رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
نوال الدوسري

نوال الدوسري

شكسبير.. من بادية العرب 2

الخميس 16/فبراير/2017 - 01:22 م
طباعة

معاني الحب ومراتبه جليلة وكثيرة لدى العرب قديمًا، العشق، الوله، الكلف، الجوى، الشغف، التتيم، التبل وهو أروعه ما يسقمه ويمرضه الهوى، التدله وهو ذهاب العقل من الهوى، الهيام، الصبابة، والوجد، والدنف هو المرض واستعمل العرب هذا الاسم للحب للازم، التباريح، البلبال وهو الهم ووسواس الصدور، والشوق، والشجو، والرسيس هو ثبات ورسوخ صورة المحبوب في النفس، والكثير والكثير... من المعاني.

سمعنا ووقعنا بالحب جميعًا، قصص حب كثيرة، وقصص فشل في الحب أكثر؛ لأننا وضعنا في مخيلتنا حبًا مشروطًا على أن يكون الطرف الآخر ذا جمال، وذا منصب، وذا أصل، وذا دخل كبير، وعند دخول أي مرشح بالحب ولم تكتمل الصفات تتهاوى العلاقة وتفشل ويلام الحب في ذلك ولا نلوم أنفسنا، هل عرفتم لماذا نفشل في الحب؟

لماذا نفشل في الحب، ودائمًا يشتكي المحب، أنا أحبه وخدمته وأنا ضحيت لأجله ولكن لا توجد فائدة، والآخر يقول أنا سامحته مرة واثنين وثلاث ولا توجد فائدة منه، وهنا ينتظرون ردود أفعال الناس ومن حولهم بأنك قد أديت مهمتك فما عليك إلا التوقف عن الحب وتنهي الموضوع.. الكل يعتقد هذا.

أعتقد انها خدعة مشهورة جدًا لقد انخدعنا فيها طوال السنوات، النظرية أو القاعدة الغربية التي تناقض المنطق والعقل البشري، وهي ماذا لو فشل الحب فليس عليك إلا أن تزيده حبًا. نعم منطق غريب علينا وجديد.

ولكن ماذا لو أحببت من طرف واحد والآخر لم يبادلك الحب، الحل أحبه أكثر وأكثر، السؤال كيف؟ حينما يحب الشخص الطرف الآخر ولم يحصل على حب ولم يتجاوب معه فنراه ينقلب 180 درجة يكرهه من بعد الحب... هذا خطأ. والآخر يقول أنا أحببت ولكن الطرف الآخر قاسٍ او متمرد او عنيد ولم يتجاوب معي فتركته لأني لم أعد استحمل لقد أهانني وأذلني، ولم أعد قادرًا على محبته، تعبت منه كرامتي وانحطت... فيبعد منه هذا الخطأ، القاعدة الغريبة والتي لم نعرفها حل لتلك المشكلة، هو الحب وزيادة الجرعات من الحب الى الطرف الآخر بسبب إنه جوعان حب، يريد كمية حب أكثر، فنراه يتمرد ويكون أكثر قسوة، لا تنفع معه أن تكسره وتعانده إنما تحبه وتجزل العطاء حتى يلين، والمتمرد حتى تسكن جوانحه، العنيد حتى يرتخي ويذوب العند فيه، تحتاج الى طاقة وصبر ودعاء الى الله، والتجلي بصفات الحب من الله، لو الحب عند الله مشروط لانتهت البشرية، إنما الله يحب جميع البشر حتى الأشرار، والملحدين الذين ينكرون وجود الله يغدقهم من حبه الى أن يهتدوا، الدعاء الى الله لتستمد منه الحب وتضفي على الآخرين.. ما رأيكم؟!

الكثير يشتكي من صد الجبيب أو هجرانه بدون أي أسباب كقول الشاعر:

يا من هواه أعزه وأذلني.... كيف السبيل إلى وصالك دلني

وتركتني حيران صبا هائم.... أرعى النجوم وأنت في نوم هني

عاهدتني ألا تميل عن الهوى.... وحلفت لي يا غصن ألا تنثني

هب النسيم ومال غصن مثله.... أين الزمان وأين ما عاهدتني

جاد الزمان وأنت ما واصلتني... يا باخلاً بالوصل أنت قتلتني

واصلتني حتى ملكت حشاشتي.... ورجعت من بعد الوصال هجرتني

من القصص النقيضة تمامًا، وهي عن سيدة من حسناوات أوروبا، رفضت حياة الغرب، ووجدت سعادتها في الشرق بين العرب، بعد أن اقترنت وتزوجت من بدوي من قبيلة عنزة في القرن الـ18الميلادي، كانت أوروبا في مرحلة الانتقال من عصور القرون المظلمة الى النهضة الحديثة، مرحلة انتقالية مرت على المجتمع الأوروبي، أزمات كثيرة ومنها الأخلاقية، مدخل القصة الحقيقية هي الليدي جين دغبي عام 1807 في لندن، لأسرة غنية مرموقة، فوالدها السير هنري دغبي ادميرال البحر، وقد اجتهد في تربيتها وتدريسها وتثقيفها حتى شبت وأيفعت، فكانت موهوبة مبدعة وفي غاية الذكاء، أتقنت عدة لغات من بينهما اللغة العربية، وعنيت بعلم الآثار والنحت والرسم، وكانت محدثة بارعة، فهي بيضاء فارعة الطول، مبهرة الجمال، فقد علقت صورتها في صالون جميلات في مدينة ميونخ، تزوجت أكثر من شخص من اللوردات، فكانت تعيش في جموح عاطفي عاصف رامية بعرض الحائط تأنيب أسرتها وزوجها، تزوجت الكثير من الأمراء والملوك ولكن لكثرة انشغالهم عنها تثور أحيانًا وتطلق وتتزوج وتنجب أطفالاً وتفقد أطفالاً، وآخر الملوك ملك اليونان وهو الكونت تيوكي حيث أنجبت منه طفلاً أحبته كثيرًا، ولكن القدر لم يترك لها مجالاً فمات طفلها في غفلة من شرفة القصر، فاكتأبت وانعزلت وحزنت عليه حزنًا شديدًا، وعادت (جين) الى حياة الصخب والمجون الى أن شاعت الفضائح فقررت الطلاق.

رحلت عن اليونان عائدة الى بلادها بعد ما سئمت حياة القصور، ومن العشاق الطامعين بثروتها، ولكي تتناسى همومها وآلامها وأحزانها، قررت الرحيل الى الشرق العربي، وعقدت عزمها الى سورية وأرادت السفر الى تدمر، كان لزامًا عليها أن يصحبها لحمايتها أحد شيوخ البدو، فوقع اختيارها على (مجول المصرب) من السبعة من عنزة، وانطلقت القافلة، بدأت الهموم والكآبة تزول.

عنها في النهار أثناء رحلة الصيد والاكتشاف، وفي الليل يجتمع الكل حول النار ليتسامروا وتسمع منهم الليدي قصص العرب الشيقة وأخبار البدو الشيقة، كانت الليدي (جين) تبلغ من العمر أربعين عامًا، لكنها تبدو أصغر بكثير كأنها في الخامسة عشرة لجمالها الآخذ، كانت تسرق نظرات الشيخ مجول ووقعت في حبه، وهو لا يعتريها اهتمامًا، تعلق قلبها به ازدادت تعلقًا فيه، وأحبته أكثر وأكثر وأغدقت عليه الحب إلا أن ذلك العربي الصلب، حينما غزاهم بعض من العربان، أخذ الشيخ فرسانه وطاردهم وهزمهم، أعجبت به كثيرًا، ولم ترَ بأسًا في أن تعرض نفسها ليتزوجها، فتزوجها وتغير سلوكها، حصلت لها نقلة نقية، تحول سلوكي عاشته في المشرق العربي المسلم، وقد أقلعت عن سلوكيات الماضي وأصبحت امرأة عفيفة لا تتدنس

بما كانت تتندس به من قبل وأخلصت لزوجها كل الإخلاص، فكانت قد رمت من ورائها حياة الرفاهية والقصور الضاربة وكل البرتوكولات والاتيكيت الملكي، الى حياة بدوية تحلب الناقة وتكنس خيمة زوجها، وأصبح البدو يسمونها أم اللبن، نظرًا الى بياضها، تعترف في كتابها لم يحبني مجول لجمالي، فقد عرفني حين ذوى جمالي وفارقني شبابي، ولم يحبني لعراقة نسبي فهو لا شك يعتقد أنه أشرف مني نسبًا، إنما أحبني مجول لشخصي، وهذا لعمري أسمى أنواع الحب التي عرفتها.

وقد جعلني حبه النبيل هذا احترم شخصي وأقدسه، شخصي يحبه مجول فلا أتورط بالماضي.. في 1881 توفيت بسبب الكوليرا وظل مجول عند قبرها باكيًا على فراقها حزينًا متألمًا، هذا هو الحب فهو موجود طوال السنة والأيام لا ليوم واحد.. فأحبوا أنفسكم لتحبوا الآخرين وأضفوا عليهم الحب والسلام.

 

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads
ads