طباعة
sada-elarab.com/774314
قال الإمام الشافعي يرحمه الله محمد بن إدريس الشافعي 150 هـ - 204هـ، الموافق 767م – 820م، صاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي ومؤسس علوم أصول الفقه، وضريحه في القاهرة:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا
ولست بهياب لمن لا يهابني
ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا
فإن تدن مني تدن منك مودتي
وإن تناعني تلقني عنك نائيا
كلانا غني عن أخيه حياته
ونحن إذا منا أشد تغانيا
كم نحن بحاجة إلى عين الرضا في زماننا، فنحن نعيش مع الآخرين في أفراحهم وأحزانهم، فالمرء منا تمر به ظروف يشعر بأهمية التعاطف وبث شكواه لأقرب الناس إليه، والحياة لا تستقيم بالانفراد، بل إن كل واحد منا يحتاج إلى الآخر، وكلما تعقدت أمور الحياة أصبحنا في أشد الشوق إلى قلب حنون وكلمة تطيب الخاطر وتسري عن النفس آلامها، مخطئ من يظن أنه يعيش لنفسه ومن أجل ذاته، فقديمًا كان الأجداد والآباء يقدّرون الجيرة ويؤمنون بأن الطعام إذا انقسم على اثنين أو أكثر ففيه البركة؛ ولذلك تم تبادل الأطباق على تواضعها بين الجيران في المناسبات كرمضان والأعياد أو أيام الجمع أو في العديد من المناسبات، وطبعًا لا تعود الأطباق إلى أصحابها فارغة، وإنما يتم إرجاعها عامرة أما من الغذاء، أو من رموز الغذاء كالبيض والدقيق والسكر أو بطعام مالح أو حلو، وفي ذلك رمزية للتعاطف والتكاتف والمودة بين الجيران، وفي نفس الوقت قد يكون رمزًا لإجادة الطبخ والإشادة بمن قام بهذه «النقصة» التي كان يطلقها على الأكل أهلنا الأعزاء يرحمهم الله.. صحيح تغيَّرت العادات والتقاليد، ولكن المتأمل في معناها ورمزيتها يؤمن بأن هذا التقليد يدخل السرور والألفة بين الجيران ويزرع الأمل في الغد؛ لأن التواصل الإنساني لا يعادله أي تواصل مادي، فرمزية تبادل الأطباق تتجاوز مردودها المادي إلى معانٍ سامية نقلها لنا الأجداد والآباء إلى الأبناء والأحفاد.
نحن في زمن الماديات، بل الأدهى والأمر من ذلك، فنحن أمام تحدٍّ سياسي واجتماعي واقتصادي ووجودي وسنظل بحاجة إلى التكاتف والتعاون والتآزر، ولا يستغني الواحد منا عن الآخر، وندرك ذلك حاليًا ومستقبلاً، وعلينا أن نؤمن بأن المرء منا بحاجة، كما قال الإمام الشافعي، أن تكون عين الرضا ماثلة في مفاهيمنا وقيمنا المعاصرة، وأن نتجاوز عن سلبيات بعض سلوكنا ونقيم بعضنا بعضًا.. عالمنا الافتراضي واستخدام تقنيات العصر قد يجرنا إلى ما لا تحمد عقباه.
لا بد لنا من التقنية والعصر يفرض ذلك، ولكن نحن بحاجة الى تقوية كياناتنا والاستفادة من تقنيات العصر فيما يعود علينا بالنفع.. لا نعدم العقول العربية المبدعة، الحمد لله عندنا من الشباب البحرينيين ما نثق بقدراتهم ومواهبهم وإبداعاتهم، وما نحتاج إليه هو الاستفادة من هذه القدرات والاعتماد عليهم، والاستفادة من علومهم ومعارفهم التي حصلوا عليها في جامعاتنا والجامعات العالمية الأخرى في الوظائف الحالية والمستقبلية التي إن شاء الله مقدمة عليها بلادنا.. من يزور الصين الآن يجد الفارق الكبير الذي حصل عندهم في الاقتصاد والعلوم والاستثمار والتجارة وتنمية القدرات البشرية، وكذلك في دول أخرى مثل فيتنام وماليزيا وغيرها من الدول ذات التجارب الناجحة. نتفاءل بالخير، والمسؤوليات تتطلب منا أن نرى ما هو أجمل ونتجاوز عن كل ما يثبط الهمم والعزائم، ونبحث عن كل ما يدعو الى التفاؤل ويزيل عنا المنغصات، ونواجه المستقبل بقلوب مفتوحة متفائلة، وننظر الى إنجازات بعضنا بعضًا بروح التفاؤل والأمل في غدٍ يبشر بالخير ويزرع كل ما من شأنه رفعة شأننا وعلو مكانتنا بين الأمم.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..