رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
د. هايدي عيسى

د. هايدي عيسى

هل نجح العالم في مواجهة فيروس كورونا ؟

الأحد 07/يونيو/2020 - 01:25 م
طباعة
أعلنت منظمة الصحَّة العالمية في الحادي عشر من مارس 2020 أن نازلة فيروس كورونا (كوفيد 19) "وباء عالمي"؛ إذ أصاب ما يقارب 669,426,5 شخص في شتى بقاع الأرض، وأودى بحياة أكثر من 394,876 شخص، من 187 دولة حول العالم، حتى اللحظة التي تُخَطُّ فيها هذه السطور؛ فالأعداد في ازدياد، والوضع صار جدَّ خطير.

ولهذه الخطورة كان منطقيًّا البحث عن قواعد صحية دولية يخضع لها أكبر عدد ممكن من دول العالم؛ لما تحويه من سبل لحماية شعوبها من هذا الوباء سريع الانتشار المتجاوز للحدود، ثم البحث في مدى الالتزام الدول بتطبيق هذه القواعد.

وهنا ظهرت أهمية البحث عن دور اللوائح الصحية الدولية IHR الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، (التي اعتُمدَت في مايو 2005، وبدأ تنفيذها في يونيو 2007)؛ بعدما اقتنعت الدول أن العولمة ينبغي أن تَجْلِب معها تحدياتٍ وفرصًا جديدة للحيلولة دون انتشار المرض على الصعيد الدولي؛ إذ كانت نقطة البداية لتنقيح اللوائح عام (1969)، وبعد تفشي متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد وضرورة السيطرة عليه في نهاية المطاف عام 2003، هو ما أقنع الحكومات بأهمية الدفاع الجماعي والمنسق ضد الأخطار التي تهدد الصحة العامة.

فاللوائح الصحية الدولية هي اتفاق دولي بين 196 دولة؛ جميع الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، هدفها العمل معًا صوب تحقيق الأمن الصحي العالمي؛ من خلال الحيلولة دون انتشار المرض دوليًّا، والحماية منه ومواجهته باتخاذ تدابير الصحة العامة المتناسبة مع المخاطر المحتملة المحيطة، وبتجنب التدخل غير الضروري في حركة المرور والتجارة الدولية؛ إذ تنص هذه اللوائح على اتفاق الدول على تعزيز قدراتها في الكشف عن أحداث الصحة العامة لديها، ومن ثم تقييمها والتبليغ عنها، كما تنصُّ على التدابير المحددة التي ينبغي اتخاذها في الموانئ والمطارات والمعابر البرية للحدِّ من انتشار المخاطر الصحية في البلدان المجاورة، ومنع فرض القيود غير المبررة على السفر والتجارة من أجل الحد من تعطل حركة المرور والتجارة إلى أدنى قدر ممكن.

وعليه فالسؤال المطروح إذن هو: مدى كفاية دور اللوائح الصحية الدولية IHR في التقليل من تفاقم الأوضاع الصحية العالمية جراء فيروس كورونا؟

وللأسف إنَّ أول ما يظهر من مطالعة مواقف الدول إزاء إعمالها لنصوص اللوائح الصحية الدولية هو: انتهاك الدول أعضاء منظمة الصحة العالمية لأحكام اللوائح المذكورة؛ إذ تفرض الأخيرة على الدول مراقبة تفشي الأمراض التي يمكن الإبلاغ عنها ورصدها، من ذلك مثلاً توجيه أصابع الاتهام للصين- وهي دولة عضو في منظمة الصحة العالمية- لمراقبتها المعلومات وحجبها منذ بداية تفشي المرض، مُنتهكة بذلك لالتزاماتها المنصوص عليها في المادتين السادسة والسابعة من اللوائح الصحية الدولية المنظمتين للإخطار وأهمية مشاركة المعلومات أثناء الأحداث الصحية العامة غير المتوقعة أو غير العادية؛ على اعتبار أنها لم تقم بالإعلان عن حقيقة المرض بشكل واضح في مراحله الأولى كي تقي العالم شروره المتسارعة، رغم ما قامت به من رصد المرض ومتابعته في المراحل المذكورة.

كما قيل بأن التقارير أن أساليب إدارة الأمراض في الصين -كالرقابة والحجر الجماعي- في حد ذاتها تُشكِّل انتهاكًا لحقوق الإنسان والحريات المدنية، وفي ذلك مخالفة أخرى لنص المادة الثالثة من اللوائح الصحية الدولية التي تُشدِّد على احترام الكرامة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية للأشخاص، وعلى الأخص في فقرتيها الأولى والثالثة. 

كما وُجهت انتهاكات لبعض الدول الأخرى؛ لانتهاكهم ما ورد بالمادة الثالثة والأربعين من اللوائح ذاتها؛ إذ حددت الأولى التدابير الصحية الإضافية، فرغم أن العديد من الدول قد نفذت حظر السفر ومنع المسافرين من المناطق الموبوءة، وأغلقت حدودها الوطنية لغير مواطنيها، وشرعت أخرى في نقل مواطنيها العالقين من باقي دول العالم؛ احتواءً للمرض، إلَّا أن هذه الإجراءات قد جاءت مصطدمة بالواقع الذي أعلن أن الأساليب التي اتُبعت عادة ما يثبت نجاحها فقط في المراحل الأولية للحدِّ من تفشي المرض!

بالإضافة لتجاهل بعض الدول للتوجيهات التي تصدرها منظمة الصحة العالمية مرارًا وتكرارًا، وهو انتهاك آخر للمادة 43؛ ففي الوقت الذي تمنح فيه اللوائح الصحية الدولية للدول الحق في الحد من تفاقم الأمراض، أوجبت على الدول الأعضاء الإبلاغ عن التدابير الاستثنائية التي اتخذتها لمنظمة الصحة العالمية، بيد أن البحث قد أثبت أن قرابة نسبة 32٪ من الدول فحسب هي التي طبقت قيود السفر على إثر فيروس كورونا في الوقت المناسب؛ امتثالًا لتدابير منظمة الصحة العالمية، وحدًّا من استفحال الفيروس، ضف إلى ذلك: عدم تنفيذ إرشادات منظمة الصحة العالمية لحظر السفر والتجارة وتعطيلهما، وكأنَّ التاريخ يعيد نفسه؛ إذ حدثت المخالفات ذاتها أثناء تفشي فيروس إيبولا وأنفلونزا الخنازير؛ وعليه قيل: إن الجنوح لتكرار مثل هذه المخالفات يعكس -وبحق- أزمة ثقة شديدة في اللوائح الصحية الدولية.

ولا أدلُّ على ذلك من زعم تايوان أن منظمة الصحة العالمية قد أخفقت في التصرف بالنظر إلى تقارير مسئوليها إلى المنظمة في ديسمبر 2020 في مكافحة كورونا سريع الانتشار من شخص لآخر، حتى قيل بأنه ربما الضغط السياسي هو الذي أعاق السير الصحيح للوائح الدولية الصحية، بالنظر لما كان لدى المنظمة من أدلة كافية للإعلان عن الفيروس منذ 23 يناير 2020، غير أن المدير العام لم يعلن ذلك رسميًّا في الوقت المناسب، حتى وُصفت هذه التصرفات ذات الدوافع السياسية بأنها "خداع" يمنح المجتمع العالمي "إحساسًا زائفًا بالأمان" بشأن إمكانية إدارة فيروس كورونا.

وقد يتساءل البعض: إذا كان عدم الالتزام هو موقف الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية تجاه اللوائح الصحية الدولية؛ فما المستقبل المنتظر لهذه اللوائح، وبخاصة بعدما حلَّ بتطبيقها من تزعزع متكرر، آخره ما حدث في أعقاب الانتشار العالمي لفيروس كورونا؟

ولعل في الرد على السؤال السابق ارتداد لفحوى ما استهل به الحديث؛ فطالما أن حالات المصابين بفيروس كورونا- بل الوفيات- مازالتا في زيادة؛ فهذا مؤشر كافٍ لانخفاض الثقة في جدوى اللوائح الصحية الدولية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، ولعل الأوبئة التي تعرَّض لها العالم من قبل كالإيبولا وغيره قد اشتملت على كثير من الدروس والعبر التي كان من شأنها: استشرافها ومن ثم تطبيقها؛ تفاديًا للانتشار العالمي المحتدم لآثار فيروس الكورونا.

فقد كان جدير  باللوائح الصحية الدولية أن تستفيد مما مر به العالم من أوبئة لتستلهم منها سبل التصدي الفعال لأية أوبئة مستقبلة، بالنظر لما كان بين هذه الأوبئة من خصائص مشتركة، على رأسها الانتشار العالمي العابر للحدود.

وختامًا: فإذا كانت اللوائح الصحية الدولية ما هي إلا ثمرات للخبرة والمداولة؛ فهذا كفيل بتأكيد حاجتها للتعديل بعدما أثيرت الشكوك حول فعالية هذه اللوائح الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، وبعدما دعا المجتمع الدولي إلى إجراء مراجعات لاحقة للوائح الصحية الدولية، يوازيها الحاجة لشفافية مسبقة ولاحقة لمواقف منظمة الصحة العالمية في مثل هذه الأحداث.

ونؤكد الحاجة مُلحة لتدخل دوليٍّ فعال يبعد عن العالم شرور الآثار الناجمة عن مثل هذه الأوبئة العالمية، سواء أصدرت عن منظمة الصحة العالمية (وهي الأولى بذلك) أم من غيرها؛ تدخل يوضِّح للدول سبل التعامل مع مثل هذه الأوبئة، والتفادي المستقبلي لتفاقهما، وتوقيع العقوبات على الدول المخالفة، يواكب كل ما سبق إدارة سياسية قوية ترغب صدقًا في تحقيق إصلاحات فعالة، وإلا فسيظل المجتمع الدولي يفتقد سبل التصدي الحالي والمستقبلي لانتشار مثل هذه الأوبئة، ولنا فيما حلَّ بالعالم من نازلة كورونا خير دليل، رفع الله عنا البلاء والوباء عاجلاً غير آجل.

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads
ads