رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
أحمد المرشد

أحمد المرشد

"قارئة الفنجان".. قصة الحب الضائع بين حليم وسعاد حسني

السبت 25/أغسطس/2018 - 01:54 ص
طباعة

أواصل اليوم حكايات المطرب ينمع الشعراء، وإن كنا تحدثنا الأسبوع الماضي عن قصة أغنية"ع الحلوة والمره" للمطرب عبد الغني السيد وشاعر الصدفة سيد مرسي أو "سيد مره" نسبة إلى أولى عالمه للشهرة والإذاعة، فحديثنا اليوم عن إثنين من كبار المشاهير،العندليب عبد الحليم حافظ والشاعر الكبير نزار قباني، وهما ليس في حاجة الى تعريف وإن كنا سنكشف كواليس أشهر أغنية لعبد الحليم والذي ختم بها عالمه وحياته وحبه وهي قصيدة "قارئة الفنجان" التي يضعها النقاد في المركز الأول لأغاني المطرب الذي  هز قلوب العذارى في الوطن العربي وكانت كلمات أغانيه هي لغة الهمس بين العشق والمحبين، ولهذا عاش عبد الحليم بأغانيه، وإن كان غاب بجسده ولكن ظلت روحه وقصصه.. قالت لي احدي الزميلات في الوسط الصحفي المصري  وهي شقيقة لأحدى صديقات عبد الحليم وكان سبب صداقتها هو خطيبها اللبناني آنذاك وتعرفت علي عبد الحليم واقتربت منه بحكم صداقته لخطيبها، وعرفت منه كم هوإنسان راق وحساس لفنه وحبه، وقالت لي إنه مثلما كان معشوقا للفاتنات فكان أيضاعاشقا لهن، وكان يطربه ما يلقين الجميلات اللاتي يقابلهن علي آذانه من غزل وحب فيه وفي أغانيه، ويطربه أكثر عندما يسمع منهن أغانيه كاملة، فكن يحفظن كل ما يغني عن ظهر قلب حتي أغانيه الوطنية.

نعود لقصة "قارئة الفنجان" فهي وفقا لأكثر من مصدر حكاية حقيقية مثلت لعبدالحليم ألما وجرحا غائرا رغم نجاحه الباهر في إلقائها في أخر حفل له في ربيع 1976 وإن كان بعض الجمهور الحاضرحول التشويش عليه مما تسبب في حزنه من تصرف القلة، وقارئة الفنجان عادة معروفة حتي يومنا الراهن خاصة في مصر، وتجد كثير من السيدات اللواتي يدعين قدرتهن علي قراءة ما يحويه الفنجان من طالع ومستقبل ويصدقهم الكثير من المصريين، وبخلاف الفنجان يوجد أيضا قراءة الودع أو "وشوشة الودع" وتقوم بهذه المهمة أيضا نسوة ينتمين الي مجتمع الغجر وهم فئة قليلة في مصر.

 أما قارئة فنجان عبد الحليم فهي السيدة السودانية  "مرجانة" التي صادفها يوما وتنبأت له بنجاحه وشهرته الي أن تقربت إليه وقرأت له فنجانه ذات يوم ولكن هذه المرة امتنعت عن الكلام خوفا علي مشاعره، وعندما ألح عليها في الكلام وقراءة ما به أفصحت له عن رحلة مرضه الشديدة وموته وعدم الاقتران بحب عمره.

 ورغم أن الحوار أحزنه للغاية إلا أنه أصر علي سرد ما جاء بالفنجان لصديقه نزار قباني خلال إحدى زياراته للندن وطلب منه كتابة قصيدة بهذا المعني يحكي فيه اقصة حبه الضائع، وكان نزارعلي علم بقصة حبه للفنانة سعاد حسني حيث يتردد أنه طلب منها الابتعاد عن عبدالحليم حتي لا تؤذيه باقترانه بها تجنبا لشرور أحدالمسؤولين النافذين في ذاك الوقت، وفعلا قيل عقب واقعة انتحار سعاد حسني أن هذا المسؤول الكبير كان وراء مقتلها في لندن وليس كما قيل انتحارا، عقب معرفته بفحوي مذكراتها التي أفضت بها الي أحد الصحفيين ولم تكن تعلم أنه  يتعامل مع الأجهزة الأمنية وقد أبلغهم فحوي مذكراتها.

غابت سعاد عن عبد الحليم ولكن الحب استمر ولم يستطع العندليب نسيانها للحظة، وكتب نزار القصيدة التي مرت ببعض المشكلات أدت في النهاية الي تغيير بضعة كلمات خشية أن يغضب هذا المسؤول الكبير،  ليخرج الشاعر الكبير بكلمات غاية في الروعة تعبر تماما عما يجيش في قلب عبدالحليم، يقول في مطلعها:"جلست والخوف بعينيها\ تتأمل فنجاني المقلوب \ قالت يا ولدي لاتحزن \ فالحب عليك هوالمكتوب \ يا ولدي قد مات شهيداً \ من مات فداء للمحبوب \ يا ولدي \ بصرت ونجمت كثيراً \ لكني لم أعرف أبداً فنجاناً يشبه فنجانك \ بصرت ونجمت كثيراً \ لكني لم أعرف أبداً أحزاناً تشبه أحزانك \ مقدورك أن تمضي أبداً في بحر الحب بغيرقلوع \ وتكون حياتك طول العمركتاب دموع \ مقدورك أن تبقى مسجوناً بين الماء وبين النار\ فبرغم جميع حرائقه\ وبرغم جميع سوابقه \ وبرغم الحزن الساكن فينا ليل نهار \ وبرغم الريح .. وبرغم الجو الماطر والإعصار \ الحب سيبقى ياولدي أحلى الأقدار يا ولدي".

لقد أبدع  نزار قباني في هذه المقدمة ليبدأ جوا خياليا ليعيش في هذا العالم الساحر، وهو عالم التنجيم والعرافة الذي يقتحمه أي إنسان رغبة في معرفة الغيب والإطلاع علي غده وما يكتبه له القدر من صراعات وخفايا، فعبد الحليم إنسان مثل كل البشر ويريد معرفة ما يخفيه مستقبله من مفاجآت..ونجد أن قارئة الفنجان في رواية وحبكة نزار قباني تتأمل الفنجان المقلوب وهو هنا يشير الي واقع حقيقي، ثم يتركه الي الخيال لتطالع الفنجان بريبة حيث استشعرت ما يخفيه طالع عبدالحليم بينما لم يكن صعبا عليهأن يقرأ القلق والخوف علي وجهها ليسألها أن تخبره بماتري، ولكنها رفضت في البداية وإن كانت حاولت لاحقا  أن تخبره بطالعه مع التخفيف عنه من وطأة ما تجيش به مشاعره ولكنها أخبرته  بألا يحزن لأن الحب سيلازمه طيلة حياته، رغم أن الموت حبا وعشقا هو مصيره المحتوم ، وأنه سيكون له  أجر الشهادة لأنه أحب وحافظ علي حبه فسيموت شهيدا.

ثم يتوالي الشاعر في سرد بقية الدراما والحبكة ليصور مزايا المرأة التي تقتحم حياة المطرب لترسم معالم كل حياته، فجمالها يفوق جمال  كل النساء، فعيناها ساحرة تحمل كل معاني الجمال، أما عنها كامرأة فهي ساحرة وفمها  مثل عناقيد العنب في حلاوته وطعمه وشفاها أشهى من العنب ذاته الذي يصنع منه أجود أنواع الخمور فما بالنا بروعة تلاقي الشفاه، ويستمر وصف المحبوبة الغائبة ليصل الشاعرالي ضحكتها العذبة التي تشبه الموسيقي الهادئة في أجمل نغماتها عذوبة ورقة وكأن لنغماتها عبق ورائحة الورود التي لا تغيب عن بشر، أما شعرها فيسترسل علي كتفيها طويلا، منسدلا ، منسابا في نعومة تزيد الرائي له رغبة في لمسه والشعور بنعومته، وإذاكان الشعر هو تاج المرأة فما بالنا بجمال امرأة يصل شعرها لكل الدنيا وفي هذا تشبيه علي أنها كائن غير موجود في دنيانا.. غير أنه رغم هذا الجمال الذي يتدفق من المحبوبة ويزيدها رقة وعذوبة  إلا أن طريق عبد الحليم  إليها مفروش بالأهوال والمخاطر فقلبه يهواها وهي تمثل له حياته ودنيته ولكنها تجعل سماءه  ممطرة وطريقه مسدود بلا نوافذ.. ويقول نزار في هذا المقطع:" بحياتك يا ولدي امرأة \ عيناها سبحان المعبود \ فمها مرسوم كالعنقود \ ضحكتها أنغام وورود\والشعر الغجري المجنون\يسافر في كل الدنيا \ قد تغدو امرأة يا ولدي يهواها القلب \ هي الدنيا \ لكن سماءك ممطرة\وطريقك مسدود مسدود".

ثم يواصل الشاعر سرد سبب  تحذير قارئة الفنجان من الاقتراب من تلك المحبوبة الملاك الطاهر، فالأميرة النائمة في مرقدها بقصرها المرصود صعب الوصول إليها لأن من يدخل حجرتها لن يخرج منها  أبدا وسيعيش سجينا، ومن يسعي لطلب يدها أو حتى يقترب من سور حديقتها فلن تكتب له النجاة، ومن يحاول أن يفك ضفائرها فمصير ضائع، فمفقود هو  من يقترب من تلك حبيبة القلب، فقصرها شاهق لن يستطيع تسلقه واقتحامه،وهالك من يرد الوصول إلى مرقدها.. ويقول نزار في هذاالمقطع:" فحبيبة قلبك ياولدي \ نائمة في قصرمرصود \ من يدخل حجرتها .. من يطلب يدها \ من يدنو من سور حديقتها .. من حاول فك ضفائرها \ يا ولدي مفقود .. مفقود".

لقد أسهبت قارئة الفنجان في تعداد صعوبات الوصول الي حبيبة القلب، فيبحث عنها في كل صوب وحدب بلا نتيجة حتي وإن بلغت به القوة ليعرف لغة البحار وأمواجه فلن يستدل علي مكانها وسيمر به الحال ليقترب من كل شطآن الدنيا بلا أمل حتي وإن جاب بحار العالم بحرا بحرا، الي أن تفيض الدموع أنهار ويتضخم الحزن في القلب والضلوع حتي يكون مثل الأشجار ليقف وحيدا في النهاية أو هكذا سيظل مهزوما مكسور الخاطر والقلب والوجدان ليعود وحيدا حتي نهاية العمر حيث يكتشف في نهاية أمره مع قرب رحيله عن عالمنا المحسوس أن حبيبة القلب مثل السراب أو خيط الدخان ليس لها مكانا سوي قلبه فهي بلا عنوان وسيعود في نهاية أمره مثل الملك المخلوع عن عرشه وصولجانه وحاشيته، فما أبدع من هذا من رحلة سراب وضياع  الأمل، ولهذا خافت"مرجانة" في البداية البوح بتفاصيل ما تقرأه في الفنجان حتي لا تعذب عبد الحليم وتجعله يعيش حالة الوهم والسراب والحب الضائع،  وهنا يصور نزار هذه الحالة كالأتي:" ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان \ وستسأل عنها موج البحروستسأل فيروزالشطآن \ وتجوب بحاراً وبحارا.. وتفيض دموعك أنهارا \ وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجارا \ وسترجع يوماً يا ولدي \ مهزوماً مكسورالوجدان \ وستعرف بعد رحيل العمر \ بأنك كنت تطارد خيط دخان \ فحبيبة قلبك ياولدي \ ليس لها أرض أو وطن أوعنوان \ ما أصعب أن تهوى امرأة يا ولدي \ليس لها عنوان \وترجعُ كالملكِ المخلوع".

في النهاية..لا نقول سوي أن "قارئة الفنجان" تمثل لوعة الحب حتي لو كان وهما أو ضائعا، فكانت مثالا رائعا لحالة مثالية من العشق والغرام والإبداع في تصوير هذه الحب الذي سيجعل صاحبه يبحث عن محبوبته في بقاع الدنيا وبحارها وشطآنها بلا أمل ليعود في النهاية متخليا عن حياته التي ضاعت فدى المحبوب ونعتبره في عداد الشهداء. إنها قصة عبد الحليم حافظ وسعاد حسني التي لم تكتمل كما كان يأمل العندليب.



أحمد المرشد
كاتب ومحلل سياسي بحريني

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads
ads