رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار

الاشراف والقبائل العربية

القبائل العربية وصناعة السياسة ..

الخميس 24/نوفمبر/2016 - 06:45 م
صدى العرب
طباعة
بقلم/ د.أحمد حسين النمكى

 

إن أحوال العرب في الجاهلية والإسلام تثبت أنهم صناع للسياسة ، ويمكن أن نستدل على صحة ذلك من الممالك التي أنشاؤها في بلاد اليمن وشمال الجزيرة العربية وشرقها ، فعلى الغم أن معظم العرب كانوا يعيشون في البادية في نظام قبلي بحت ، ولكن كانت القبيلة هي رمز الوحدة التي يربط بينها العصبية وصلات الدم ، ولكن في نهاية الأمر كانت القبيلة تخضع لدستور صارم صنعته التقاليد القبلية ، فالقبيلة كله متضامنة سلماً وحرباً ، وقد تقع المسئولية على شيخ القبيلة وزعيمها الذي له حق الطاعة على جميع أفراد القبيلة .

لم يكن للقبيلة أن تختار أي زعيم إلا أن تتوفر فيه شروط تجعله سيداً مطاعاً ، فهو أكثر أفراد القبيلة مسئولية ، ويعتبر من الغارمين الذين يتحملون الديات ويستقبلون الأضياف ويغيثون المحتاجين ويجير المستجيرين ، وهو في مقدمة الصفوف في حالة الحروب ، وفى ما إذا ضجرت القبيلة من شخص فيها كثير الخروج على قوانين القبيلة وأعرافها يطرد منها ويسمى خليعاً أو طريداً أو صعلوكاً ، وكانت هذه القوانين صارمة لا تقبل استثناء .

وإذا أخذ شيخ القبيلة قراراً وجب على القبيلة تنفيذه دون تردد ، وفى غالب الأمر لم يكن شيخ القبيلة ليأخذ قراراً أو يحكم حكماً مخالفاً لعرف القبيلة وتقاليدها ، على الرغم من وجود الطاعة العمياء التي يحظى بها شيخ القبيلة ، وإذا تمرد أحد أفراد القبيلة على حكم أو قرار لشيخ القبيلة وجب عليه أن يخلع نفسه من القبيلة امتثالاً لخلع القبيلة له ورفضه اجتماعياً ، فعليه أن يدع القبيلة ويهجرهاً هجراً تاماً ، فبعض العرب لا يقبل التقيد بقيود القبيلة وأحكامها ، لأن البدوي يعتز بحريته ومن ثم كان يتمرد على عادات وتقاليد القبيلة ، بل يعتبر الشعب العربي أقل الشعوب انقياداً للقيود والقوانين والأعراف .

إن من يدرس تاريخ العرب قبل الإسلام يجد أن البادية قد عرفت نظام الحكم والسياسة ولكن بصورة تتناسب مع حجم الممالك السياسية التي عرفتها الجزيرة العربية . وقد تطول الفترة أو تقصر من حيث القيام والنشأة والسقوط ، فقد قانت في أواسط الجزيرة العربية مملكة كنده (480 ـ 529م) وهى فترة قصيرة في قيام الممالك ، فسرعان ما انهزم ملوك كندة أمام اللخميين ـ ملوك الحيرة ـ ثم تفتت ملك الكنديين وعادت الحياة إلى القبلية مرة أخرى .

وقامت ممالك أخرى في الشمال : مثل مملكة الأنباط ومملكة تدمر ومملكة الحية وغسان ، وممالك اليمن .

أما ممالك اليمن فقد قامت على شريط ساحلي قريب من البحر الأحمر والمحيط الهندي ، وقد يتسع هذا الشريط أو يضيق ، ولكن صفوة القول أن تلك الممالك قد شهدت نظاماً سياسياً قل أن يعرف مثله في بلاد اليونان التي عرفت بالفلسفة والسياسة ، وقد عرفت ممالك اليمن نظاماً للحكم أرقى حالك من ممالك البادية ، وذلك لأن أهل اليمن كانوا أسرع في الوصول إلى أسس الحضارة كالزراعة والصناعة بخلاف أهل البادية . ومن أهم الممالك التي قامت في اليمن مملكة معين ومملكة قتبان ومملكة حمير ، وقد تكون المعلومات المتوفرة عن تلك الممالك قليلة ولكن الإشارات الدالة على معرفتها بالنظم السياسية والحضارية ، فقد كانت مملكة معين في أواخر الألف الثانية قبل الميلاد ، وظلت حتى قامت مملكة سباً ، كذلك كانت مملكة قتبان في الألف الأولى قبل الميلاد ، وقد ورثتها مملكة سبأ التي زالت في القرن السابع قبل الميلاد .

إن تلك التواريخ لهى شاهد صدق على أن العرب قد كانوا أسرع من بلاد اليونان معرفة بقوانين وأحكام الملك والسياسة ، وكانت القوى العظمى في ذلك الوقت ( الفرس والروم) تتسابق على استعمار تلك البلاد والسيطرة عليها ـ كما هو الحال الآن ـ وسلب خيراتها وحاصلاتها ، كانت الفرصة مواتية في حالات الضعف السياسي لتلك الممالك .

كان عرب الشمال قد عرفوا النظم السياسية ، فقامت ممالك هامة مثل مملكة الأنباط ومملكة تدمر ومملكة الحيرة وغسان ، فقد بلغت مملكة الأنباط غاية اتساعها في القرن الأول للميلاد وامتدت حتى بلغت في الجنوب مدائن صالح (الحجر) في شمال الحجاز ، وكانت تواريخ تلك الممالك تتدارسها بلاد اليونان وعلمائها ، فكان اليونانيون يطلقون على إمارة تدمر العربية باسم (بالميرا) وهى ترجع إلى أقدم العصور ولا يعرف متى وصلت إليها أقدام العرب ، وهناك بعض الآثار التي تدل على وجود صلات سياسية قديمة بين تدمر والرومان ودخلت في حروب دامية مع الفرس بسبب تلك العلاقة السياسية .

وقد أثبتت الشواهد الأثرية أن حضارة تدمر كانت مزيجاً من اليونانية والسريانية والفرثية .

وفى بلاد الحجاز وهى مهبط الإسلام ونزول الوحي كانت مكة والمدينة قد عرفت نظام دولة المدينة ، فقد كان عبد المطلب شيخ قريش وزعيمها ، وعرفت قريش دار الندوة وهو بمثابة مجلس الشيوخ الذي يتحاكم فيه إلى كبار قريش وزعمائها سواء كانوا غرباء أو من أبناء قريش ، وكانت المدينة قد أوشكت أن تنصب عليها ملكاً وهو عبد الله بن أبى بن سلول مما يدل على أنهم استقروا على معرفة النظام السياسي في دولة المدينة بصورة قد لا ترقى إلى الممالك سالفة الذكر ولكنها في خطواتها الموصلة إلى النهوض بمملكة عريقة كبقية الممالك الأخرى إلى أن جاء الإسلام وقفز بتلك البلاد قفزة تصل إلى حد الطفرة أو الوثبة الفتية التي صنعت نظماً سياسية وحضارية على أسس إسلامية .

إن العرب لم يكونوا رعاة غنم وبقر أو رجال بداوة وصحراء وحسب بمعنى أنهم كانوا بعيدين عن النظم والحضارة كما يتوهم البعض بل العربي يتنفس سياسة منذ نشأته ، ولكن تلك السياسة وتلك النظم كانت في حاجة إلى ضبط إلى السلوك الحضاري والسياسي ، فكان الإسلام هو الصانع الأول للسياسة العربية في صورتها التي أدهشت المؤرخين ، بيد أن أسلوب التقليل من شأن العرب والحط من قدرهم الذي سطرته أيدي الزمن والنقوش الأثرية التي علمت   العالم ، فالعرب صناع الحضارات والنظم ولكنهم كما يقول ابن خلدون أسرع الشعوب ميلاً إلى التخريب لذلك قال مقولته الخاطئة " أينما يكون التعريب يكون التخريب " .


إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر