رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
أحمد المرشد

أحمد المرشد

الضمير بين الفجر وأشعة الشروق

الجمعة 28/أبريل/2017 - 09:41 م
طباعة


لم تكن جلستي وأصدقائي الأسبوع الماضي مجرد "دردشة" عابرة، ولم نقترب من عالم السياسة وأزماتنا العربية والإقليمية، وبدون أن نتفق أو نرتب عنوانا لحوارنا، وجدنا أنفسنا نتحدث عن الضمير، ولكنه ليس الضمير النحوي، أي الضمير الغائب وتقديره هو أو هي، ولكننا بحثنا عن أهمية وجود الضمير الإنساني في حياتنا، لأن تغييبه مصيبة من مصائب الزمن، حتي إن تركناه "علي الرف" لا يقل سوءا عن غيابه، فكلاهما يضر بالإنسان والأسرة والوطن والعالم.. تحدثنا كثيرا عن الضمير، ووجدنا أن آياتا قرآنية كثيرة تتحدث عنه صراحة وتلميحا، وأحاديث نبوية وحكايات عن الصحابة والسلف الصالح.

 

فالضمير مثل الفجر،  يولد نقيا مشرقا ومشمسا ولا يتلوث أبدا، أما الإنسان بلا ضمير فهو مثل تقلبات الجو في الشتاء، أمطار ورياح ورعد وبرق، إنسان لا تتوقع منه خيرا، بعكس ضوء الفجر الناصع وأول أشعة الشمس المشرقة، فهي تعطينا الأمل والقوة، وهذا هو الإنسان صاحب الضمير اليقظ، إذا توقعت منه خيرا تجده، توقع منه تسامحا تجده، وكذلك الحب والعطاء وحسن النصيحة وحسن المعشر.

 

ولنتخيل علي سبيل المثال، أن أحدنا مدح حسنات صديقه وعدد صفاته الحميدة في غيابه، فهذا يعني أن هذا الشخص صاحب ضمير يقظ، فهو لم يخف ما بصديقه من مزايا، وحبذا أيضا لو كان صديقنا تجاوز عن بعض أخطاء صاحبه الذي مدحه، فهذه الصفة إن توفرت في شخص ما لوصفناه علي الفور بأن صاحب ضمير يقظ، فالكلام الجميل مثل المفاتيح تفتح به قلوب الآخرين، والمتسامح متصافي بطبعه.

 

ولنتخيل أيض إنسانا أدرك ثقافة عدم تحمل الهموم ورماها مثلما يرمي أي حجارة قبل أن يتعثر بها، فهو إنسان صاحب ضمير يقظ، لإنه لم يعط الأمور أكبر من حجمها، وتخفف من حمل الهموم والأحجار الكثيرة علي قلبه وعقله، وممكن أن نطلق علي صاحبنا هذا أنه صاحب ثقافة ومهارة رمي الهموم، ليكتسب مهارة جديدة تجعل من ضميره ضميرا حيا.

 

ولنتخيل إنسانا يتقي الله ويغسل قلبه من وسوسات الشيطان وسوء الظن بالآخرين، فماذا يكون مصيره؟ ..وإذا كان حسن الخلق طبعه، فبالتالي سيكون المولي عز وجل بجانبه، ومثله تماما زارع الخير والقائم عليه وأولئك حسنو المعشر، الذين نتذكرهم دائما بالخير والمحبة، فكل هؤلاء من ذوي الضمير اليقظ. يقول الشيخ محمد راتب النابلسي جملة جميلة :"نحن لا نملك تغییر الماضي و لا رسم المستقبل .. فلماذا نقتل أنفسنا حسرة على شيء لا نستطيع تغییره ؟ الحياة قصيرة وأهـدافها كثيرة، فأنظر الي السحاب ولا تنظر الي التراب .. إذا ضاقت بك الدروب فعليك بعلام الغيوب و قل الحمدلله على كل شيء ..سفينة (تايتنيك) بناها مئات الأشخاص وسفينة ( نــوح ) بناها شخص واحد، الأولى غرقت والثانية حملت البشــرية .. التوفيق من الله سبحانه وتعالى.. نحن لسنا السكان الأصليين لهذا الكوكب (الأرض) !! بل نحن ننتمي الي ( الجنّة ) حيث كان أبـونا آدم يسكن في البداية، لكننا نزلنا هنا مؤقتا  لكي نؤدي اختبارا قصيرا ثم نرجع بسرعة ..فحاول أن تعمل ما بوسعك للحاق بقافلة الصالحين التي ستعود الي وطننا الجميل الواسع.. ولا تضيع وقتك في هذا الكوكب الصغير، الفراق ليس السفر، ولا فراق الحب، حتى الموت ليس فراقا، سنجتمع في الآخرة، الفراق هو أن يكون أحدنا في الجنة، والآخر في النار، والحياة ما هي إلا قصة قصيرة.. ثم حساب  فثواب  أو عقاب..

فعش حياتك لله - تكن أسعد خلق الله".. فلنتخيل معا هذا الإنسان الذي طبق ما قاله الشيخ النابلسي، فهو بالطبع إنسان صاحب ضمير يقظ.

 

ولعل في قصتنا التالية ما ينم عن ضمير إنساني راق للغاية، إذ تروي قصة تداولها الكثيرون  علي مواقع السوشيال ميديا في الفترة الأخيرة، أن مهندسا هنديا لاحظ وهو يتناول الغداء في أحد المطاعم بمدينته، شقيقين صغيرين (ولدا  وبنتا) خارج زجاج المطعم ويبدو عليها علامات الفقر ويحدقان في طبقه. فأشار للنادل أن يدخلهما ليجلسا معه حتي يأكلا ما يفضلونه من طعام، ونسي المهندس طبقه وظل يشاهد فرحة الشقيقين وهما  يتناولان الوجبة التي طلباها، ثم ما لبثا أن شكراه علي صنيعه بهذه الوجبة الدسمة التي قدمها لهما، وحين طلب المهندس الفاتورة كي يدفع الحساب، فوجئ بالحساب "صفر" وجملة كتبها صاحب المطعم :" نحن لا نمتلك آلة حاسبة تستطيع حساب ثمن الإنسانية ".

 

وبمناسبة هذه القصة، فقد عرف علماء العلوم الإنسانية وعلم النفس "الضمير"، بأنه وظيفة من وظائف الدماغ التي تطورت لدي الإنسان لتسهيل الإيثار المتبادل، أو السلوك الموجه من قبل الفرد لمساعدة الآخرين في أداء وظائفهم أو احتياجاتهم دون توقع أي مكافأة وذلك داخل مجتمعاتهم.

 

ونري المهندس هنا شعر بمعاناة الطفلين، فعطف عليهما وامتلأ قلبه بالسعادة بعد أن رأي السعادة في أعينهما بعد الشبع، فالضمير هنا هو الإحساس بالأخرين، بالطفل، بالشيخ، بالأم والأب، بكل أفراد الأسرة. والضمير هنا لا يختفي، فهو حي ويقظ طالما ظل الإنسان علي قيد الحياة، وحتي إن اختفي بعض الوقت من قلب هذا الإنسان فهو قد يعود ليحاسبه علي ما اقترفه في فترة ما بالماضي، ويجعل بينه وبين المستقبل مانعا كبيرا من اقتراف نفس الأخطاء.

 

وإذا تطرقنا لمعاني الضمير المختلفة، نجد أن معناه اللغوي يدل علي  المحاسبة الحسية للنفس باستحسان كل ما هو حسن ورفض كل ما هو قبيح، لأن النفس خبيثة تتبع الأهواء والشهوات من دون أي مبالاة لأي دين أو قِيم أو خلق ، كما أنها – أي النفس -  ميالة الى الهوى، إلا من هداها الله لطريق الحق وعصمها عن الخطأ لقوله تعالى: "إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ"(يوسف ـ ٥٣). ومن هنا كان حرص الإسلام على تربية الإنسان التربية الصحيحة ولغرس الفضائل الحسنة فيه، وأن يجعل من الضمير رقيبا على نفسه بدون  حاجة إلى رقيب خارجي. وبهذا يضمن المولي عز وجل السعادة لكل من سلك طريق الخير والهدى والفلاح، مقابل الخيبة والفشل والخسران المبين لكل من سلك طريق الضلالة والفساد، لقوله تعالى: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوااهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا" (الشمس 7 - 10).

 

ولهذا نقول إن الضمير هو الرادع الداخلي الذي يميز ما بين الحسن والقبيح، الهدي والضلالة، القرب الي الله أم حب الدنيا والانهماك في ملذاتها .. والضمير هو ما يساعد الانسان على اتخاذ القرار الصالح و السلوك السليم والتمسك بالضوابط الاجتماعية المرعية في المجتمع والنهي عن القواعد التي تسيئ للمجتمع كبير أم صغير وكذلك الوطن.

 

ويربط بعض علماء اللغة بين "الضمير" و"الوجدان"، حيث إذا اتفق في   الإنسان القدرة على التمييز بين العمل الصواب والعمل الخطأ، بين الحق والباطل، الحلال والحرام، فهنا يكون الضمير هو نفسه الوجدان الذي يخلق فيه الشعور بالسعادة عندما تتفق أعماله مع القيم الأخلاقية والدينية، مقابل شعوره بالندم عندما يأتي بأفعال تتباين مع هذه القيم.  

 

وكثيرا ما نسمع أن إنسانا ضميره نائم أو غائب، وهذا يعني أن ما وقر بقلبه ليس فعل الخير، وإنما أغرق قلبه وعقله بالظلمات والأخطاء، فذهب العطف منه، ولم يعد يهتم بالآخرين، وضاعت بوصلته نحو الصلاح، فصاحب الضمير لديه جهاز أو حاسة تقييمية لأفعاله، تحاسبه علي كل خطوات، وترشده الي سواء السبيل، ولكن دون أن يفعل ذلك فيكون إنسانا صاحب ضمير خامل، ولن نقول ميتا بالمعني اللفظي لأن الضمير الميت هنا يكون صاحبه إنسانا لصا، أو قاتلا ، أو شاهد زور، يعني مجرما في النهاية والعياذ بالله.

 

ومن أجمل ما قيل عن الضمير، ما ذكره ثابت بن قرة بأن "الصدق ربيع القلب، و زكاة الخلقة، و ثمرة المروءة، و شعاع الضمير"، كما ذكر عباس محمود العقاد "حسبك من السعادة في هذه الدنيا: ضمير نقي ونفس هادئة وقلب شريف وأن تعمل بيديك" ..ولدينا القول العربي المأثور: "قد ينجو الشرير من عقاب القانون و لكنه لا ينجو من عقاب الضمير "..وثمة مثل روسي يقول "في داخل كل منا محكمة عادلة تبقى أحكامها يقظة في نفوسنا ، هي الضمير "..وقال الرئيس الأمريكي جورج واشنطن :"اجتهد دائما أن تحافظ على تلك الشعرة الإلهية التي تضيء القلوب وهى الضمير. أما الأديب العالمي   ألبير كامو فربط بين الضمير والسياسة وكتب في هذا يقول :"الحكومة بطبيعتها ليس لها ضمير، وأحيانا يكون لها سياسة".

 

فلنجعل من ضمائرنا فجرا، ينير لنا أيامنا ودنيانا، لننهل من السعادة ما شئنا، فالضمير مثل أشعة الشروق، تحيي الأمل فينا.

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads