طباعة
sada-elarab.com/784938
قبل فترة ليست بالبعيدة تمكنت الشرطة الأوروبية Europol من رصد ما تسمى مزرعة شرائح هواتف في دولة «أوروبية»، وتبين أن هذه المزرعة تدير 49 مليون حساب مزيّف هدفها تزوير الواقع، والتلاعب بالرأي العام، وكذلك استخدامها في النصب والاحتيال الإلكتروني، وسرقة الأموال، وزيادة التفاعل على منصات التواصل وحتى التأثير السياسي في دول عظمى.
ونُشر مع الخبر صورة لهذه المزرعة التي يظهر فيها مئات الشرائح الهاتفية الموصولة بقاعدة وأجهزة، لتحتوي كل شريحة على مئات الحسابات التي تسجل في مختلف وسائل التواصل وتدخل مع الناس في جدال ونقاشات وخلافات وحروب جدلية لا نهائية.
وتخيل عزيزي القارئ أن هذه المزرعة صاحبة الـ49 مليون حساب هي واحدة فقط تم رصدها من موقع واحد في دولة واحدة، وتخيل حجم الجدل والنقاشات والحروب العقيمة التي تدار في وسائل التواصل على مدار الساعة، وندخل فيها نحن بقوة ونستهلك ساعات طويلة في الرد، دون أن نعلم أننا مجرد أدوات تحركها أصابع خفية في أماكن قريبة أو حتى بعيدة.
ولذلك أرى في قانون الصحافة والإعلام الإلكتروني الذي صادق عليه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، رؤية استشرافية لمستقبل الحروب الإلكترونية التي أصبحت اليوم أكثر شراسة ودموية من حروب الأسلحة التقليدية، فما أبشع ما نراه اليوم من فتنة هي أشد من القتل كما ورد ذكرها في القرآن الكريم.
وسيكون لهذا القانون والقرارات التي ستصدر بعده، الدرع الحامي للوطن المستهدف من الخارج بتلك الأدوات اللعينة، ولا أشك أن هناك مزارع مماثلة تعمل ليل نهار لاستهداف البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي جميعاً، وحتى أن هؤلاء الشياطين يحاولون زرع الفتنة بين أشقائنا وإخوتنا في دول الخليج والدول العربية، ولو رجعنا لأشهر وسنوات قريبة جدا سنرصد هذه الفتن بوضوح، ولكن دون أن ندرك أو نصل لمصدرها ومن أين تأتي، ومن يجلس خلف هذه الشرائح والكمبيوترات ليزرع الفتنة بين الأشقاء.
نطمح في قانون الصحافة والإعلام الإلكتروني الجديد أن يكون حائط الصد والرادع لهذه الحسابات، خاصة وأننا اليوم نشهد توسعاً عشوائياً لمصادر الأخبار في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا نعلم أصحابها ومن يديرونها وكم يربحون مقابل كل خبر يحمل هدفاً خبيثاً أو حتى خبر تافه يشغل مجتمعاتنا، ويضع بيننا الشقاق والخلاف.
إن هذا القانون سيكشف في المرحلة القادمة كثير من الزيف الذي كنا نظنه حقيقة، وسيتفرع من هذا القانون تشريعات أخرى تكافح جريمة النشر والتعليق واللايك وغيرها من أدوات نخالها بسيطة ولكنها خبيثة.نشكر حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم على تصديق القانون الجديد، ونشكر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله وحكومته التي بذلت جهوداً كبيرة في وضع أفكار هذه المواد وما ستحمله من تفسيرات قادمة لن نعلمها، والشكر الختامي للمجلس التشريعي بغرفتيه، ونهنئ أهل الصحافة والإعلام بهذا الإنجاز الكبير.
* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية














