الاشراف والقبائل العربية
السيد صالح بن عبد الله بن موسى العلوي ، الثائر بخراسان وجد الملوك الصالحيون بغانة ..
هو صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ,كان فارساً , شجاعاً ثائراً , شاعراً جليلاً , نشأ وتربى بسويقة بني الحسن بالمدينة , في بيت الأمامة والدعوة , سكن البادية وله عند أهلها منـزلة جليلة ومساجلات شعرية بينهم , عرف بالجوّال لأنه جال أقطار الأرض متخفياً , ولا زال على حاله لم يمكنه الخروج بجزيرة العرب , حتى خرج ثائراً بخراسان ضد ظلم المأمون , فغُدر به فأُخِذَ بها وحُبس , فطلبه المأمون , وحُمل إليه , فلما دخل عليه عنَّفه بالخروج عليه , وأمر بحبسه , ولم نعلم عن وفاته فلم يذكر ذلك في الكتب إلا أننا نرجح أنه توفي في المدينة المنورة بين أهله , والأخبار عنه وعن ثورته شحيحه ولم يذكرها إلا القلة القليلة , فوفقت لجمعها , واستخلصتها في شرحنا الكبير وما توفيقي إلا بالله. ومن شعره حينما كان محبوساً كتب إلى زوجته وهي بسويقة المدينة :
ألم يحزنك يا ذلفـاء أني ... سكنت مساكن الأموات حيـا
وأن حمائلي ونجـاد سيفـي ... علوان مجدعــاً أشـروسينـا
فقطعهن لمـا طلـن حـتى ... وقعـن عليه لا أضحى سويـا
أما والراقصات ببطن جمـع ... غـداة الحي تحسبهـا قيسـا
لو أمكنني غداتئذ جــلاد ... لألفوني بـه سمحـاً سخيــا
وقد ذكره ابن المعتز من الشعراء وترجم له فيما نقله عنه الصفدي .
قال ابن خلدون في تاريخه: قال بعض المؤرخين انه صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله الملقب أبا الكرام ابن موسى الجون أنه خرج أيام المأمون بخراسان وحمل إليه , وحبسه وابنه محمد من بعده ولحق بنوه بالمغرب فكان لهم ملك في بلاد غانة .
أعقاب صالح بن عبد الله العلوي : -
ويقال لعقبه الصالحيون أو الصالحيين , والصالحية وقد ذكرهم المؤرخين وأهل النسب وأصحاب المسالك , وقد أجمع النسابون أن العقب في صالح من ولده محمد.
قال الازورقاني في فخريه : الصالحية وهم بنو صالح بن عبد الله بن موسى الجون .
السيد محمّد بن صالح العلوي ، الشاعر الحجازي الظريف : -
أمّا محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى العلوي , اُمّه كلثوم بنت الحسن بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن علي بن أبي طالب , الشريف الحسني , من أعلام القرن الثالث الهجري , يكنى بأبي عبد الله , ويعرف بالشهيد , من فحول الشعراء , حجازي هاشمي ظريف , ثائر طالبي طريف , نشأ وتربى في بادية الحجاز , وكان من شجعان صحراءها , لقب بالأعرابي للزومه البادية , وهو من الحجازيين الطالبيين الخارجيين , ومجدد ثوراتهم ضد الظلم العباسي .
قال الأصفهاني في الأغاني: وكان جده موسى بن عبد الله أخا محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن حسن الحجازيين الخارجين في أيام المنصور أمهم جميعا هند بنت أبي عبيدة.
وقال أيضا : شاعر حجازي ظريف ، صالح الشعر ، من شعراء أهل بيته المتقدمين .
قال ابن أبي الحديد في شرحه:كان من فتيان آل أبى طالب , وفتاكهم وشجعانهم , وظرفائهم , وشعرائهم ، وله شعر لطيف محفوظ.
قال المرزباني في معجمه: كان راوية أديباً شاعراً.
قال العمري النسابة في مجديه: كان شاعراً مجوداً .
وقال عنه أيضا : كان فارساً محبوباً .
وقد خلط البعض بين امرة ابن الاُخيضر ومحمد بن صالح فكلهما ثائرين من بني حسن في أزمانن مختلفة ولكليهما أمرة في خروجهما .
العلوي من فحول الشعراء : -
لم تختلف كتب الشعراء في طبقاتهم عن جوانب العلوي الشعرية , يبدوا أن له شعراً كثيراً , ولكنه مفقود , أمّا الموجود فهو جزء يسير من شعره , وذكر المؤرخين أن له أشعار كثيرة قالها في الحبس وفي فترة سكناه في المدينة المنورة , وقد أستعرض الشعراء لشعره لجودته
فمن شعره :
رَمَوني وإيّاها بشنعاءَ,هُمْ بها أحقُّ أَدالَ الله منهمْ ,فَعَجَّلا
بأمرٍ , تركناهُ وحَقِّ محمَّـدٍ عِياناً , فإما عِفَّةً ,أَو تَجَمُّلا
ثورة سويقة بني حسن الثانية وخرابها : -
لقد كان للطالبيين الحجازيين عبر التأريخ الثورات التي تدافع عن الظلم والمظلومين , وكان ذلك منذ يومهم الأول فمروراً بثورة النفس الزكية ، وإبراهيم قتيل باخمري , والحسين الفخي , ويحـي صاحب الديلم , وإدريس صاحب المغرب , وإسماعيل الأُخيضر باليمامة والحجاز وغيرهم من الطالبيين , ومن ذلك فأن ثورة محمد بن صالح العلوي من أعظم ثوراة الطالبيين , وكانت ثورته من سويقة مركز ثورات الطالبيين , بعد أن عمرها جده موسى الجون بعد خرابها الأول على يدي المنصور العباسي سنة145هـ , فخرج منها محمد بن صالح سنة240هـ على المتوكل مع من بيَضّ تلك السنة فاجتمع الناس حوله ، من أعراب وحاضرة , وحج بالناس في تلك السنة أبو الساج وقد أوكل المتوكل لقائده أبو الساج الأمر , وكان عمه موسى الثاني شقيق أبيه أنكر من قبل ما ينكره العمومة على بني أخيهم , في شي من أمور السلطان , فعزز المتوكل العباسي لقائده أبو الساج بجيشه فخافه عمه موسى الثاني على نفسه وولده وأهله ، فسلمه إليه ، بعد أن استوثق منه الآمان لمحمد بن صالح ، وغزا سويقة وخرّبها وعقر نخلها , وأخلى أهلها من منازلهم , فأخذهم أشدّ أخذ , وقيدهم إلاّ من شَذّ ونجا , فحُمل محمد بن صالح إلى سر من رآى مغلولاً مخذولاً مقيداً بالحديد ، فحبس بها مدة ثلاث سنوات .
ويروي هو نفسه ما حدث بقوله : (( ثم أن المتوكل حث علينا جيشا ضخما فظفروا بنا فقتلوا منا أناسا واسروا آخرين من كبار خواصنا واعيان رؤسائنا بسويقة فقطعوا نخيلها وخربوا دورها )) .
وفي الحبس له قصائد كثيرة في مدح المتوكل والمستنصر , وكانت إحدى قصائده في الحبس التي مدح فيها المتوكل سبب خلاصه فطرب لها المتوكل واستحسنها وسأل عن قائلها فأطلقه , مشترطاً بقاءه تحت عينه , فلم يمكنه من العودة إلى الحجاز , وأقام بسرّ من رأى سنين , مخالطاً لسَراة الناس , ووجوه أهل البلد , وما زال بها مجبراً إلى وفاته , ولا صحة لعودته للحجاز كما ذكر المرزباني في معجمه , والكتبي في فواته .
