طباعة
sada-elarab.com/779436
لم أتصور يومًا أن تطبيقًا بسيطًا للتسلية يمكن أن يصبح قضية أمن قومي. سنوات طويلة كنا نعتقد أن التحديات الكبرى تقف عند حدودنا، أو في أزمات الاقتصاد والسياسة. لكن مع الوقت اتضح أن هناك معركة أخطر، تدور في صمت داخل بيوتنا: معركة على الوعي، سلاحها المحتوى الهابط وصورها المضللة.
العدو هنا ليس جيشًا يُرى ولا سلاحًا يُحمل، وإنما خوارزميات ذكية تبني عالمًا افتراضيًا يجذب أبناءنا ويُشبع رغباتهم لحظة بلحظة، حتى يتحولوا إلى أسرى الشاشة. الخطر لا يكمن فقط في الإدمان، بل في ما تزرعه هذه المنصات من سلوكيات غريبة تُقدَّم على أنها “طبيعية”، حتى لو كانت تهدم منظومة القيم التي تربينا عليها.
اليوم أصبحنا نرى قدوات زائفة تحصد الملايين من المشاهدات، بينما تُقاس “قيمة” الشاب أو الفتاة بمدى قدرتهم على تقليد هذا المحتوى، مهما كان فارغًا أو مخالفًا للقيم. والنتيجة: جيل يعاني من القلق والاكتئاب وتدني تقدير الذات بسبب المقارنة المستمرة بالآخرين، وجيل يُعرض عن العمل الحقيقي لأنه يرى الشهرة السريعة أقصر طريق للنجاح.
هذا التهديد أخطر مما نتخيل، لأنه لا يضرب جيوبنا فقط، بل يضرب عقول شبابنا. إنها حرب من الجيل الرابع، تستهدف المجتمع من الداخل، وتتركنا أمام جيل فاقد للبوصلة، سهل الانقياد والتلاعب.
إذن، كيف نواجه؟ المواجهة لا تكون بالمنع فقط، لأن الحجب يفتح أبوابًا أخطر. المطلوب إستراتيجية شاملة:
• ردع قانوني واضح ضد من يروج للفجور أو يستغل المنصة للإساءة إلى قيمنا.
• وعي أسري ومدرسي يبدأ من البيت، يتابِع ما يشاهده الأبناء ويعطيهم القدرة على التمييز بين الزائف والحقيقي.
• بدائل إيجابية وجذابة: منصات ومحتوى يشجع على الإبداع والعمل ويقدم قدوات حقيقية للشباب.
لقد اعتدنا أن نعتبر بناء المدن والمصانع خط الدفاع الأول عن الوطن، واليوم يجب أن نضيف إلى ذلك: حماية العقول. لأن معركة المستقبل تُحسم في الوعي قبل أن تُحسم على الأرض. وإذا خسرنا أبناءنا، خسرنا كل شيء.
وهنا يظل السؤال الأهم:
هل نترك أبناءنا فرائس للتيك توك وغيرها من المنصات، أم نشاركهم نحن في صياغة محتواهم وفتح مساحات آمنة للتعبير والإبداع؟ المعركة ليست ضد التكنولوجيا، بل ضد استغلالها الخاطئ. وبالوعي، والحوار، وتقديم البدائل، نستطيع أن ننتصر. فالشباب ليسوا المشكلة… بل هم الحل، إذا أحسنا الاستثمار في عقولهم وطاقاتهم.