عربي وعالمي
أبوالغيط يدعو لتكثيف التعاون بين الجيوش العربية لمواجهة الإرهاب

دعا الامين العام للجامعة العربية أحمد ابوالغيط الى ضرورة تكثيف التنسيق والتعاون المشترك بين الجيوش العربية لمواجهة الارهاب والتنظيمات المتطرفة والميليشيات المسلحة التي باتت تهدد امن واستقرار المنطقة.
جاء ذلك في كلمته امام المؤتمر الإقليمي
السابع الذي نظمه اليوم مركز البحوث والدراسات
الاستراتيجية بالجيش اللبناني ،ووزعتها الامانة العامة للجامعة العربية.
وشدد ابوالغيط على ضرورة إيلاء اهتمام أكبر
وتوجيه تركيز أشد إلى الحروب غير النظامية، ومواجهة الميلشيات المُسلحة، والجماعات
الإرهابية من خلال تغييرات في التدريب والتسليح وإدارة العمليات والتركيز على العمليات
الخاصة، ورفع كفاءة أجهزة جمع وتحليل المعلومات، باعتبار أن الاستخبارات تُمثل حجر
الزاوية في جهود الحرب على الإرهاب.
وقال ابو الغيط انه اذا كانت القوة العربية
المشتركة ما زالت هدفاً لم يُترجَم بعد إلى واقع، فلا أقل من مُضاعفة التنسيق العسكري
بين الدول العربية على مستويات ثنائية، باعتبار ذلك هو السبيلُ لتعزيز قدراتها ورفع
كفاءتها العملياتية من خلال المناورات والتدريبات المُشتركة، وأيضاً عبر تعميم أفضل
الممارسات وتصويب الأخطاء والاستفادة من التجارب على مستوى الدول العربية التي تواجه
تهديدات متشابهة في طبيعتها .
وقال ابوالغيط ان استمرار القضية الفلسطينية
من دون حل يفرض على الدول المُحيطة بإسرائيل أعباء أمنية مُضاعفة،مشددا في الاطار ذاته
على أن المؤثرات الخارجية، سواء من النظام الدولي أو من الإقليم المُحيط، تُلقي بظلالها
على الصراعات الدائرة في المنطقة العربية.
واشار ابو الغيط الى ان تبادل الخبرات وتناقل الممارسات واستخلاص العبر
والدروس من العمليات الجارية يُعد من أهم نقاط القوة لدى الجيوش العربية في مواجهة
التهديدات، داعيا في هذا الاطار الى تبادل
الخبرة في إطار العمل العربي المُشترك .
ونبه ابو الغيط الى ان القوات المُسلحة
في عالمنا المُعاصر تتعامل مع تهديدات مُستجدة تتطلب مواجهتها استعداداً خاصاً، موضحا
ان الحربُ التي تخوضها الجماعات الإرهابية ميدانها الرئيسي العقول ، والإرهابُ يعرف
جيداً أنه يخسر مواجهةً مُباشرة مع القوات النظامية، لذلك فهو يخوض حرب استنزاف ممتدة
ضد المجتمع بهدف اختطاف المزيد من العقول لصالح أجندته الظلامية الدموية وللاسف أن
تكنولوجيا المعلومات توفر له وسيطاً مثالياً غير مسبوق في مداه وسرعة انتشاره.. وتُشير
بعض التقديرات إلى أن داعش ينشرُ يومياً ما يزيد عن 250 ألف تغريدة على تويتر وفسبوك
لتوصيل رسالة بأن عدد الداعمين لأفكار التنظيم في ازديادٍ مُستمر.. وهو يوجه خطابه
للداعمين ولمن يقفون على الحياد على حدٍ سواء
وطالب ابو الغيط الجيوش العربية بأن تُكثف
تواجدها في هذا الميدان المُهم بالتعاون مع الخبرات في هذا المجال، وبحيث تنتقل إلى
وضعية الهجوم بدلاً من الاكتفاء بمُجرد الدفاع والتأمين.
وقال ان علينا أن نُشعر قوى الإرهاب والفوضى بأنهم
مُلاحقون مطاردون.. لإن عقلاً واحداً نخسره لصالح الداوعش ومن هم على شاكلتهم هو كارثةٌ
كبيرة، وقنبلة موقوتة مؤجلة.
ولفت ابو الغيط الى ان كيانات سياسية تاريخية
تتعرض لخطر الزوال.. وهناك دولٌ نشأت في فتراتٍ مُختلفة خلال القرن الماضي، واستمرت
ككيانات وطنية موحدة تواجه اليوم خطر التفكك والانفجار، موضحا ان الضغوط تتوالى على هذه الكيانات من الداخل والخارج
في الوقت ذاته.. العقد الاجتماعي الناظم لهذه المُجتمعات مُهددٌ بالانفصام الكامل..
ولأن الكثير من الجماعات والقوى الإقليمية قد وصلت إلى هذا الاقتناع، فإن سباقاً مُتسارعاً
يجري اليوم على وراثة هذه الكيانات السياسية أو الحصول على مناطق نفوذ داخلها .. لا
أحد يعلم إن بدأ التفكيك .. متى ينتهي، أو عند أي حدٍ يقف.. فإذا انفصمت عُرى الدولة
الوطنية التي عرفتها المنطقة العربية منذ اتفاق "سايكس/ بيكو" في عشرينيات
القرن الماضي، فإن البديل سيكون شيئاً جديداً علينا جميعاً، بيئة استراتيجية مُختلفة
تلعب فيها الجماعات الإرهابية والميلشيات والكيانات الطائفية بل والقبائل والتحالفات
المناطقية أدواراً متصاعدة..
وبرغم تسارع هذا الاتجاه نحو التفتت والتشرذم،
إلا أنه يتوجب علينا القول بأن ثمة اتجاهاً مُضاداً للإنقاذ وإطفاء الحرائق.. ويتجسد
هذا الاتجاه في صحوة عربية ألمس بوادرها في تحركات تسعى للملمة الشتات والتدخل في الأزمات
بهدف صيانة وحدة الدول والمجتمعات.. وقد بدأت ثمار هذه التحركات في صورة محاولات مُتكررة
لتسوية الأزمتين، الليبية واليمنية.. داعيا ان تُكلل الجهود الجارية بالتوفيق، وأن
نتمكن من إيقاف مُسلسل الفوضى والتفتيت المُستمر منذ ما يربو على ستة أعوام.
ونبه ابو الغيط الى ان إن دور الجامعة العربية في تسوية الأزمات العربية
يواجه تحدياتٍ ، مشددا على ان تحركها مرهون بإرادة الدول الأعضاء، ذلك أنها لا تُمثل
إرادة أكبر منهم، وإنما تُعد تجسيداً لإرادتهم الجماعية إن اكتملت، ولكلمتهم إن اجتمعت.
وقال ان الجامعة ليست مؤسسة تُعنى بالسياسة
فحسب، وإنما هي بوتقة جامعة لكل مجالات العمل العربي المُشترك في الاقتصاد والثقافة
وغيرها.. وهي تركز على هذه المجالات بالذات لأنها تنطوي على أمل حقيقي وتغرس ثمراً
للمُستقبل.. وليس معنى هذا أن الجامعة تُغفل دورها السياسي أو تتناساه، وإنما هي تحرص
على ممارسته بحساب، عارفةً ما لها وما عليها، ومن دون افتئات على رؤية الدول وقرارها
السيادي.. وبحيث يوظف ثقل الجامعة المعنوي والأخلاقي والسياسي في المكان والوقت المُناسبين.
واضاف ابو الغيط ، انني أرصد زخماً طيباً
بعد قمة عمّان في مارس الماضي.. وألمس رغبة صادقة من جانب الدول العربية جميعاً في
رأب أي صدع، وتجاوز كل خلاف، من أجل وقف نزيف التفكك والتفتت.
وحذر ابوالغيط من وجود بيئة دولية وإقليمية لا تساعد على التئام الأوضاع
في المنطقة العربية، بل تدفع لتفاقمها وتخلق ظروفاً تُفضي إلى المزيد من تشرذمها وتفككها
فهناك –أولاً- حالة من انعدام اليقين في قمة النظام الغربي، و ثمة صعودٌ في الاتجاهات
الشعبوية لا تخطئه عين، ويتعين علينا أن نُراقب بدقة تبعاته على منطقتنا، وعلى العلاقات
العربية- الغربية بصفة عامة.. وهناك-ثانياً- عودة لما يُشبه التنافس على المنطقة بين
أقطاب النظام الدولي.. وليس من الواضح بعد إلى أين سيقود هذا التنافس، ولكن المؤكد أننا نلمسُ بوادر
غير طيبة لاقتسام النفوذ كما عكسها –مثلاً- الاتفاق الذي وُقع مؤخراً في الاستانة بشأن
مناطق خفض التصعيد في سوريا..
..
ونبه ابو الغيط الى المخاطر والتهديدات
المُحتملة على المنطقة على المدى القصير والمتوسط، و التي تستنفر كل طاقات التحدي لدى
رجال العسكرية والاستراتيجية، وتستدعي فيهم كل مشاعر الانتماء الوطني والقومي.. ففي
مثل هذه الأوقات الصعبة، وفي مثل تلك الأجواء من انعدام اليقين.. تلوذ المُجتمعات بقواتها
المُسلحة لكي توفر الحد الأدنى من الاستقرار والحماية من الأخطار.. وهو ما يُضاعف دور
الجيوش في المنطقة العربية، كصِمام أمان يحفظها من التفكك.. وبوتقة جامعة تحميها من
التفتت..
وشدد ابو الغيط على انه إزاء هذه البيئة
الاستراتيجية الجديدة، فإن الجيوش عليها أن تتكيف وتُراجع أولوياتها من حيث الاستعداد
والتأهيل للحروب التقليدية لا ينبغي أن يتراجع أو يتوانى.. فمنطقتنا –للأسف- ليست بعد
بمنأى عن هذه النوعية من الحروب، خاصة في وضعٍ طابعه السيولة والتغير السريع.. على
أن أدواراً أخرى، ومهام جديدة لابد أن تُضاف إلى هذه المهمة الأساسية.
وقال انه يتعين إيلاء اهتمام أكبر وتوجيه
تركيز أشد إلى الحروب غير النظامية، ومواجهة الميلشيات المُسلحة، والجماعات الإرهابية..
وقد رأينا كيف عدل الإرهابُ خلال السنوات الماضية من استراتيجيته، بالتوجه إلى احتلال
الأراضي والسيطرة على مُدن بأكملها كما في حالة داعش، بدلاً من الاكتفاء بتوجيه الضربات
أو الهجمات كما كان الحال في السابق.. وتقتضي مواجهة هذه الاستراتيجيات الإرهابية الجديدة
تغييرات في التدريب والتسليح وإدارة العمليات.. وخاصة فيما يتعلق بالحروب داخل المناطق
السكنية المُكتظة، والتعامل مع أوضاع يتعين فيها مراعاة تقليل الخسائر بين المدنيين...
يتطلب الأمر أيضاً تركيزاً أكبر على العمليات الخاصة، ورفع كفاءة أجهزة جمع وتحليل
المعلومات، ذلك أن الاستخبارات تُمثل حجر الزاوية في جهود الحرب على الإرهاب.. ولعل
الهجوم الألكتروني الأخير الذي ضرب 150 دولة حول العالم فيما وصفه البعض بـ
"11 سبتمبر الأمن المعلوماتي"، يدق
ناقوس الخطر للدول العربية وأجهزتها الأمنية والعسكرية.. من أجل إيلاء الأمن السيبراني
اهتماماً متقدماً في كافة العمليات والنظم والخطط الأمنية التي تقوم بتنفيذها.
وليس الأمر قاصراً على إدارة العمليات العسكرية،
وإنما يتعين كذلك أن تهيء الجيوش العربية نفسها للتعامل مع سيناريوهات تتمثل في تدفقاتٍ
سُكانية ضخمة ومفاجئة عبر الحدود، ونزوحٍ ملايين من اللاجئين من بلدٍ إلى بلد.. وهي
أوضاع لابد أن تستعد لها المُجتمعاتُ والحكومات وليس فقط الجيوش، لأنها تُشكل ضغوطاً
هائلة على النظم الحياتية في مُدن هي بالفعل مكتظة بالسُكان ولا تتحمل المزيد.. والوضعُ
اللبناني خيرُ شاهد على الأعباء التي ينوء بها كاهل بلد صغير محدود الإمكانيات يستقبل
ما يُكافئ رُبع سُكانه كلاجئين.