رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
أحمد المرشد

أحمد المرشد

"الأطلال".. قصة حب لم تكتمل

السبت 06/يناير/2018 - 12:22 ص
طباعة

تذكرت مع قدوم العام الجديد بساعاته وأيامه قصيدة "الأطلال" للشاعر الطبيب إبراهيم ناجي..ولكن ما علاقة "الأطلال" بكلماتها وشاعريتها المرهفة بعام جديد؟..ربما لأننا غالبا ما نضع المقارنات بين عام ولي ومضي الي حال سبيله وآخر يهل علينا ، كذلك "الأطلال" التي لم يترك كاتبها إبراهيم ناجي لحظة حب مع ملهمته وإلا تذكرها وكتبها ثم عاد إليها بعد حنين وسنين،  فالحنين هنا لحب انتهي ولكنه ترك أثرا في النفس والروح، والسنين ليتذكر هذا الحب الجارف الذي ترك بصمة في قلبه وروحه وربما جسده ولكنه لم يخبر أحدا بذلك، ربما أراد إخفاء سبب العلة التي تركت آثارها علي أشعاره وقصائده.
 
ربما أفصح عما أريده بصراحة، فالحب لا ينتهي بدليل أننا أحيانا نعيش بذكراه وعلي ذكراه، وإذا كان ناجي أبدع في التعبير عن حبه في أطلاله وغيرها من القصائد التي تركها لنا بعد قصص حب عاشها، فهذا قدره كشاعر، ولكن غيره أيضا يعيشون نفس الذكريات وهي محفورة في ذاكرتهم، ولهذا فعندما يهفو ماضينا علي وعينا نسترجع بالفطرة أبياتا خالدة من ذكري الحب العذري وتنتفض معها روحنا ويرفرف قلبنا بمجرد أن تهف علينا ذكري وصورة المحبوب أو الحب الذي كان. ولهذا لم يكن غريبا علي ناجي وغيره من الشعراء أن يعودوا الي الوراء، ليس بحثا عن أطلالهم الخالدة، وإنما رغبة في العيش لحظة جميلة عاشها في زمانه وماضيه. وهنا يتذكر ناجي أبياته:
يا فؤادي لا تسل أين الهوى ..كان صرحاً من خيالٍ فهوى
اسقني واشرب على أطلاله ..واروِ عني طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبراً ..وحديثاً من أحاديث الجوى
لست أنساك وقد أغريتني .. بفمٍ عذب المناداة رقيقْ
ويدٍ تمتد نحوي كيدٍ ..من خلال الموج مدت لغريق ْ
وبريقاً يظمأ الساري له .. أين في عينيك ذياك البريق
 
 تحدثوا وأسهبوا كثيرا عن ملهمة إبراهيم ناجي، فتارة يقولون فنانة مشهورة، في حين كتب كثيرون نقلا عن الشاعر نفسه أنه عشق أكثر من فنانة وممثلة وراقصة ولكنه لم يكتب أطلاله الخالدة عن أيا منهن.  و تروي أغلب القصص أن الممثلة زوزو حمدي الحكيم هي الملهمة الحقيقية والوحيدة للأطلال، وتنقل الحكايات عن ناجي رسالة كتبها بنفسه لحبيبته - المجهولة في الواقع ولكن يقولون إنها لزوزو حمدي الحكيم- علي "روشتة" صرف الأدوية لوالدتها المريضة. وتقول نص الرسالة التي لا نعلم مدي صدقها أو زيفها "إذا استطعت أن أكون الدليل الذى يريك الفن والجمال والخير والحق والنبل فأنت أعطيتنى ذلك القليل.. وأنا كنت لك ذلك الدليل.. فأنا استعنت بروحك السامية على آدميتى.. وإذا أنا استطعت أن أملأ عليك حياتك فشعرت بالعزة والاستغناء.. يوم ذاك نكون أربابا يا زوزو.. ويبقى حبنا يا زوزو.. إنى أحبك". والمعروف أن الفنانة الراحلة "زوزو حمدى الحكيم"، تزوجت الكاتب الصحفى محمد التابعى نجم الصحافة المصرية في ذلك الوقت والذي اشتهر بصولاته وجولاته في حكايات حقيقية عن الحب والهوي. وتنقل بعض الصحف والمواقع المصرية عن  زوزو حمدى الحكيم قولها  فى لقاء:"أنا ملهمة شاعر الأطلال والمرأة التي كتب فيها أبياته". وتضيف الحكيم أنها رجعت لمجموعة الأوراق – الروشتات التي كتبها ناجي لوالدتها – بعد سماعها أم كلثوم  وهي تنشد "الأطلال"،  فوجدت كل بيت من أبيات القصيدة على كل روشتة. ولكن الفنانة  لم تكشف في حواراتها لماذا لم تبادل ناجي حبا بحب وعشقا بعشق، وهل كان الحب من طرف واحد أم كشف لها عن غرامه بها.
 
وكما ذكرت، لم تترك الحكايات إبراهيم ناجي حيا وميتا، إذ تناولته الأقلام مرات عديدة، وقالوا عنه العاشق الذي مات حيا من كثرة غرامياته من طرف واحد، والعاشق الذي عاش حياته مثل الفراشة المعذبة الحائرة والتي تنتقل من غصن لآخر لعلها تجد الزهرة التي تسكن إليها. ويبدو أنه مع كثرة تنقلات الفراشة فهي لم ترتو أبدا من الحب المنشود، فاكتفي ناجي بالارتواء الروحى، وإن كان هذا أصابه بالحسرة التي زادت إحساسه بالحرمان والتلاقي الحسي في كل تجربة مع فنانة أو كاتبة من الكثيرات اللواتى التقى بهن. ومن بين أغصانه التي ذكروها  الفنانة أمينة رزق التي كتب فيها قصيدة "نفرتيتى الجديدة"، وزينب صدقي صاحبة  قصيدة "وداع المريض"، بالإضافة الي زوزو ماضى، أما الراقصة سامية جمال فانفردت  بقصيدة "بالله مالى ومالك".
 
وكما أسلفت، لم يسلم ناجي من الحكايات الكثيرة عن ملهمته، ولكن ما يهمنا في هذا المقام ما تركه لنا من كلمات وإبداع وإحاسيس مرهفة، ونمضي مع أطلاله حتي نصل الي:
 
أين مني مجلس أنت به .. فتنةٌ تمت سناء وسنى
وأنا حبٌ وقلبٌ هائمُ .. وخيالٌ حائرٌ منك دنا
ومن الشوق رسولٌ بيننا .. ونديمُ قدم الكأس لنا
هل رأى الحب سكارى مثلنا ..كم بنينا من خيالٍ حولنا
ومشينا فى طريق مقمرٍ .. تثب الفرحة فيه قبلنا
وضحكنا ضحك طفلين معاً ..وعدوّنا فسبقنا ظلنا
وانتبهنا بعد ما زال الرحيق ..وأفقنا ليت أنّا لا نفيق
يقظة طاحت بأحلام الكرى ..وتولى الليل والليل صديق
وإذا النور نذيرٌ طالعٌ ..وإذا الفجر مطلٌ كالحريق
وإذا الدنيا كما نعرفها .. وإذا الأحباب كلٌّ في طريق
 
