رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
السفير: خليل الذوادي

السفير: خليل الذوادي

الشيص في الغبة حلو

الأربعاء 17/فبراير/2021 - 10:58 ص
طباعة
من تأثيرات الحكم والأمثال في مجتمعنا البحر، فقد كان البحث عن لقمة العيش في البحار متمثلة في البحث عن محار اللؤلؤ في المغاصات والهيرات أو صيد السمك جعلهم يسقطون ما تعارفوا عليه على البحر الذي يقضون فيه جل أوقاتهم ليلاً ونهارًا. و«الشيص» أحد ثمار الرطب الذي لا يكون سهلاً في الأكل كالرطب أو التمر فيما بعد، فالشيص ليس سهل الهضم، حلو المذاق، ويمتاز بالجفاف والصعوبة في هضمه، لكنه يعتبر من ثمار النخيل المباركة وعندما لا يجد البحارة الرطب أو التمر وهم يقضون الأيام والليالي ويكون أمامهم «الشيص» فيأكلونه، وهم في أعماق البحر «الغبة» بعيدين عن المرافئ والموانئ، فيقولون وهم يتناولون الشيص: «الشيص في الغبة حلو». 

ما أقسى الأيام التي نمر بها وما أصعبها على النفس والخاطر، خصوصًا عندما يتغرب المرء عن الوطن الأم ويشده الحنين إلى الأهل والحي والأصدقاء فيشعر بمرارة الفراق والغربة، ولابد له من التحمل ومجاهدة النفس وتوطينها لكي يعتاد على مرور الأيام والليالي وقد يتعرض لأيام فيها وحشة، خصوصًا عندما نتذكر المناسبات التي تجمعنا على الخير. 

«الشيص في الغبة حلو» لابد من توطين النفس، وتحمل المشاق ووعثاء السفر، فحياة كل واحد منا لا تستقيم على حال، ففيها الحلو والمر، وبها منعرجات، وطريق سهل وطريق صعب ونحن مطالبون بأن نتعايش مع المتغيرات لما فيه الخير للأوطان ولما تفرضه الحياة من ظروف، ومجاراة المتغيرات تحتم علينا أن نعيش بالأمل لما فيه صالح الجميع.. 

 عندما دخلنا في المدارس الإبتدائية في الخمسينات كان علينا شراء بعض المأكولات في الفسحة من مقصف المدرسة، وكان البعض منا يملك الدراهم المعدودة لشراء حاجياته من الأكل الخفيف، وكان البعض لا يملك مثل هذه القدرة فيجلب من البيت بعض ما تجود به الوالدة من حلويات أو تمر أو رطب وربما الشيص، وكنا ونحن أبناء صف واحد تأخذنا الحمية فنتقاسم الأكل شعورًا بالتعاطف الإنساني فيما بيننا كزملاء في قرية واحدة أو حي واحد، وكان الصف الدراسي قد جمعنا ليس فقط للنهل من العلم والمعرفة وإنما الشعور المشترك كوننا أبناء صف دراسي واحد، فاستطاعت المدرسة أن تجمعنا وإن اختلفت مشاربنا وبات الفصل الدراسي هو غايتنا وهدفنا وكان كل شيء نتقاسمه فيه إحساس بالشعور الجماعي المشترك، إيمانًا منا بأن كل شيء نقوم به لصالح الجميع فيه إرضاء للنفس البشرية وطموحها والانتقال إلى مراحل دراسية إعدادية وثانوية تفرض معطياتها الجديدة وهي مراحل من العمر لا يمكن نسيانها، فهي فترة من العمر ترسم حياتنا ومستقبلنا، فقد تعلمنا من بعضنا بعضًا، وقدرنا منازلنا وشعرنا بأن اكتساب معارف جديدة يضفي على حياتنا معنى.. 

وكان النداء الذي ينادي به بعض المدرسين فيما يسمى «معونة الشتاء» والدعوة الى تبرع المقتدرين ليسهموا في مساعدة إخوانهم في المدرسة لتقديم ما تجود به نفوسهم «لمعونة الشتاء» وهي عبارة عن شراء ملابس تقيهم البرد، وفي نفس الوقت تشعرهم بأن من بينهم أخوة يحرصون على مساعدتهم والتخفيف عنهم، وكانت إدارة المدرسة تتفق مع بعض المحلات التي تبيع ملابس الشتاء لإجراء التخفيضات المناسبة وشراء ملابس للطلبة المحتاجين في فصل الشتاء، وكان الطلبة الحاصلين على مثل هذه المساعدة يشعرون بأن لهم أخوة يسعون لمساعدتهم وتقديم العون لهم، وكان المتبرعون يشعرون بالرضا وطيب الخاطر وهذا كان شعورًا إنسانيًا ليس به منة أو تفضل بل إن الكل كان يشعر بالتكافل الاجتماعي منذ الصغر.. 

إحساس المرء بأخيه هو رسالة عندما نرسخها ونؤكد عليها فإن معني ذلك أن مواجهة مصاعب الحياة تتطلب منا التكاتف والتعاون ونكران الذات والعمل مع الجميع نحو الأهداف المبتغاة وبما يحقق للجميع الأمن والاستقرار والعيش المشترك. 

لقد كانت أيام فرضت معطياتها على الجميع من أجل أن يظل الإنسان قادرًا على العطاء مهما قست الظروف وسارت الأمور على غير ما نحب ونأمل، إن إثراء تجارب المرء تأتي من الأمور السهلة والأمور الصعبة، وسنظل نتعلم من الحياة الدروس كلما تقدم بنا العمر، فليس للعلم واكتساب المعارف حدود، وما دمنا على هذه الأرض البسيطة فإننا نستفيد من تجارب بعضنا بعضًا فقد نتعلم من الأمور السهلة مثلما نتعلم من الأمور الصعبة، وسيظل إحساسنا بمرارة العيش يعادله شعورنا بحلاوة العيش المشترك وربما نعيد ونكرر ما يقوله السابقون «الشيص في الغبة حلو». 

 

وعلى الخير والمحبة نلتقي

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads