رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
أحمد المرشد

أحمد المرشد

حديث عن القلب والعقل.. الحب والفكر

الجمعة 21/يوليو/2017 - 04:57 م
طباعة


اعترف بأن ما سأكتبه اليوم عن الحب والمشاعر والقلب كنت سأنقله لكم الأسبوع الماضي لولا قمة العشرين ومشاركة الشقيقة السعودية فيها وما نجم عنها من إرادة قوية لمواجهة آفة الإرهاب التي نعاني منها دول وشعوب المنطقة، وقد آليت علي نفسي اليوم آلا يشغلني عنوان آخر عن أيهما، مسؤول عن الحياة وتوجهات الانسان في تصرفاته  القلب أم العقل، ومهما قال العلماء والخبراء والأطباء، فلا يهمني سوي ما أراه بأن  القلب، هذه المضغة إن صلحت حقا أحبت ونقلت المحبة والود الي عالمنا الصغير والكبير.


 فما أحلي الحب وما أروعه  إذا أحببنا بصدق، فالشعوب والحضارات تحيا بالحب، وكم من ممالك انهارت وغابت عنها الشمس بسبب غياب هذا الحب وتملك مشاعر البغض والكره والحقد علي النفوس التي إن حقدت ماتت فيها الروح وبالتالي غابت عن الحياة، تماما مثل الشمس، التي لن تتأخر أو تتقدم دقيقة عن موعد شروقها أو غروبها.
 
وإذا تحدثنا علميا، نقتبس من خطبة لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، قال فيها إن  الإنسان يتبدل كليا كل خمس سنوات إلا المخ - أو العقل - والقلب، فكل أعضاء الجسم تتغير، الخلايا، العظام، الجلد، والأنسجة، وتعد الخلايا العظمية هي الأطول عمرا إذ تتبدل كل خمس سنوات..أما محتويات المخ ثابتة لا تتبدل، بدليل ثبات المعلومات لدينا،  وكذلك الخبرات والمهارات والذكريات وكل ما درسناه وتعلمناه.
 ويتساءل فضيلة الشيخ النابلسي:" لو سألت إنسانا ماذا تعمل؟ فلن يقول لك:كنت طبيبا، حيث ذهبت كل المعلومات مع تبدل المخ، فمن نعم الله العظمى أن المخ لا يتبدل.
 
وكما أن المخ ثابت بمعلوماته وعلمه ومهاراته وخبراته وذكرياته، هكذا الحال مع خلايا  القلب فلا تتبدل أيضا، وحكمة ثبات المخ معروفة، فما بالنا بثبات  القلب، فهذا يعود الي حكمة  الله عز وجل بقوله: }لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا{( سورة الحج .
 
وإذا كانوا قديما يعتبرون القلب مجرد مضخة للدم، فقد تغير الوضع  مع بدايات القرن الحادي والعشرين خاصة مع تطور عمليات زراعة القلب الطبيعي، والقلب الاصطناعي. فقد رصد الباحثون ظاهرة غريبة ومحيرة لم يجدوا لها تفسيرا حتى وقتنا الراهن، وهي ظاهرة تغير الحالة النفسية للمريض بعد عملية زرع القلب.  هذا التغير يكون بشكل كبيربعد استبدال قلب المريض بقلب طبيعي أو قلب صناعي.

 حيث لاحظوا تبدل ما يحبه هذا المريض وما كان يكرهه، بل وتؤثر على إيمانه. ولم يكن غريبا مع تقدم العلم اكتشاف أن القلب يتكون في الجنين  قبل المخ، ليبدأ بالنبض منذ تشكله وحتى موت الإنسان.

 لم يكن هذا هو الاكتشاف الوحيد عن القلب، فثمة رصد لظاهرة أخري نظرا لاعتقاد العلماء بأن المخ هو الذي ينظم نبضات القلب، إلا أنهم لاحظوا أمرا غريبا أثناء عمليات زرع القلب، فالقلب الجديد يبدأ بالنبضان فورا بمجرد  وضعه في صدر المريض دون أن ينتظر توصيلات المخ، معنى ذلك أنه يعمل من تلقاء ذاته، وتم اكتشاف هذه الحقيقة  أثناء زرع القلب. والمعني المقصود أنه ربما يعمل القلب مستقلا عن المخ، بل يزيد الأمر باعتقاد آخر وهو أن القلب هو الذي يوجه المخ في عمله.
 
نترك العلم الي الحب، فالقلب هو مركز الحب والبغض والطمأنينة والقلق والخوف، يقول الله عز وجل في محكم الذكر: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُم وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ْ{ ( سورة الأنفال)، فمحبة الله عز وجل مركزها في القلب، قال تعالى:}الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{( سورة الرعد)..والآيات كثيرة في القرآن الكريم علي كل معاني الحب والكره والقاسية قلوبهم وغيره  فالقلب يقسو ويلين،  ويصحو ويمرض، لماذا؟، لأنه  مركز الحب والبغض والإيمان والطمأنينة والقلق والأمن والخوف.
 
وثمة أكثر من قصة توضح ما نذكره من أن القلب هو مركز المشاعر وبعض السلوكيات وعلي رأسها  الحب، الأولي من فرنسا ، حيث تم  زراعة قلب لامرأة من شاب كان عمره 18 عاما مات في حادث سير، وتبدلت تصرفاتها وسلوكياتها بعد الزراعة فأخذت تتصرف بطريقة ذكورية، وأحبت  بعض الأكلات غير التي اعتادت عليها في السابق، وعندما بحثت في تغير تصرفاتها عمدت الي لقاء أسرة الشخص المتبرع بالقلب، فاكتشفت أن تصرفاتها تشابه تصرفات هذا المتبرع المتوفي. واستدل  العلماء من ذلك  علي وجود ما يدعى بـ"ذاكرة الخلية"، وهي ليست في المخ فحسب بل كل خلية لها ذاكرة.

 وقصة أخري لفتاة تم نقل لها قلب شاب كان يكتب الشعر ويعزف الموسيقي ويغني قبل وفاته في حادث سير، لتكتشف بعد العملية الجراحية أنها تعزف نفس موسيقي الشاب وتغني أغنياته المفضلة، ثم تأكدت من أسرته أنهما أصبحا يشتركان في نفس المواهب والاهتمامات تقريبا.
 
ثم لماذا نلجأ للعلم والقصص ولدينا الكثير من السنة النبوية تتحدث عن دور أهمية القلب في صلاح النفس،  وأنه إذا صلح هذا القلب فإن جميع أجهزة الجسد تصلح ـ بالمعنى العلمي ـ وإذا فسد فسوف تفسد جميع أنظمة الجسم، ولذلك قال رسولنا الكريم قبل 1438عاما: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)..وكان من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام : (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ).
 
ورغم كل ما سبق، فثمة اختلاف  حتي يومنا الراهن بين العضو المسؤول عن المشاعر بكافة أنواعها ما بين حب وبغض ولين وقسوة وخلافه، فرغم إدراكنا جميعا بأن القلب هو الذي يحرك المشاعر، الي هنا الأمر ممتاز، ولكن ثمة من يتدخل ويقول إن مشاعر الإنسان تعمل  بدوافع من تفكيره أيضا.

 ولكني ربما اختلف مع هذا المنطق، خاصة إذا ضربنا مثلا عن الزواج قديما، فعندما كان يتقدم أي عريس مجهول للعروس بدون سابق معرفة أو علاقة أسرية أو جيران وخلافه، كانت ترفضه في البداية بحجة أنها لا تعرفه ولا تعرف شيئا عنه، فما كان من الأمهات حينذاك سوي إسداء النصائح لبناتهن في جملة واحدة لا تتغير مهما تغير الزمان والمكان:" الحب يأتي بعد الزواج والعشرة".

 وفي تقديري فإن هذا منطق سليم وعقلاني رغم أن النتيجة ترتبط بالمشاعر، فالحب يأتي بالعشرة بعد الزواج، ويتولد بين الزوجين إذا أحسن أحدهما معاملة الآخر وتقرب بلطف ومودة إليه بصفة مستمرة، وأمامنا قصص نجاح أجدادنا وأباءنا في تأسيس أسر قوية بنيت علي أساس الحب والاحترام والمودة، فكان الحب الذي ربما ينهار إذا أساء أحد الطرفين معاملة الآخر أو عامله بطريقة جافة بعيدة عن مشاعر الحب والمودة والحنان، وهي كلها مشاعر يبثها القلب.
 
