عربي وعالمي
أبو الغيط: الأمن القومي العربي ليس فكرة مثالية إنما هو واقع استراتيجي

أكد أحمد ابو الغيط الامين العام للجامعة العربية، ان العراق ركن ركين في العروبة، ثقافة وسياسة وشعباً وحكومة وتاريخاً وحاضراً وذلك كونه ليس فقط لأنه عضوٌ مؤسس في الجامعة العربية ولكن لأننا نشعر حقاً بمعنى العروبة مُجسداً وماثلاً في رحاب الحواضر العربية الزاهية التي طالما شكلت مركزاً للثقافة والآداب والعلوم، مشيرا الى ان بغداد تأتي على رأس هذه الحواضر التي شهدت أوج ازدهار حضارة العرب بكل وجوهها.
وقال- في كلمة القاه بالمعهد الدبلوماسي
العــراقي تحت عنوان "تجديد العروبة":
تعرفون جميعاً المقولة الشائعة أن الكتاب
يُكتب في مصر ويُطبع في لبنان ويُقرأُ في العراق،وهي مقولة ما زالت صحيحةً تماماً إلى
يومنا هذا.
واضاف ابو الغيط: إن عروبة العراق تُمثل
معنى عزيزاً على العرب جميعاً، وليس على العراقيين وحدهم،مشددا على ان الظروف التي
مر بها هذا البلدُ الأبي خلال العقدين الماضيين آلمت كلَ عربي، ومثلت وجعاً في قلب
كل من يعرف تاريخ الأمة العربية ومكانة العراق فيه.
وقال انه علينا أن نعترف، من باب المكاشفة
والمراجعة، أن العروبة ظُلمت معنا في الفكر والممارسة وفي النظرية والتطبيق ،موضحا
إن المتأمل في أحوال النصف الثاني من القرن العشرين، بإمكانه أن يقف على الأسباب والبواعث
التي أدت إلى انحدار العروبة وامتهانها على أيدي أبنائها حتى وصلنا إلى ما نحن فيه
اليوم من تفكك للأوطان، وتفتت للدول، وتشتت للهويات.
واشار ابوالغيط الي أن الأمن القومي العربي
ليس مُجرد مفهوم نظري أو فكرة مثالية، بل هو واقع استراتيجي تفرضه الجغرافيا أولاً،
والتاريخ ثانياً، والانتماء قبل هذا وذاك.
وقال ابوالغيط ان ما تعرضت له الأمة العربية
في الخامس من يونيو 1967 من شعور مرير بالهزيمة الحضارية الشاملة كانت العروبة، كفكرة
وفلسفة ومبدأ سياسي، احدى ضحايا هذه الهزيمة التي زعزعت ثقة العرب بأنفسهم، وقوضت يقينهم
بثوابتهم السياسية والوطنية.
وشدد ابو الغيط على ان الهزيمة لم تكشف
عن ضعف عسكري بقدر ما عرت حقيقة واقع مهلهل وممزق بالصراعات البينية، والمنافسات الصغيرة.
واضاف انه برغم محو عار الهزيمة العسكرية
بعدها بعدة سنوات، فقد ظل هذا الواقع بكل تناقضاته وعوامل ضعفه وهشاشته قائماً، بل
إنه –وللأسف- تعزز وترسخ وإذا بنا أمام نُظم سياسية توظف الفكرة العربية لتؤسس منظومات
للقمع والقهر وإذا بالعروبة، على أيدي هذه النظم، تصير سبيلاً لتبرير الاستبداد .
وقال ابو الغيط إن النظم السياسية التي
قامت باسم القومية العربية في بعض ربوعنا أساءت لفكرة عظيمة سامية، إذ جعلتها مرادفاً
للهيمنة على المجتمعات وقمع المختلفين في الرأي، بل وإلغاء الآخرين المختلفين في العرق
أو الطائفة وكأن العروبة حكرٌ على حزبٍ أو فئة دون غيرها، أو كأنها ضرب من ضروب الفاشية
المصابة بالاستعلاء والانغلاق.
واشار ابوالغيط الي ان هذا النهج في فهم
العروبة وتطبيقها ادى إلى انكشاف الأوطان وتمزيق الأمة بل وأسهم في تسميم أجواء العلاقات
العربية، بأن جعلها رهناً لمُنافسات صغيرة على الزعامة،كما صارت العروبة سلاحاً للمُزايدة
وساحة للمُكايدة.
واضاف ابو الغيط اننا سمعنا الحُكام يرمون بعضهم البعض بالخيانة، أو بالتنكر
للعروبة، أو بالتنصل من القضية القومية، وكأن هناك من يملك حصراً منح صكوك العروبة
أو منعها، وكأن العروبة سلاحٌ نطعن به بعضنا البعض، وليست جسراً نعبر عليه فوق خلافاتنا.
وطالب ابو الغيط بمراجعة مفهوم العروبة
ذاته، في تجلياته النظرية وتطبيقاته العملية على حد سواء،لافتا الى ان الأفكار الجامدة
لا تندثر وتموت كما ان الأفكار الحية هي التي تدخل في حوار مُستمر مع العصر ومُستجداته.
وشدد علي ان العروبة فكرة مُتجددة وزمانها
أمامها وليس وراءها ومجدها آت وليس غابراً.
واضاف ان هذا ليس من باب العاطفة والحماس،
وإنما بواقع المُراقبة الموضوعية لأحوالنا ،موضحا ان الفكرةُ العربية، أول ما ظهرت،
كانت تهدف إلى الارتقاء بولاء البشر من الانتماءات القبلية والمذهبية، إلى شيء أعلى
وأسمى... وتابع قائلا واليوم، لا يحتاج المرء لجهد كبير ليُدرك كيف انفرط العقدُ في
عددٍ من أوطاننا، وارتد الناس ثانية إلى حالة التعصب للقبيلة والمذهب بدلاً من الإيمان
بالوطن والأُمة، إننا لم نكن في أي وقت أحوج إلى إحياء العروبة، فكراً وممارسة وانتماء،
مما نحن الآن.