ويؤكد لنا سعيد بن حميد عدم عودته للحجاز بقوله : وتوفي محمد بن صالح بُسّر من رأى , وكان يجَهْد في أن يُؤْذن له في الرجوع إلى الحجاز , فلا يجاب إلى ذلك .
فمات غريباً عن أهله وداره , وسبب وفاته أنه جُدر , فتوفي بالجُدَرِيّ , ودفن بها وقبره على الصحيح بها , وقد أختلف في تأريخ وفاته فقد توفي في أيام المستنصر لا في أيام المتوكل فالصفدي ذكر أن وفاته سنة 255هـ , وقيل سنة252هـ , والصحيح عندي فيما أثبتناه سنة 248هـ .
أعقاب محمد بن صالح العلوي : -
والعقب في محمد بن صالح من ابنه عبد الله فقط ,وهو قتيل جهينة , فأعقب عبد الله المذكور من ابنه الحسن الشهيد وحده .
ذكر ابن مهنا في تذكرته: أن لعبد الله ولد أخر اسمه محمد وأعقب محمد هذا من ولده:علقمه.
عقب الحسن بن عبد الله بن محمد بن صالح العلوي : -
أمّا الحسن المذكور ويقال له الشهيد أيضا , فعقبه من ثلاثة رجال :أبو الضحّاك عبد الله , وسليمان ، وأحمد , ويقال لهم بنو الشهيد , ومنازلهم ينبع.
إمّا سليمان بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن صالح : فأعقب من ولده:محمد.
والبقية الصحيح في ولد أبي الضحاك عبد الله بن الحسن , ويقال لبنوه آل الضحاك , وهم قليلون بالحجاز وغيره ولا يعرف لهم عقب اليوم .
أمّا أبو الضحّاك عبد الله المذكور:فأعقب من ولده : زيد .
أمّا زيد بن أبو الضحّاك عبد الله : فأعقب من ولديه ,وهما الحسن , ومسلم .
أمّا مسلم بن زيد : فأعقب من ولده: هذيم له عقب يقال لهم بنو هذيم .
هذا ما وصل إلينا من كتب ومشجرات من بين مخطوط ومطبوع في أنساب الصالحيين ، ولا شك عندي بوجود أعقابهم وانتشارهم في الحجاز ونواحيه حتى وصلوا غانه حيث مملكتهم , وبلاد المغرب فلم يصل إلينا مشجرات أو وثائق تخص أنسابهم حتى وقتنا الحالي ولعل الله يظهر لنا أنسابهم ومشجراتهم في الأيام القادمة.
الصالحيون ملوك غانة : -
غانة من بلاد السودان، بينها وبين سجلماسة مسيرة شهرين , وهي مدينتان على ضفتي البحر الحلو ، وهي أكبر بلاد السودان قطراً وأكثرها خلقاً وأوسعها متجراً ، وإسلامها قديم , وإليها يقصد المياسير من جميع البلاد المحيطة , بها من سائر بلاد المغرب الأقصى ، وأهلها مسلمون وملكها, ويلبسون العمائم , وأرض غانة تتصل من غربيها ببلاد مقزارة ومن شرقيها ببلاد ونقارة وبشمالها بالصحراء المتصلة التي بين أرض السودان وأرض البربر وتتصل بجنوبها بأرض الكفار من اللملمية وغيرها , وهي بجوار مالي اليوم .
قال ابن خلدون في تاريخه:ومن ولد عبدالله الكامل بن الحسن المثنى , بنو صالح بن عبد الله السويقي ويلقب بـ ((أبي الكرام)) بن موسى الجون , وهم الذين كانوا ملوكاً بـ ((غانة)) من بلاد السودان بالمغرب الأقصى وعقبهم هنالك معرفون .
قال النويري في نهايته : بنو صالح - بطن من بني الحسن السبط من العلويين من بني هاشم من العدنانية وهم بنو صالح بن عبد الله بن موسى أبي الكرام بن موسى الجون ابن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط كانت لهم دولة ببلاد غانة من بلاد السودان من جهة البحر المحيط الغربي.
قال ابن سعيد المغربي في كنوز المطالب : للصالحين ملك متوارث إلى الآن بغانة من بلاد السودان في أقصى غرب النيل .
قال الإدريسي في كتاب آجار: أن ملك غانة من ولد صالح المذكور بنى قصره على النيل في عام خمسة عشر وخمسمائة. قال: وفي قصره لبنة من ذهب تبر غير مسبوك فيها ثقب يربط فرسه فيها، ويفخر بذلك على الملوك، ولباسه إزار حرير يتوشح به وسراويل ونعلك ، وركوبه الخيل، وله بنود وزي حسن ، وكفار السودان يحاربونه .
وتثبت لنا كتب التأريخ والرحلات أن كان للطالبيين ملك بمدينة غانة من بلاد السودان بالمغرب , مما يلي البحر المحيط الغربي , وتؤكد الأخبار أن ملك غانة كان في ولد صالح المذكور ويعرفوا بالملوك الصالحيون , وقيل الصالحيين , وبالتتبع لهذه المملكة العظيمة آنذاك أنها كانت قي أواسط القرن الخامس الهجري , وكانت مملكة عدل تحكم بشرع الله القويم , ويذكر أن الملك من ولد صالح , وعاصمتهم تعرف بكومبي صالح , نسبة إلى جدهم صالح المذكور, ولم نقف على أسماء الحكام الصالحيون , من ذرية صالح , وقد بنى قصره على النيل في عام خمسة عشر وخمسمائة , ويذكر على ما تداول أن في هذا القصر لبنة من ذهب تبر غير مسبوك فيها ثقب يربط فرسه فيها ويفخر بذلك على الملوك , ويوصف بلباسه المتميز فهو يلبس ولباسه إزار حرير يتوشح به وسراويل ونعلك وركوبه الخيل وله بنود وزي حسن ، وكفار السودان يحاربونه , وهو يخطب لنفسه ، لكنه على اتصال بالخليفة العباسي ، والذي يعلمه أهل المغرب الأقصى علماً يقينياً أن في قصره لبنة ذهب وزنها ثلاثون رطلاً نقرة واحدة ، خلقها الله تعالى خلقة تامة من غير أن تسبك في نار، وقد نقب فيها نقب، وهي مربط لفرس الملك ، وهي من الأشياء الغريبة التي انفرد بها، وهو يفخر بها على سائر ملوك السودان، وهو أعدل الناس فيما يحكى عنه، ومن سيرته أن له جملة قواد يركبون إلى قصره كل صباح لكلّ قائد ، فإذا اجتمع إليه قوّاده ركب وسار يتقدمهم، ويمشي في أزقة المدينة ، فمن كانت له مظلمة أو نابه أمر تصدى له، فلا يزال حاضراً بين يديه حتى ينظر في مظلمته ، ثم يرجع إلى قصره ، فإذا كان بعد العصر وسكن حر الشمس ركب مرة ثانية وحوله جنوده ، ولباسه أزر حرير يتوشح بها أو بردة يلتفّ بها ، وسراويل في وسطه ، ونعل شركي في قدمه ، وركوبه الخيل ، وله حلية حسنة وزي كامل يقدمه أمامه في أعياده، وبنود كثيرة، وراية واحدة، وتمشي أمامه الفيلة والزراريف وضروب من الوحش التي في بلاد السودان .
ولهم في النيل زوارق وثيقة الإنشاء يتصيدون فيها ويتصرفون بين المدينتين, وبالتتبع لإخبار هذه الدولة يتضح لنا أن هذه الإمبراطورية قد انتهت في عام 638هـ ، وقد فصلنا في تراجمهم وأعقابهم في شرحنا الكبير وفقنا الله لنشره .
هذا ما قلناه في خبر الصالحيون الحسنيون ملوك غانة ودولتهم ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
