اقتصاد
"أموال قذرة في ثوب رقمي".. خبير اقتصادي يحذر من تغوّل غسل الأموال الإلكتروني
الإثنين 11/أغسطس/2025 - 07:12 م

طباعة
sada-elarab.com/774083
عبد الوهاب يحذر: غسيل الأموال يتطوّر ويهدد الاقتصاد العالمي بأساليب رقمية معقّدة
خبير اقتصادي: 5 تريليونات دولار يتم غسيلها سنويا على مستوى العالم.. والعملات المشفرة أبرز وسائلها
خبير: يستخدم شراء العقار في 30% من عمليات غسيل الأموال على مستوى العالم
عبد الوهاب: 90 مليار دولار سنويًا الخسائر الناتجة عن التدفقات المالية غير المشروعة في أفريقيا
خير اقتصادي: 8 دول الأكثر تورطًا في غسل الأموال .. وأمريكا وروسيا والصين مفاجأة
حذّر الدكتور محمد عبد الوهاب، المحلل الاقتصادي والمستشار المالي، من تصاعد وتيرة استخدام التكنولوجيا الحديثة، وتطبيقات الدردشة ومنصات التواصل الاجتماعي، في تسهيل وتنفيذ عمليات غسيل الأموال على مستوى العالم، معتبرًا أنها أصبحت تمثل أحد أبرز التحديات المعاصرة أمام الأنظمة المالية الدولية وجهود مكافحة الجريمة المنظمة.
وقال الدكتور عبد الوهاب في تصريحات صحفية اليوم إن الأدوات الرقمية، التي صُممت في الأصل لتعزيز التواصل وتسهيل المعاملات، أصبحت تُستغل بشكل متزايد من قبل شبكات غسيل الأموال، التي تطوّرت أساليبها لتتماشى مع التقدم التقني، لافتًا إلى أن تطبيقات مثل "تيك توك"، "إنستغرام"، "تليجرام"، و"سناب شات" أصبحت بيئات خصبة لتحويل الأموال المشبوهة تحت غطاء إيرادات رقمية مشروعة، مثل الهدايا الرقمية، أو الترويج لمحتوى غير حقيقي.
وأشار عبد الوهاب، إلى أن المجرمين باتوا يستخدمون هذه المنصات لخلق واجهات زائفة لأعمال تجارية أو حملات ترويجية مدفوعة، يتم من خلالها ضخ الأموال القذرة في الاقتصاد الرسمي على شكل إيرادات إعلانية أو مدفوعات رقمية.
وأضاف أن التطبيقات المشفرة مثل "واتساب" و"سيغنال" تُستخدم لتنسيق التحويلات والعمليات في سرية تامة، بما يُصعّب مهمة تعقب مصادر الأموال، ويمنح هذه الشبكات قدرة هائلة على التخفي في الفضاء الرقمي.
أرقام عالمية صادمة
أوضح الدكتور عبد الوهاب أن تقارير صادرة عن الأمم المتحدة واتحاد المصارف العربية ومؤسسة "تشين أناليسيس" (Chainalysis)، تُظهر أن حجم الأموال المغسولة عالميًا يتراوح سنويًا ما بين 3 إلى 5 تريليون دولار، أي ما يعادل 3-5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وهو ما يعكس اتساع الفجوة بين تطور الجريمة المالية والقدرات التنظيمية للدول، حتى تلك التي تمتلك أنظمة رقابة متقدمة.
وأضاف أن العملات المشفرة باتت أحد أبرز الوسائل المستخدمة في إخفاء وتتبع مصدر الأموال، حيث ارتفع حجم الأموال المغسولة عبرها من 1 مليار دولار عام 2018 إلى 40.9 مليار دولار بنهاية عام 2024 وفقا لتقاريرشركة بيانات سلسلة الكتل "تشين أناليسيس".
وأوضح عبد الوهاب أن عام 2025 شهد تصاعدًا ملحوظًا في عدد حالات غسل الأموال على المستوى العالمي، خاصة مع ارتفاع كبير في غسل الأموال الرقمي، مشيراً إلى أن العملات المشفرة باتت تُستخدم على نطاق واسع لتضليل السلطات، حيث تمثل معاملات مشفّرة غير قابلة للتعقب، وأن أكثر من 50% من حالات غسل الأموال تُنفذ عبر هياكل مؤسسية معقدة، كما يُستخدم العقار في 30% منها، بحسب تقارير متخصصة.
وتابع عبد الوهاب: إنه في إفريقيا وحدها، تُقدّر الخسائر الناتجة عن التدفقات المالية غير المشروعة بنحو 90 مليار دولار سنويًا، وهو ما يعادل 3.7% من الناتج الاقتصادي للقارة، بحسب بيانات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا.
وأشار الدكتور عبد الوهاب إلى أن من أبرز الأساليب المستخدمة حاليًا في غسيل الأموال:
استخدام شركات وهمية أو واجهات أعمال زائفة، حيث تُستخدم كيانات قانونية تبدو رسمية لإخفاء تدفقات الأموال المشبوهة.
غسل الأموال القائم على التجارة الدولية (TBML)، وهي طريقة تعتمد على تضخيم أو تقليل فواتير الصادرات والواردات لتهريب الأموال عبر الحدود تحت غطاء التجارة.
شراء العقارات في أسواق غير منظمة، خاصة في الدول التي تفتقر إلى آليات رقابة صارمة على المعاملات العقارية، مما يجعلها ملاذًا لغسل الأموال.
تهريب الأموال نقدًا عبر الحدود، وهي طريقة تقليدية لا تزال شائعة في بعض المناطق، رغم ما تنطوي عليه من مخاطر.
استخدام المعاملات الرقمية والتمويل اللامركزي (DeFi)، وهو اتجاه حديث يستغل التكنولوجيا المالية، حيث يصعب تتبع العمليات التي تتم عبر منصات غير خاضعة للرقابة الرسمية.
الدول الأكثر تورطًا في غسل الأموال
وفيما يتعلق بالدول المتضررة أو المتورطة في عمليات غسل الأموال، استند الدكتور عبد الوهاب إلى مؤشر بازل لمكافحة غسل الأموال لعام 2025، مشيرًا إلى أن بعض الدول تُصنّف على أنها الأعلى في مستوى المخاطر، ومنها: هايتي، تشاد، ميانمار، جمهورية الكونغو الديمقراطية، موزمبيق، غينيا بيساو، الجابون، وفنزويلا، وتتميز هذه الدول بضعف هياكلها الرقابية وغياب الشفافية المالية، ما يجعلها بيئة خصبة للأنشطة غير المشروعة.
اقتصادات كبرى تحت المجهر
ولفت الدكتور عبد الوهاب الانتباه إلى أن بعض الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، روسيا، والمكسيك، تُسجّل أيضًا معدلات مرتفعة من حالات غسل الأموال، موضحًا أن كِبر حجم الاقتصاد وتعقيد الأنظمة المالية يمنح المجرمين فرصًا أكبر لإخفاء الأموال غير المشروعة.
وأكد أن هذه الدول، رغم امتلاكها مؤسسات رقابية قوية، إلا أن الحجم الهائل للمعاملات المالية يجعل عملية المتابعة والكشف عن الأنشطة المشبوهة أكثر صعوبة.
الشرق الأوسط بين التحديات والمراقبة الدولية
أما في منطقة الشرق الأوسط، فقد ذكر الدكتور عبد الوهاب مثالين يعكسان التباين في الرقابة بين الدول، مشيرًا إلى أن موريتانيا سبق أن احتلت المرتبة الـ13 عالميًا من حيث مخاطر غسل الأموال، ما يعكس ضعف أنظمتها الرقابية، في المقابل، الإمارات، التي تُعد مركزًا ماليًا إقليميًا، تواجه ضغوطًا دولية متزايدة لتشديد إجراءات مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة، في ظل تنامي استخدام منصاتها في تحويل الأموال عبر الحدود.
التكنولوجيا سلاح ذو حدين
وأكد عبد الوهاب أن التكنولوجيا الحديثة، رغم كونها أداة للنمو والابتكار، فإنها أصبحت أيضًا أداة خطرة في يد شبكات الجريمة، مشيرًا إلى ضرورة الاستفادة من تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين في تتبع حركة الأموال وكشف الأنماط غير المشروعة.
وأكد الدكتور عبد الوهاب أن مكافحة غسيل الأموال عبر المنصات الرقمية تتطلب تحركًا تشريعيًا عاجلًا، وتطوير سياسات مرنة تواكب التغيرات التقنية المتسارعة.
كما دعا إلى رفع الوعي المجتمعي، خاصة بين الشباب، بمخاطر المحتوى الرقمي المضلل والمشاركة في أنشطة مالية مشبوهة تحت مظلة "المؤثرين".
المواجهة والتشريعات
وأكد عبد الوهاب أن الحكومات بدأت تتخذ خطوات جادة، فقد شهد عام 2024 أعلى مستوى من العقوبات المالية على المؤسسات المتورطة في غسيل الأموال، خاصة في الولايات المتحدة، حيث فُرضت غرامات بمليارات الدولارات على بنوك ومؤسسات مالية، مما يعكس تحركًا تنظيميًا أقوى.
واختتم الدكتور عبد الوهاب تصريحه بالتأكيد على ضرورة تعزيز التعاون الدولي وتحديث القوانين والأنظمة الرقابية، لمواجهة الأساليب الجديدة التي يستخدمها ممارسو غسل الأموال، خاصة في ظل التوسع الكبير في استخدام التكنولوجيا المالية حول العالم.