ومن أفضل ما قرأت في هذا المجال، أن القلب ينظر الي الحب علي أنه بطولة، في حين يتصور العقل الحب علي أنه "بطالة"، وشتان بين المعنيين والشعورين، فهل تتحول البطولة الي بطالة، يالها من سخرية حقا وليذهب العقل الي الجحيم إذا كان هذا رأيه في أحلي مشاعر في الوجود. فمشاعر الحب "البطولة" تجمع ولا تفرق، مشاعر تجعلنا نعيش اليوم وننظر للغد بعيون متفائلة وقلوب عامرة مفعمة بالحب والمودة  والحنان، أما إذا غلبنا العقل في حياتنا سنجعل من الحب جريمة يعاقبنا عليها، فهو يراه "بطالة" ويحذرنا منها، وكيف هذا والحب هو مثل النبتة التي تزهر فجرا وتظل مشرقة لحين غروب الشمس.

 فويل لنا كل الويل إذا غلبنا عقولنا في مشاعرنا، ستحولنا حقا الي آلات نسير بها  مثل التروس في عملية منتظمة بعيدة كل البعد عن المشاعر الطيبة والحب أسمي معاني الوجود.

ولنا هنا في نزار قبانى، شاعر الحب والمشاعر، قدوة حسنة في حواره الشعري بين قلبه وعقله وما دار بينهما عن الحب، فيقول في البداية:"حبيبي أحببتك بقلبي ولكن عقلي حاول أن يثنيني عن إحساسي بحبك" ثم استكمل الحوار ليقول القلب عن محبوبه :"أحببته حتى جن جنوني\فقلت من أجله اقتلوني\على شرط أن يكون أخر من تراه عيوني".

ليرد العقل :"كيف لك أن تحب شخص بعيد\لا تستطيع أن تراه وسط الطريق\أو تسمع دقات قلبه وهو قريب\أو حتى تسمع صدى صوته وهو يناديك".
ولم ييأس القلب فيقول :"وقعت في الحب دون ميعاد\وشعرت بقلبه وهو في آخر البلاد\فان كلامه مثل السكر المذاب\وحبه لي مثل المصباح المضاء".
ولا ييأس العقل :"ولكن هذا الحب محكوم عليه بالعذاب\وسيكون الفراق هو الختام\وستغرق في بحر الدموع والآلام\فاستيقظ من حلمك قبل أن تضيع في الظلام". 
ويستمر القلب في الدفاع عن حبه:" إتركني مع حبي وإبعد الأوهام عني\وســــــاعدني في تحقيق حلــمي\فأنا من دونــــه أضيـع وحدي\وأصبح وردة ذابلة منسية\فلا تحرمني حبه ولا من دفئ قلبه\عش معي اليوم وإترك الفراق للغد".
 
ومن معلوماتي التي قرأتها وأعجبتني وأتذكرها حتي الآن، تشبيه البعض "العقل والقلب" بشاطيئ النهر، فهما يحفظان ماء هذا النهر ويضمنان استمرار تدفقه، ولكن إذا  أسيئ استخدام أحد الشاطئين - أو كلاهما - فإن الماء سيهدر ويضيع ويتسرب ولن نستفيد منه، هذا بالضبط التوافق بين القلب والعقل، العاطفة والفكر، الروح والجسد، بما يضمن سير الإنسان في الطريق الصحيح. ولكن الأهم هو أن نحب ونمنح قلوبنا الفرصة لتحب وتملأ حياتنا حب وسعادة وفرحة وبهجة، فالحب الحقيقي هو الذي يعوضنا عن مشكلات الحياة ويجعلنا نتواءم معها، وثمة معنيين للحب، أن نعيش لنحب وأن نحب لنعيش. 

أحمد المرشد
 كاتب ومحلل سياسي بحريني

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads