قصة السفينتين.. رحلة البحرين من أعماق البحار إلى آفاق الابتكار
الثلاثاء 16/سبتمبر/2025 - 08:21 ص
طباعة
sada-elarab.com/778406
قبل أيام، أناب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية، لتدشين سفينة الأبحاث المتقدمة «المساحة 2050»، في خطوة تعكس رؤية البحرين الطموحة نحو بناء منظومة بيانات وطنية دقيقة وموثوقة تدعم صناع القرار وتخدم برامج التنمية الاقتصادية وتساهم في تعزيز تنافسية المملكة عالمياً.
هذه السفينة ليست مجرد وسيلة مسح بحري، بل هي مختبر عائم مزوّد بأحدث التقنيات العالمية، من بينها أجهزة «مالتي بيم» و«سنجل بيم» التي تمكّن من مسح قاع البحر بدقة غير مسبوقة. ويقوم فريق من المختصين بتحليل وتصحيح هذه البيانات لإنتاج خرائط ملاحية عالية الجودة تُستخدم في الملاحة التجارية والعسكرية، ما يضمن سلامة الممرات البحرية ويخدم خطط تطوير الموانئ والبنية التحتية البحرية. كما ستجمع السفينة عينات بيئية من المياه والرواسب والكائنات البحرية لإجراء تحاليل متقدمة تساعد في تقييم جودة البيئة البحرية ومراقبة مستويات التلوث ومواقع الترسبات، وهو ما يفتح الباب أمام وضع سياسات بيئية واقعية ومستندة إلى بيانات دقيقة.
وبينما نحتفي بهذا الإنجاز الوطني الكبير، جاء خبر آخر يحمل بُعداً مستقبلياً واعداً، تمثل في مشاركة جامعة بوليتكنك البحرين في المؤتمر العالمي الثاني للمياه والطاقة وتغيّر المناخ، حيث قدّم طلبة هندسة الميكاترونكس مشروعاً رائداً يتمثل في قارب يعمل بالكامل بالطاقة الشمسية ويُتحكم فيه عن بُعد. هذا القارب مزوّد بأجهزة استشعار متطورة لمراقبة جودة مياه البحر والهواء، ويدعم خاصية النقل المباشر للبيانات، ما يجعله حلاً ذكياً لمراقبة المناطق النائية والمسطحات المائية الواسعة دون الحاجة إلى طاقم بشري على متنه.
إن التشابه الكبير في الأهداف بين السفينة الكبيرة والقارب الطلابي يدفعنا جميعاً إلى الدعوة لتبني هذه المبادرات ودعمها، وتحويلها إلى مشاريع صناعية وطنية حقيقية. فالبحرين تمتلك العقول القادرة على الابتكار، وما ينقصها سوى الدعم والتمويل لتحويل الأفكار إلى منتجات تصدّر للعالم. فلو تحقق هذا المشروع، فسيفتح الباب أمام إقامة مصنع متخصص لصناعة القوارب البيئية الذكية، ما يخلق فرص عمل نوعية ويوفر عوائد اقتصادية تعزّز مكانة المملكة كمركز للتقنية البحرية في المنطقة.
اسمحوا لي، وباسمكم جميعاً، أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى هيئة التعليم في جامعة بوليتكنك البحرين على رعايتها لهذه العقول المبدعة والكفاءات الوطنية المتميزة، وأوجّه في الوقت نفسه رسالة تحذير صادقة: إن لم نحتضن هذه الأفكار ونوفر لها الدعم والتمويل، فقد تجد طريقها إلى دول أخرى لتُنفّذ هناك، ثم نعود بعد سنوات لنستورد ما كان يمكن أن يُصنع بفخر على أرضنا وبأيدينا.
إنني أحلم باليوم الذي يكبر فيه هذا القارب الصغير، ويُصنع بأيادٍ بحرينية أصيلة، ويُبحر تحت راية تحمل عبارة تليق بطموح المملكة وفخرها: «صُنع في البحرين».
* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية
