طباعة
sada-elarab.com/783333
قيل من قديم الزمان: «الصديق عند الضيق».. يا لها من عبارة تحمل في طياتها الكثير من المعاني والعبر، وقيل إضافة إلى ذلك «الصديق من صَدقك لا من صدّقك»، بمعنى أنك تحتاج إلى الصديق من يسدي إليك النصائح ويكون صادقًا في القول والعمل بما ينفعك وييسر أمورك، وإن أحسست للحظة أن هذا يؤلمك ولا يلقى هوًا في نفسك، لأن أحيانًا إذا جاملك الصديق وخشي أن يكون في اختلافه معك في الرأي ما يؤلمك، فيحاول أن يجاملك فيصدقك، فكم نحن بحاجة إلى الصراحة في القول والعمل، وبالذات الأصدقاء والمقربين منك؛ فالمرء منا مهما زاد علمه وتوسعت معرفته، فإنه في لحظات من الزمن يكون ضعيفًا ولا يقوى على تحليل الأمور ودراستها بما ينفع الناس بعضهم لبعض ومجتمعين يستطيعون أن يتجاوزوا كل التحديات والمنغصات، ويفيدوا مجتمعهم والناس من حولهم.
وهذا ينطبق على الأفراد كما ينطبق على المجموع، وربما ينطبق على البلدان الذين تربطنا بهم علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، فما أحوجنا في هذا الزمن، زمن التحديات من كل النواحي، إلى المصارحة الحقة والعمل سويًا لما فيه الخير والصلاح... التاريخ علمنا منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد أن الحضارات القديمة كانت تستفيد من بعضها بعضًا، وكانت الرحلات البحرية والبرية أو عبر الأنهار تتم من خلال السفن، أو البراري بركوب الإبل والخيل، وكان التواصل بين هذه الحضارات يتم من خلال الاستفادة بما ينفع الشعوب، وعندما كانت الحروب تنشب بينهم، فأكيد يكون هناك الخسران، أما إذا تمت مراعاة المصالح فيكون الازدهار والرخاء...
إن وسائل التواصل الحديثة باستخدام تقنيات العصر الحاضر رغم ما فيها من منغصات إلا أن الاستفادة منها كثيرة وجمة شريطة أن يكون هناك الوعي بتجنب ضررها والاستفادة من منافعها... نفرح عندما نرى هذه الإنجازات التي يحققها أبناء الوطن الواحد في جميع المجالات، ونسعد بما يصل إليه أبناؤنا وأحفادنا من تعاطٍ ذكي بما أفرزته الحياة المعاصرة من تقنيات، وعندما نرى شبابنا وهم يحققون هذه المنجزات نقارن أعمارنا بأعمارهم، فنجد أن نعمة العلم جعلت هؤلاء الشباب يبدعون، وإذا قارنا أنفسنا اليوم بما كنا عليه نجد أن الفرق شاسع. ندعو الله جلت قدرته أن يحفظهم ويديم عليهم نعمة الصحة والعافية وخيرات العلوم والمعارف الحديثة والمعاصرة، وقد توسعت الخبرة والنصائح ولم تعد مقصورة كما قلنا في بداية المقال عن الصديق والصداقة، بل تعدت في منافعها إلى القريبين والأبعدين، شريطة أن نؤمن بأن «لكل شيء إذا ما تم نقصانُ»، فقد كان أستاذتنا في مختلف العلوم الجامعية يذكروننا بأننا مهما كان علمنا ومعرفتنا، فسنظل نحتاج إلى بعضنا بعضًا.
فقد تذكرت أستاذنا الفاضل يرحمه الله الباحث الكبير الأستاذ الدكتور عبدالسلام هارون في جامعة الكويت كلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وهو من دار العلوم بجمهورية مصر العربية ورئيس القسم، كان يقول لنا إنه رغم علمه ومعرفته بعلوم اللغة نحوًا وصرفًا، إلا أنه إذا ما كتب موضوعًا أو دراسة يعرضها على أحد المختصين للمراجعة والتدقيق؛ خشية أن يكون قد فاته شيء، وهذا درس بليغ علمنا إياه الأستاذ المرحوم عبدالسلام هارون مثواه الجنة، فما أحوجنا إلى نصائح هؤلاء العلماء المتواضعين الذين أرسوا القواعد والحكم وتعاونوا لما فيه الخير من خلال العلوم التي تعلموها، ولم يبخلوا على غيرهم بالعلم والمعرفة لما فيه المصلحة العامة وتحقيق ما يفيد الأفراد والأمة.
سنظل بحاجة إلى الأصدقاء والمعارف ولمن يسهمون في العلم وتحقيق المصالح للشعوب، ونقف إلى جانبهم ونسهم معهم في تحقيق ما تصبو إليه الشعوب المحبة للأمن والسلام.
كم نحن بحاجة إلى تذليل العقبات والمنغصات، وكفانا خصامًا وقطيعة وحروبًا لا طائل منها، رحم الله الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد عندما قال:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهندِ
فنحن مأمورون بصلة الرحم والرأفة بالأصدقاء والمعارف والتعاون لما يحقق لنا النصر على الأعداء ومن يضمرون لنا الشر، فعقيدتنا تحثنا على الرحمة والرأفة وحسن الجوار، وتحذرنا ممن يضمرون لنا العداء ويريدون الشر بنا، فبتعاوننا وتكاتفنا نحقق الكثير من الإنجازات، وعلينا التحلي بالصبر ومصارحة الأصدقاء والمعارف ونستفيد من تجارب الآخرين، فالحياة لا تستقيم إلا بنشر الخير والابتعاد عن كل ما يضعفنا ويفتّ في عضدنا، فتحديات الزمن كثيرة، كما أن الخير فيها كثير، وعلينا تحري الصدق في القول والعمل وبذل الجهود الخيّرة التي تثري حياتنا وتضاعف من قدرتنا على مواجهة الأعداء، ورحم الله الأجداد عندما قالوا: «اجعل لك في كل مكان بيت»، وكانوا طبعًا يقصدون أن اجعل لك في كل مكان صديق تلجأ إليه أو معرفة تلجأ إليها عندما يتطلب الأمر أخذ مشورته واللجوء إليه في المهمات والملمات، فإذا أنت اليوم في حاجة إليه فسيكون غدًا هو بحاجة إليك، وتبادل المصالح والتعاون على مواجهة مصاعب الحياة تتطلب منا التعاون والتكاتف والمصارحة، والإيمان بأن الخير موجود، وتحرينا له يفرض علينا البذل والعطاء والتضحية، والله من وراء القصد.
وعلى الخير والمحبة نلتقي...