رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
السفير: خليل الذوادي

السفير: خليل الذوادي

كل مشروك مبروك

الأربعاء 30/يونيو/2021 - 06:19 م
طباعة
كنا نسمع من أجدادنا وآبائنا عندما يحين موعد الغداء أو العشاء عبارة «كل مشروك مبروك» وهم بذلك يدعون الآخرين لمشاركتهم في أكل الوجبة التي هم بصددها، فكان ترحيبهم بمشاركة أهلهم أو أصدقائهم أو جيرانهم بالتحلق حول سفرة الغداء أو العشاء شعورًا منهم أن البركة تحل عليهم نتيجة هذه المشاركة، وهم بذلك يضربون المثل في أن يتشارك الجميع من أجل الخير؛ فالزاد تحل عليه البركة في هذه المشاركة. 

وواقع الأمر أن إحساسهم بالتجاوب الإنساني فيما بينهم يجعل الحياة ذات بريق تتجسد فيه الإيجابية، ولذلك فقد كان تبادل الأطباق بين الجيران عادة متأصلة في مجتمعنا العربي، خصوصًا في مناسبات شهر رمضان والأعياد وربما الولائم للضيوف الذي يفدون إلى جارهم فيشعرون أنهم مدعوون لهذه الوليمة حتى إن لم يأتِ جارهم ليخبرهم، وحتى ولو لم يتم ذلك فإن الأطباق سوف تصل إليهم. كان بيت جدي لأبي محمد بن صالح الذوادي يرحمه الله ومثواه الجنة مجاور لبيت ناصر العبيدلي بوفياض يرحمه الله ومثواه الجنة في الجسرة، فكنا دائمًا نشهد في الولائم حضور الجيران، ويمكن أن يكون ذلك اهتداءً بأنه في شريعتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالجار خيرًا.. 

وإذا امتد المقام بضيف الجيران مدة أطول فإن الجيران يتناوبون في دعوة ضيف جارهم إما على الغداء أو العشاء شعورًا وجدانيًا بأن ضيف جارهم ضيفهم، ولذلك فإن أدبياتنا في موروثنا الشعبي حددت للضيف مدة ثلاثة أيام للزيارة لكي لا يثقل على أهل البيت الذي لجأ إليه، وكذلك ربما تكون هناك تبعات على الجيران، غير أن شعورهم الإيجابي بضرورة المشاركة حتى في أبسط الأمور تدفعهم إلى المشاركة في أمور مصيرية، ولذلك فقد كانوا يمدون يد العون إلى جارهم حتى ولو لم يطلب هو منهم ذلك، وفي هذا السلوك إشعار بعضهم بعضًا بأن خبرة أحدهم ليست حكرًا عليه، وإنما هي من أوجب الواجبات أن يسهم مع جيرانه أو أصدقائه بما يملك من خبرة، وهذا الشعور طبعًا لم يكن من قبيل التفضل وإنما يدركون أن هذا التصرف يعتبر عربون واجب السداد عندما تحين فرصة تقديم الخدمة إلى الجار عندما يقدم على مشروع معين.. 

«كل مشروك مبروك» في عرفهم أن الشراكة في الحياة تجعل الأمور سهلة وميسرة والواجب يحتم عليهم أن يتبادلوا الخبرة والتجربة بلا تفضل أو منة.. 

ما أحوجنا في حياتنا المعاصرة إلى هذه الروح التي كانت سائدة في مجتمعاتنا، فالحياة تعقدت وتشابكت وتنوعت الاختصاصات ومع الحاجة الماسة إلى التكاتف والتآزر، إلا أننا أصبحنا كالجزر المعزولة رغم أننا الأقرب من بعضنا بعضًا بحكم وسائل التواصل ووسائل المواصلات. ولذلك فنحن نؤكد أن مجتمعنا ولله الحمد مازال بخير، وما نحتاج إليه هو التأكيد على أهمية حق الجار على الجار وحق الصديق على الصديق وحق ابن الوطن على وطنه والمواطنين...

نعم نحن نواجه تحديات جسامًا، ورياح من التغيير في المفاهيم والقيم، وأجيالنا تعيش في خضم هذه المتغيرات، ولم يعد عندنا من الوقت كآباء ومربين في ضرب الأمثلة الواقعية والحياتية لهم ليسيروا عليها ويتبعوا خطواتها، كنا صغارًا في صداقتنا مع بعض عندما يحين موعد الغداء أو العشاء في بيت أصدقائنا لا يتركونا نذهب، بل إن أم وأب صديقنا يلزمونا بمشاركتهم الوجبة، ويهددوننا إذا لم نستجب لطلبهم أن يشكونا لأهلنا، وبالمقابل عندما يعرف آباؤنا وأمهاتنا بأننا في بيت صديقنا نأكل معهم الطعام يفرحوا بذلك ويسعدوا؛ لأنهم يعرفون أن أصدقاءنا سيأتي عليهم الدور لتناول إما وجبة الغداء أو العشاء معنا وفي ذلك مشاركة وجدانية ضرورية، فقد ورد في القرآن الكريم: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ۚلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ۚ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚكَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). سورة النور الآية 61. 

إذا كانت الأمور عابرة تمر في حياتنا ولا نأخذ لها بالاً أو نُدقق فيها وفي أبعادها، فإنه تفوتنا أشياء كثيرة ولا نشعر بقيمتها إلا عندما نفقدها؛ ولذلك فدعوة الأصدقاء لنا في افراحهم ومآدبهم واجبة الاستجابة، فكوننا نلتقي مع بعضنا بعضًا فإن ذلك استفادة من تجاربهم وخبرتهم ومناقشاتهم في المواضيع التي تدور في أيامنا ورؤية كل واحد منا وتقييمه للأمور تثري خبرتنا وتجربتنا حتى وإن كان ذلك يتم الآن في المطاعم، وطبعًا البيوت أفضل وأحسن وشعور بالراحة والاطمئنان إضافة إلى لذة الطعام والتفنن في تحضيره.. وعلينا أن لا ننسى «كل مشروك مبروك». 

 

وعلى الخير والمحبة نلتقي..

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads
ads