طباعة
sada-elarab.com/774887
تندرج مملكة البحرين ضمن الدول المستوردة للغذاء بنسبة كبيرة، وهو ما يمثل ضغوطًا متزايدة على ميزانيات الدعم الخاصة بالسلع الأساسية وفي مقدمتها الطحين.
وما لفت انتباهي في تقرير صحفي تحت عنوان ارتفاع الدعم الحكومي للطحين بنسبة 18.1% خلال العام الماضي، أننا ندفع فاتورة تصل إلى 30.4 مليون دينار فقط للطحين، وهو ليس مجرد رقم إحصائي، بل أعتبره مؤشرا يستلزم من الخبراء والمختصين البدء في إجراء تحليل اقتصادي معمق ووضع حلول استراتيجية لضمان استدامة توفير هذه المادة الحيوية وترشيد استهلاكها.
هذا الارتفاع الكبير في قيمة الدعم يعكس أساساً الارتفاع الحاد في أسعار القمح العالمية في السوق الدولية، والتي تستورد البحرين منها احتياجاتها بالكامل تقريباً، وهذه الأسواق اليوم تشهد تأثرا بسبب التغير المناخي وتقلبات الطقس في الدول المنتجة الرئيسية.
ولا يخفى على أحد التأثيرات المباشرة للنزاع الروسي الأوكراني حيث تعتبر الدولتين من أكبر مصدري القمح لدول العالم، فيما يرتفع أيضا الطلب العالمي، وتتأثر سلاسل التوريد بارتفاع تكاليف الشحن والنقل.
كل هذه العوامل ساهمت في تضخيم فاتورة الاستيراد، مما انعكس مباشرة على حجم الدعم المطلوب للحفاظ على أسعار الطحين والخبز مستقرة في السوق المحلي.
ولا ننكر جهود الحكومة في تحقيق رقابة فاعلة على استخدام الطحين المدعم في صناعة الحلويات والمعجنات والمخبوزات الأخرى، إلا أنه يوجد مستوى غير مرغوب فيه من الهدر قد يظهر بعضها و يختفي البعض الٱخر عن الأعين.
فمع وجود نسبة هدر في الكميات المستهلكة لكل فرد، قد لا نلحظ الهدر الحاصل في مرحلة إنتاج الخبز والتوزيع وكذلك الممارسات غير الفنية يمكن أن تؤدي إلى تلف أو فقد جزء من الطحين أو المنتجات النهائية.ورغم أننا شعوب مسلمة وتؤمن بعدم الإسراف والتبذير إلا أن عدم الوعي بقيمة الخبز الحقيقية تكاد تختفي بسبب الدعم، وتؤدي إلى هدر كبير في المنازل والمطاعم والفنادق، حيث تلقى كميات هائلة من الخبز يومياً، وهو في جوهره إهدار للموارد المالية العامة المخصصة للدعم.
الارتفاع المستمر في فاتورة الدعم له تأثير مباشر على كاهل الميزانية العامة وسينعكس بشكل غير مباشر على المواطن، ولذلك يجب أن ندرك جميعا أن هناك سقف لن تتجاوزه الفاتورة، وقد نحتاج عند هذه المرحلة إلى تطبيق معايير صارمة للاستهلاك الرشيد والبحث عن تشريعات ومبادرات للحد من هدر الخبز في المطاعم والمخابز والبيوت، ويجب أن يعرف المستهلك القيمة الحقيقية للخبز وثمن الدعم المدفوع من المال العام مع كل عملية شراء.
ان استمرار هذا الوضع لم يعد مقبولا. فالهدر اليوم لم يعد مجرد سلوك فردي عابر، بل جريمه صامته بحق المال العام. وكل دينار يهدر على الخبز الملقي في القمامة هو دينار ينتزع من جيب المواطن ومستقبل البحرين وامنه الغذائي. نحن امام خيارين لا ثالث لهما: اما ان نتعامل بجدية مع هذه الازمة عبر وعي وتشريعات ومساءلة، او نستعد لدفع فاتورة اثقل ستسقط عاجلا او اجلا على كاهل المواطن.
* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية