها الآخر سلبي.
وهنا يظهر السؤال التعجبي... لماذا لا يدور كثير من هؤلاء المنتفعين في الفلك الذي رسمه لهم القانون ومن قبله الشرع؟ بل لماذا لا يتخلَّفوا (شرَّ تَخلُّفٍ) والأمر يستتبع منافع مادية هائلة!؟ حتى أصبح الجراحون ومؤسساتهم يتنافسون ليُظهروا مهاراتهم في إجراء عمليات زرع أعضاء الآدميين، لكن للأسف مع وجود عصابات الإتجار بالبشر ممن يلهثون وراء أيِّ مصدر يُمكن أن تُؤخَذ منه هذه الأعضاء البشرية؛ جانين من ورائها الربح، متستِّرين بغطاء قانوني مُزيَّف، غاضين الطرف عمَّا يُخلِّفه فعلُهم اللاإنساني من واقع مرير وفساد كامل لمنظومة بأسرها.
وما بين متبرِّعٍ نبيل قصد إنقاذ حياة قريبه، ومُعدَم ضحية يبيع أعضاءه لحاجته للمال، وأجنبيٍّ يغدو هنا وهناك بين الدول ليشتري عضوًا بشريًّا ملائمًا بأبهظ الأثمان، إلى غير ذلك من العلاقات جاء هذا المضمون.
فإزاء هذا الوضع المتشعب كان ضروريًّا ـ بل لازمًا لزومًا حتميًّا ـ أن يتدخَّل المشرع لسد كلِّ خلل ملحوظ بتنظيمه للنصوص القانونية الحازمة التي تَردَع كلَّ من تُسوِّل له نفسه مخالفة ما نص عليه القانون، وبخاصة في ظل ما تُقره التشريعات لجسد الإنسان من حرمة وحماية في الحياة وبعد الممات، وإن اختلفت فيما بينها في درجة هذه الحماية ومداها، بالإضافة إلى نصوص غالبية الدساتير والمواثيق الدولية المعنيَّة بحقوق الإنسان، والتي تعلن وجوب عدم جواز امتهان حرمة جسد الإنسان.
وبعدما كان الوضع في البداية يتعلق بتنظيم تشريعي يُنظِّم نقل الكُلَى وزراعتها بعد نجاح عملياتها، وكذا بالنسبة للقلب، أصبح الوضع في طفرة غير مسبقة؛ فلم تَعُد تتعلق عمليات زرع الأعضاء البشرية بعضو معيَّن من الأعضاء البشرية فقط كما كان. بل تم تحديث القوانين لتصبح مُنظِمة لنقل عموم الأعضاء البشرية وزراعتها.
وما بين أعضاء جسم الإنسان: كُلًى وكبد، وقلب، ورئة، وقرنية، بل ووجه! ـ إلى غير ذلك من الأعضاء البشرية ـ دارت عمليات الاستئصال والزرع، ودار معها فقهاء الشريعة والقانون باحثين عن بيان الموقف حيالها، كلٌّ من منظوره، وبخاصة في ظل ما هو معلوم من أن استئصال الأعضاء البشرية يكون غالبًا من الفقراء المواطنين ممَّن دعتهم الحاجة وناشدهم فقرهم ليبيعوا جزءًا من جسدهم للحصول على المال؛ وبالتالي زرع أعضائهم في جسد شخص آخر لا تربطه بهم رابطة حقيقية توافرت فيها الشروط التي رسمها لها القانون، ومن ثم التستر بغطاء الصفة التبرعية وإظهار الأمر على غير حقيقته في بعض الأحوال!
وبنظرة متخصصة مجملة إلى حال واقع المجتمع المصري يمكن أن يُستظهر بجلاء الزيادة المضطردة في نسبة الفقر بين أفراده، وكذلك الكثافة السكانية المعروفة؛ ولا شك أن كلا الأمرين يُشجعان على فتح الباب لتجارات غير مشروعة في أعضاء الآدميين. 
وعليه فهذا الموضوع يحتل قدرًا من الأهمية لأننا قد نكون بصدد جريمة عابرة للقارات، بعدما أضحى معلومًا أن هناك دولًا بعينها قد تخصَّصت في بيع الأعضاء البشرية لمواطنيها ممن دعتهم الحاجة إلى بيع أعضائهم؛ كالهند (التي واجهت صعوبات بالغة في تتبع السوق السوداء المزدهرة –إن جاز لنا التعبير- لتجارات الأعضاء البشرية المنتشرة بها، وإن لم تقم بإدانتها رسميًّا حتى الآن حد تعبير الفقه)، ودولاً أخرى كالفلبين! وأخذ الأعضاء البشرية من المحكوم عليهم بالإعدام في بعض الدول كالصين، حتى أن مثل هذه الدول أصبحت وجهة لهذه العمليات الجراحية الفَظة، عبر هذه التجارات غير المشروعة التي جعلت من أعضاء البشر محلًّا لتجاراتهم!! وصِرنا نسمع عن سياحة زراعة الأعضاء.
والشاهد إذن أن بيان الغطاء القانوني لعمليات استئصال الأعضاء البشرية وزرعها شأنٌ ذو أهمية كبيرة لم يقف عنده كثيرًا، رغم أنه موضوع شائك ومتشعب معقَّد وحيوي مهم ذو أبعاد شرعية، وطبية، قانونية، وأخلاقية، وإدارية، أضحت فكرته واقعًا نرى نتائجه عيانًا، حتى صرنا بحاجة لهذه الوقفة لعلها تُسهِم في الحفاظ على حقِّ إنساني لشخص ما ألا وهو حرمة جسده، أو حتى تَرُدَّ لآخر حقَّه.
وعليه جاءت فكرة سلسلة هذه المقالات لتوضح أبعاد فكرة استئصال الأعضاء البشرية وزراعتها في مصر ، لذا ستخصص مقالات قادمة لتوضح في سلاسة الضوابط القانونية المنظمة لهذه الفكرة على المستويين المحلي والدولي وكذا أبرز الاقتراحات التي قيل بها، مع وجوب الإشارة إلى أن كل ما قيل وسيقال يبقى مرتبطًا باتفاقه مع أحكام الشريعة الإسلامية.

(*) مدرس القانون الدولي الخاص كلية الحقوق - جامعة القاهرة 

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر