رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
أحمد المرشد

أحمد المرشد

أمي! النهر الذي يتدفق حباً... كم أحن إلى إفطارك!..

الجمعة 25/مايو/2018 - 11:51 ص
طباعة
 
أحمد المولي عز وجل أنه لم يفوتني فطور أول يوم رمضان مع أمي طوال حياتي، وفي هذا نعمة كبيرة ربما لا يعرفها سوي الذين اضطروا بسبب أعمالهم ومشاغلهم الابتعاد عن خبز أمهاتهم سواء أول يوم رمضان من كل عام أو كل أيامه المباركة. نحن هنا أهل هذه  البلاد المباركة لم تجبرنا ظروفنا علي مغادرة بلادنا بحثا عن لقمة العيش خارجها، فجميعنا تقريبا لم تضطرنا ظروفنا لأن نكون خارج البحرين خلال أشهر رمضان.
ولكن الأمر لم يسلم هذا العام بالنسبة لي علي الأقل، بسبب مشاغلي وعملي بمصر ، ولذا، فالقاهرة هي وجهتي في وقتنا الراهن ومتطلبات الوظيفة قد تجبرني علي البقاء في مصر..بيد أن أمي نادتني، وجاءني صوتها الرقيق عبر آلاف الأميال ليناديني كي انضم لسفرتها العامرة كالعادة أول افطار في رمضان.. نعم فطور أمي، كم هو من أسعد أوقاتي وأحلاها وأكثرها فرحة خاصة في اليوم الأول من رمضان.  ففي هذا اليوم وعبر سنوات عمري تعودنا أن نلتقي علي سفرة واحدة نحيط بجدتي وجدي لأمي وخالاتي،  الي أن أخذ الزمن منهم من أخذ رحمهم الله وأطال لنا في عمر أمي الغالية. أمي الغالية  التي لم تتغير عاداتنا إكراما لها، حتي  بعد أن تزوجت وصارت لي أسرتي نحرص علي أن نكون حولها  أنا وأسرتي ولا نفرط في هذه العادة الحميدة طوال حياتنا والتي أتمني أن تظل كما هي عادة جميلة ما حييت.
أما افطار  هذا العام فله حكاية، ففي ليلة إعلان رؤية هلال شهر رمضان المبارك، تحدثت مع أمي كعادتي مباركا ومهنئا لها بدخول الشهر الكريم، ولكن الحديث هذا العام لم يكن مثل كل عام عندما أهنأ أمي بقدوم الشهر الفضيل، فأحسست بآلمها وتهدج صوتها وهي تقول "ما أصعب دخول هذا الشهر الكريم وأنت لست معنا". لم يكن آلمها وحده الذي أحسست به، فانتفضت من داخلي وسرت بي قشعريرة هزتني من أعماقي، فأمي تناديني، فهي من رقتها كتمت صوتها المختنق في حلقها حتي لا تجعلني أشعر بوحدتها ورغبتها في أن نكون معا في أول فطور رمضان كعادتنا. إحساسي العميق بنبضات قلبها وصوتها الحاني دفعني لأن اتخذ قرار مهماً جداً وهو أن  أكون مع أمي في أول فطور رمضان، وكم كانت سعادتي وفرحتي عندما فاجأتها بدخولي المنزل. مبعث سعادتي وفرحتي ما رأيته من فرح في وجهها الطيب الصبوح حتي أغرورقت عيناها بدموع الشوق  لابنها وفرحتها برؤيته من غير معاد، وكم كانت سعيدة لأن ابنها البار لم يخذلها ويبتعد عنها في فطور رمضان، بل لبي رغبتها وأسرع الخطي ليلتقيها. لا استطيع وصف ما  اعتراني من إحساس بلقاء أمي وفرحتها لا تضاهيها فرحة،  ونظرات الرضي في عيناها الغاليتين.  فالجنة حقا تحت أقدام الأمهات، وهذا قول حق،  حفظ الله لي أمي وأمدها بالصحة والعافية وطول العمر وجعل يومي قبل يومها، وهذه أمنيتي في الحياة.
ما دفعني لكتابة ذكرياتي عن أول افطار  رمضان ما كتبه الأخ العزيز صديق العمر الأستاذ خليل إبراهيم الذوادي في مقاله يوم  الأربعاء الماضي، اول فطور رمضان مع امي.  فقد آثار شجوني  عندما علق علي سرعة اتخاذ قراري بالذهاب للبحرين في الأول من رمضان كي ألتقي أمي وأكون بجوارها في سفرة الأول من رمضان،  والأخ خليل لا يفوت شاردة أو واردة دون أن يدونها  بتعليقاته وتوثيقه لأحداثها.
إنها أمي، أعز إنسانة لي في الوجود، الغالية علي قلبي ووجداني، فنحن مهما امتلكنا في هذه الحياة، لن نملك أغلي من الأم، وعندما أتمني من المولي عز وجل أن يجعل يومي قبل يومها فهذا من قبيل يقيني أنني لا استطيع العيش بدونها، فهي قلب حياتي ونبض دمي وروحي التي أحيا بها، ويكفي أن اسمع صوتها لكي تزول كل همومي مهما كانت مثل زبد البحر، فكلمة حانية منها ونصيحة حكيمة كفيلة أن تعيدني الي جادة الصواب. أعلم أن من أصعب المواقف علي أي أم هو أن تفقد ابنها مهما صغر أو كبر، فهو وليدها وفلذة كبدها، ولكني أيضا لا أتخيل حياة بدون أمي، حياة بلا حضن يضمني، بلا صدر حاني أرمي عليه كل همومي وأحمالي مهما ثقلت، فلحظة في حضن أمي تمثل حياة لي، بل بداية حياة جديدة.
 فمهما امتلكنا في دنيانا، لن يكون أعظم من أمنا، وكم يغمرني الشوق الي زمن طفولتي وقت أن كنت افتح عيني كل صباح علي ضحكتها المليئة بمشاعر الحب  وصوتها الهادي المفعم بالطمأنينة لأبدأ يوما جديدا. فأمي هي أغلي ما في حياتي، أحسست فيها بعمق العطاء  وهي عنوان العطاء بلا مقابل.
وإذا كنا كثيرا ما نقرأ أو نسمع خبرا عن نشاط "السيدة الأولي" في أي بلد أو مجتمع، تكون أمي أول ما يتبادر الي ذهني وقلبي عندما أسمع هذا التعبير أو أقرأه، فأمي هي سيدتي الأولي، هي من أنجبتني وكانت سببا في حياتي، فهي روحي وكينونتي، ضابطة شخصيتي، معلمي في هذه الدنيا، من علمتني أن أكون إنسانا منتجا في المجتمع.
عندما أتحدث عن أمي، أتذكرها صديقة قبل الأم، كم أنست وحدتي وأخرجتني منها وأرشدتني الي الصواب إذا هممت بفعل خطأ،  إنها أمي التي غرست في أولادها كيف يكرمون ضيفهم، وأن الغني في القناعة، ومنها تعلمنا أن نرفع رؤوسنا عاليا، ونلتزم بآداب الإسلام وتعاليمه، وبمناسبة شهر رمضان المبارك كانت أمنا هي أول من علمتنا صوم الشهر الفضيل وأن نصبر علي الجوع والعطش ونحن صغارا، فهي تمتلك وسيلة إقناع قلما نجدها في غيرها من البشر، فكانت نعم المربي والمعلم ولا أبالغ إذا قلت نعم الشيخ الذي لقننا مبادئ  الإسلام.
أمي التي سهرت ليالي طويلة وكثيرة لترعاني وأنا مريض، ولم تبد أي تعب من سهرها مهما كان مدي إرهاقها وشدة آلامها، ولم تشكو ألما ليلا حتي ولو حملت أعباء الدنيا نهارا..إنها أمي مقلة عيني، ولها أعود للبلاد مهرولا كي أنعم  بفطور أول رمضان معها، إمي التي لا نقيس الدنيا معها أياما وسنينا وإنما سعادة ومحبة وعطاء، فهي وقبل أن ترضعنا من قوتها أرضعتنا حب الخير للآخرين وإيثار النفس من أجل الغير والقناعة بما وهبه الخالق لنا والرضب به، فهي اتسمت طوال حياتها بالرضاء بما حباها الله به من نعم، وغرست فينا هذا الرضاء، ولمن لا يعلم فإن الرضي  من الخصال العظيمة التي يمنحها المولي  سبحانه وتعالي للإنسان.  
إنها إمي صاحبة أحلي لمسة يد، لمسة العشق  التي لا تضاهيها لمسة في الوجود، أمي التي تذهب كل آلامي وأوجاعي بمجرد أن ارتمي في حضنها وتضمني الي صدرها نبع حياتي، إنه حضن أمي الذي يشع نورا وبهاء ومحبة ويملأ روحي فرحة، إنه حضن أمي الذي أراه كالسماء وقت الصفا في ليلة قمرية لتنشر النور علي كل  الدنيا، إنه حضن أمي مثل النهر الذي ارتوينا منه ماء عذبا، إنه حضن أمي مثل زهرة الربيع الموردة والتي تتفتح مع بدايات نسمات الفجر المندية لتكون لنا الطيب والزعفران. إنه حضن أمي مثل النخيل الذي يرمي رطبا تكفي كل أفواه العالم.. ولهذا أوصى الإسلام بالأم، ومنحها حقوقا، وجعل لها واجبات على الأبناء، منها التواصل والرعاية والاهتمام والاعتراف بفضلها فهي باب الرحمة لنا في السماء، و قال تعالي: (وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْن) [لقمان:14[.
إنها أمي أعظم ما  أنعم الله به علينا وأجل نعمه وأعظمها، نعمة أن رزقني بأمي، أطال الله في عمرها ووهبها صحة وعافية، وأدام عليها وعلينا ضحكتها وحنانها ونبع محبتها الصافي كالنهر الجاري منذ بدء الخليقة الي يوم القيامة.
أدعو الله عز وجل أن يديم علينا نعمة أمنا وألا يحرمنا من طلتها علينا ودعائها لنا ومن لمسة يديها الحانيتين ونظرة عينيها، ويارب أدعوك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت أن أسبق أمي الي اللحد، وأدعوك ألا تحرمني من حضنها وحنانها، فبدون هذا الحضن لا حياة لي، ويتوقف نبضي للأبد.


احمد المرشد
كاتب ومحلل سياسي بحريني
  

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads
ads