رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
د. هايدي عيسى

د. هايدي عيسى

مستقبل طرق الدفع ... العملات الافتراضية نموذجًا

الأحد 31/يناير/2021 - 01:24 ص
طباعة
تخيل أنك ذهبت لتقضي بعض مشترياتك وما أن وصلت لمكان الدفع إلا وتجد المسؤول يقول لك: (كاش أم فيزا أم بتكوين)!؟! بوصف الأخيرة واحدة من أشهر العملات الافتراضية التي غزت عالمنا والمقبولة حاليًا كوسيلة للدفع.
بل ولم التخيل؟! والأمر قد بات موجودًا في أكثر من 100,000 متجر حول العالم ممن يعتمدون البتكوين كعملة مقبولة للدفع لديهم! فقد كان أحد متاجر بيع الشاي في العاصمة الأردنية عمان أول متجر في عالمنا العربي يقبل التعامل بها، تلاه متجر لبيع البيتزا في دبي، ثم سوق السفير بالكويت. وها هو مقهى إسبريسو في مدينة فانكوفر الكولومبية هو الآخر يعتمد العملة ذاتها كعملة مقبولة للدفع؛ بل إنه وضع جهاز صراف آلي خاص بتحويلها إلى عملات أخرى كالدولار مثلاً، كما يعتبر مطعم " The Pizza Guy " بمدينة دبي أول مطعم يعتمد التعامل بالعملة ذاتها في الخليج، تلاه مطعم " Green Turtles Tea " بمدينة عمان الأردنية، وعلى المنوال نفسه دلت النماذج العملية.
وأغرب من هذا وذاك فقد أُعلن إتمام عملية بيع منزل تم دفع كامل قيمته بواسطة عملة البتكوين الافتراضية! كما دُفعت تكاليف ولادة طفل باستخدام العملة المذكورة ذاتها! وما سبق بيانه ما هو إلا مؤشرات دامغة وبراهين واضحة تُبرهن على نزول هذه العملات الافتراضية أرض الواقع بكامل قوتها. 
وقد يظن البعض أن ظهور العملات الافتراضية والتوسع في استخدامها قد اقترن بزمن كورونا. والواقع هو أن العملات الافتراضية قد عُرِفت بل دخلت حيز التطبيق العملي من قبل أن تجتاح جائحة كورونا عالمنا وتُحتم افتراضية كثير من مجالات أمور حياتنا كالتعليم والتجارة وغيرهما؛ حتى وإن اعترفنا أن الجائحة قد عجلت بافتراضية عديد من الجوانب على وجه ٍمتسارعٍ لم نعتده ولم نكن نتوقعه أبدًا.
والعملات الافتراضية لمن لا يعرف تُعتمد  كوسيلة للدفع من منطلق النظر إليها على أنها نظام دفع إلكتروني أساسه البرهان الرياضي؛ فالبتكوين نوع من أنواع العملات - وبالتالي طريقة للدفع- وإن كانت هذه العملات غير موجودة في شكل مادي ملموس كعملاتنا التقليدية؛ فهي عملة افتراضية تتواجد في العالم الافتراضي أو في فضاء الإنترنت الرحب، وهي تخضع للتداول والمضاربة عليها تمامًا كالعملات التقليدية (الورقية)، ولكنها لا تخضع لسيطرة المؤسسات المالية ولا الحكومات، ولا يمكن تتبع عمليات البيع والشراء بشأنها كونها عملات لا مركزية.
وتقنيًا، فهذه العملات عبارة عن: شفرة إلكترونية معقدة وخوارزميات ذكية، مبنية على تقنية تُدعى " البلوك تشين Blockchain" أو سلسلة الكتل التي أضحت حديث الساعة وهى عبارة عن: دفتر حسابات عالمي عام يحتفظ بكل العمليات الخاصة بهذه العملات والتي تم تنفيذها بالكامل. وبعدما توافق غالبية خبراء التقنيات الرقمية على أن ابتكار "خوارزمية الجداول المذكورة أو تقنية البلوك تشين" والتي رأى بعض العلماء أنها تعد الاكتشاف الأكبر منذ اختراع الشبكة العنكبوتية. 
ولعل من اللافت للانتباه أن تقنية "البلوك تشين" ذاتها تجعل من اختراق هذه العملات أو التلاعب بعددها أو قيمتها شأنًا أقرب إلى المستحيل، والحالة الوحيدة التي يتم فيها سرقة كميات منها هي عند اختراق محفظة إلكترونية أو منصة تداول تخزن الوحدات التي يملكها المتداولون، وهو شأنٌ أقرب إلى المستحيل كما قلنا، ولعل قدر الحماية المذكورة هو شأن يمكن استنباطه من تسميتها كذلك بـ "العملات المشفرة"؛ فإلحاق لفظ التشفير بمُسماها برهان دامغ على إحاطتها بسياجٍ قوي من الأمان. 
ولقد تنوعت مسميات هذه العملات؛ فتارة يطلق عليها العملات الرقميةDigital Currencies ، وتارة أخرى العملات المُعمَّاة أو المشفرة Cryptocurrencies، أو العملة الإلكترونية E-money. وها نحن الآن -في مقالتنا- نتناولها تحت مسمى العملات الافتراضية؛ فكلها وجوه لمسميات عملات واحدة المنطق والمنبع.
وعن أنواع العملات الافتراضية أو الرقمية ذاتها فهى ذات وجوه عديدة أشهرها: عملة البتكوين، والريبل، والإيثريوم، وبتكوين كاش وغيرهم؛ حيث تحظى كل عملة بمميزات واستخدامات فريدة. وبشكل عام يوجد أكثر من 60 عُملة تشفيرية مُختلفة بحسب المتخصصين، وأيًّا ما كانت مُسمياتها ومهما تعددت وجوهها؛ فدعونا نتفق أن هذه العملات تعتبر ثورة في النظر إلى المال وكيفية استخدامه.
وختامًا رُب متساءلٍ عن آلية عمل العملات الافتراضية، وفي جملة مبسطة أشير إلى أن إنشاء العملات الافتراضية يتم كمكافأة لعملية تعرف باسم التعدينMining  التي تجري باستخدام الحواسيب المتصلة بالشبكة العنكبوتية، كما يمكن استبدالها بعملات ومنتجات وخدمات أخرى، ويتم التحكم في عملية التعدين المذكورة عبر المستخدمين من كافة دول العالم؛ فمثلاً يوجد من عملة البتكوين قرابة 21 مليون وحدة حول العالم فقط، مع العلم بأنه تم تعدين قرابة السبع عشرة مليون وحدة وجاري البحث عن الأربعة ملايين وحدة تقريبًا الباقية فقط. وبطبيعة الحال يطاردها الجميع بحثًا عنها، تمامًا مثل الذهب؛ وهو ما عبر عنه العلماء بأننا لا نخترع المعدن النفيس، كل ما نقوم به هو البحث عنه في باطن الأرض. 
وهنا أؤكد أن التساؤل عن سبب تحديد المتاح من هذه العملة بهذا الرقم المذكور تحديدًا؟
بأن وجود هذا الرقم المحدد يشكل ميزة في حد ذاته؛ لأنه يحميها بوصفها المذكور من التضخم، كما أنه يُعلى اعتبارات تقدير الجهد المبذول بحيث توزع على المستحقين حسب مقدار ما بُذل من جهد لخدمة الشبكة؛ لا بحسب صراعات سياسية أو احتياجات عسكرية لدول متحاربة.
وبما أن البتكوين هي أشهر هذه العملات فسيتم الوقوف قليلاً عند آلية عملها كمثال يشرح الفكرة، فآلية عمل البتكوين تعتمد على عملية التعدين كما سبق القول؛ وهذه العملية هي نتيجة حل قضية رياضية تنافسية معقدة لتحرير (بلوك Block) جديد يضاف إلى (البلوك تشاين Blockchain)، ثم الحصول على مكافأة على هيئة بتكوين. وآلية عمل البتكوين بالنسبة لمعظم المستخدمين ليست أكثر من تطبيق خاص بالهاتف النقال أو برنامج حاسوبي يزوده بمحفظة البتكوين الشخصية على نحو يتيح للشخص تحويل أو استلام البتكوين، وبالطبع دون وجود مادي للبتكوين. 
وأخيرًا فخروجًا عن الإطار التقني للمسألة ونزولاً إلى أرض الواقع؛ فكما قلنا قد تم استخدم البتكوين بالفعل لشراء وإنجاز عديد من السلع والخدمات حول العالم، ولتحويل الأموال وتخزينها، وتبادل العملات عبر العديد المواقع الإلكترونية دون أي عمولة، أو بتكلفة إضافية منخفضة جدًا ربما تكون معدومة. وهو ما جعل العملات الافتراضية -والبتكوين على وجه التحديد- تحقق انتشارًا واسعًا، وتنال استحسانًا جماهيريًا كبيرًا في فترة زمنية قصيرة.


بقلم الدكتورة: هايدي عيسى، مدرس القانون الدولي الخاص كلية الحقوق - جامعة القاهرة 


إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads