عربي وعالمي
"معركة النار": كيف تُدار حرب خفية لإخماد حرائق الغابات في إسبانيا؟
الأحد 27/يوليو/2025 - 12:23 م

طباعة
sada-elarab.com/772272
"إنها حالة طوارئ داخل طوارئ"، هكذا يصفها أليخاندرو رودريغيث، الخبير البيئي الذي قضى أكثر من 30 عامًا في الخطوط الأمامية لمكافحة حرائق الغابات في إسبانيا. في هذا التقرير الصوتي والميداني، نأخذك خلف الكواليس لتكتشف أسرار مكافحة الكوارث الطبيعية الأكثر شراسة.
كل شيء يبدأ بإشارة إنذار، قد تكون من برج مراقبة، دورية جوالة، طائرة إنقاذ أو حتى مكالمة من أحد المواطنين. بعد ذلك، تُسجّل البيانات الأولى عبر نظام إلكتروني مخصص، ثم تُستدعى أقرب وحدة تدخل لإخماد الحريق، وفق بروتوكول صارم يقضي بالوصول خلال 20 دقيقة كحد أقصى.
لكن ما يبدو منظّمًا على الورق، يصبح معقدًا في الميدان. "في بعض المناطق الجبلية، لا يمكن للشاحنات الثقيلة الوصول، فنضطر للسير على الأقدام أو سلوك طرق بديلة تطيل وقت الاستجابة"، تشرح فانيسا مولينا، قائدة في وحدة الإطفاء بسيبيلجا دي لا خارا في طليطلة.
عند الوصول، يُجري الفني المسؤول تقييماً سريعاً لطبيعة الحريق – نوع الغطاء النباتي، الطقس، التضاريس – ويبدأ برسم خطة الهجوم. لكن مع تعقّد الوضع، يتولى فريق قيادة عمليات خاصة مهام الدعم: رئيس الطيران، مسؤول لوجستي، خبير أرصاد... كلهم يعملون بتنسيق محكم.
بداية الهجوم عادة ما تكون من مؤخرة الحريق، مرورًا بجانبيه، بينما تُترك "الرأس" أو المقدمة – التي تتقدم بسرعة وتُعرف باسم "نقطة الموت" – دون تدخل مباشر لتجنب الفخ القاتل: تغيّر الرياح واحتجاز الفرق بين ألسنة اللهب.
تقول مولينا: "أنا في المقدمة، إذا شعرت بالدخان، أعرف أن شيئًا ما يسير بشكل خاطئ، وأبلغ الفريق فورًا".
مستويات الخطر والتدخل الوطني
وفقًا لخطة الطوارئ الوطنية، يُصنّف الحريق على أربعة مستويات (من 0 إلى 3). حتى المستوى الثالث، تظل السيطرة بيد السلطات الإقليمية. أما إذا تم تفعيل المستوى 3، تتولى الدولة زمام الأمور، وهو أمر لم يحدث حتى الآن.
يُرفع تصنيف الحريق إلى "درجة خطورة 2" عندما تكون هناك تهديدات للبنى التحتية أو التجمعات السكانية. وفي هذه الحالات، يتم استدعاء قوات دعم خاصة مثل وحدات الطوارئ العسكرية (UME) أو طائرات ضخ المياه (FOCA) التي تسقط 10,000 لتر في كل طلعة.
وأوضح بابلو غويتيريز، من وكالة الحماية المدنية في قشتالة وليون: "القرى المحاطة بمناطق غير قابلة للاشتعال يمكن أن تعمل كحواجز طبيعية. في هذه الحالات، نلجأ لخيار 'البقاء الآمن' مع تعليمات واضحة مثل غلق النوافذ وسد الفتحات بقماش مبلل".
سيرة النار: "سييرا برميخا" وأول حريق من الجيل السادس
في أكتوبر 2021، شهدت منطقة سييرا برميخا في ملقة أول حريق من الجيل السادس في تاريخ إسبانيا، استمر 45 يومًا وأتى على أكثر من 8,400 هكتار. الحريق كان شديدًا لدرجة تشكّلت فيه سحب نارية عملاقة (بيروكومولوس)، مما زاد من سرعة انتشاره واستحال معه التدخل الأرضي المباشر.
يروي خبير الإطفاء خافيير ألكانتارا: "كانت الرياح الساخنة تخلق بؤرًا جديدة خلفنا. لم يكن أمامنا سوى الانسحاب في بعض الأوقات".
أما المدير الفني للحريق، أليخاندرو غارسيا، فيشير إلى المفارقة القاتلة: "عندما تتحسن الظروف المناخية، قد تنهار سحابة الدخان وتخلق عواصف هوائية تنشر النار في كل الاتجاهات".
الدرس المستفاد؟
"نتعلم من كل تجربة، من حرائقنا ومن تلك التي اجتاحت دولًا أخرى كحرائق 'بدرغاو غراندي' في البرتغال عام 2017"، يضيف غارسيا.
وأشارت التقارير أن عدد المشاركين في الإطفاء في يوم واحد: 1,437 رجلًا وامرأة وعدد السكان الذين تم إجلاؤهم: 2,670.
علما بأن حرائق الغابات ليست مجرد نيران تلتهم الأشجار، بل سيناريوهات طوارئ معقدة تشبه ساحات المعارك. والجنود في هذه الحرب، ليسوا في ميادين قتال، بل في غابات محترقة وسماء ملبدة بالدخان.