ولعلي أميل بعد سماع هذه الأبيات الي رواية أخري عن حب إبراهيم ناجي، رغم أنه ليس هناك دليل علي صدق حدسي سوي حوار للشاعر صالح جودت الصديق الحميم لناجي كشف فيه قبل مماته أن ناجي أبلغه في جلسة بينهما أنه لم يكتب رائعته  "الأطلال" من وحى أية ممثلة من اللواتى إدعين ذلك. وقد احتفظ صالح جودت بسر صديقه ولم يكشفه في أيا من حواراته لأن الملهمة كانت وقتها علي قيد الحياة ومن الحياء ترديد اسمها في الصحف.. والأمر هكذا، أكشف أنا بدوري معلومة أبلغني إياها أحد الأصدقاء الذي يعرفون مدي ولعي بالشعر والشعراء، فأرسل لي قصة مغايرة لحب ناجي وقد أراها حقيقية أو أقرب الي الصحة وفقا لما ذكره صديقه المقرب صالح جودت.. فناجي أحب بنت الجيران ولم يزل عمره 16 عاما، ليغادر مصر لدارسة الطب، ثم يكتشف أن حبيبته التي تتيم بها وفجرت ينابيع الإبداع بداخله تزوجت، فحزن حزنا شديدا وبدأ كتابة أبيات قصيدته التي فكر فيها وهو لم يزل شابا محبا لها.. لم تستطع كثرة السنوات أن تنسي ناجي حبيبته وملهمته ، ليفاجئه القدر ذات يوم برؤية تلك الإنسانة الغالية. فبعد عودته من الخارج بسنوات عديدة، استغاث به رجلا بعد منتصف الليل لينقذ زوجته التي كانت في حالة ولادة عسيرة، فلبي نداء الواجب المهني وذهب الي منزل المستغيث ليطلب منه أن يكشف وجه زوجته وكانت في حالة خطرة جدا.. وهنا فوجئ ناجي بحب عمره أمامه  ووفقه المولي عز وجل في انقاذها وبدأت أنفاسها تعود لها تدريجيا بعد أن كانت شبه غائبة عن الوعي..لقد تلاقت أنفس ناجي وملمهته في وقت واحد، هي بعد طول إعياء ومرض بسبب حالة الوضع، وهو من وقع المفاجأة والفرحة، فقد تذكر حب عمره الذي لم ينساه يوما، وعاش معنا حتي يومنا هذا..مضيت هذه الليلة سريعا بعد نقل السيدة الي المستشفي ورزقت بمولود، فيما عاد ناجي لمنزله قرب الفجر تقريبا ليكمل قصيدته التي لم تكن كاملة بعد، وليطلق علي مولوده  اسم "الأطلال"، لتكون أطلالنا جميعا، فمن منا لم يمر بقصة ناجي، ومن منا لم يعش كل حرف من أبياتها، فهي هزت وستهز قلوب العشاق، خاصة عندما يقول فيها:
 
أيها الساهر تغفو ..تذكر العهد وتصحو
وإذا ما التأم جرح ..جدّ بالتذكار جرحُ
فتعلّم كيف تنسى ..وتعلّم كيف تمحو
يا حبيبي كل شيئٍ بقضاء ..ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا ..ذات يوم بعد ما عز اللقاء
فإذا أنكر خل خله .. وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلى غايته ..لا تقل شئنا فإن الحظَّ شاء
 
لم تكن حياة شاعر "الأطلال" هادئة، فعاش معارك أدبية مع نظرائه وأقرانه من أدباء ومشاهير عصره، بيد أن ناجي لم يتحمل حياته بعيدا عن شعره وقصائده، ويكفي الأدب العربي أبياته التي يصف فيها حبه وشوقه ومعاناته:
 
يا حبيباً زرت يوماً أيكه .. طائر الشوق أغني ألمي
لك إبطاء المدل المنعم .. وتجني القادر المحتكمٍ
وحنيني لك يكوي أضلعي ..والثواني جمرات في دمي
أعطني حريتي أطلق يديَّ ..إنني أعطيت ما استبقيت شيَّ
آه من قيدك أدمى معصمي ..لم أبقيه وما أبقى عليَّ
ما احتفاظي بعهودٍ لم تصنها ..وإلام الأسر والدنيا لديّ
 
لقد عاشت "الأطلال" وغيرها من حكايات الحب والهوي والغرام، وسنعيش نحن مع أبياتها ورواياتها بغض النظر عن ما هي الشخصية الحقيقية الملهمة لإبراهيم ناجي، فمع كل عام جديد، سنتذكر أياما مضت وحياة عشناها في الماضي، والأهم أن كل يوم يبزع فجر جديد ببهجته وفرحته وياسمينه وأمانيه.
 
بالحب بدأنا وبالحب والآماني الطيبة نختم بأرق الأمنيات لدوام التوفيق لمملكة البحرين الخالدة وقيادتها الرشيدة وشعبها العظيم..والأمنية والأمنيات الطيبة موصولة لشعبنا الخليجي والعربي في أن يكون 2018 عام خير ونماء ووحدة.

احمد المرشد
كاتب ومحلل سياسي بحريني

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads