طباعة
sada-elarab.com/714275
"المحامون هم رواة القصص" مقولة شهيرة لديفيد بالداتشي، المحامي الشهير والكاتب الروائي الأمريكي، الذي حققت رواياته مبيعات تعدت 110 ملايين نسخة وتُرجمت إلى 45 لغة.
جاءت هذه المقولة لمفكر عميق يروي بها للعالم ما يراه المحامون والقانونيون بشكل عام، بسبب النزاعات والمشكلات العديدة التي تُعرض عليهم طيلة حياتهم، سواء كانت مدنية أو جنائية.
فالمحامون ليسوا رواة قصص فقط، بل هم أبطالها، والشهود عليها، والخصوم الشرفاء بفكرهم السوي.
ولم يشهد للمحامين هذه المقولة فقط، بل شهدت سيناريوهات الأفلام والمسلسلات، والعديد من الكتب الأدبية والسياسية، ومقالات الرأي التي روت تجاربهم في الخوض بين تنافض الأفكار ووجهات النظر المختلفة التي يتنازع فيها كل الأطراف لتطبيق صحيح القانون والمنطق.
وذكر أستاذنا الفقيه الراحل رجائي عطية -رحمه الله- نقيب المحامين المصريين، في إحدى مقالاته المنشورة في موقع نقابة المحامين المصرية (بتاريخ 22 إبريل 2020)، أبرز المحامين الذين لزموا السير في طريق الكتابة، وأثروا المكتبة العربية بفكرهم المستنير، فقال: "الأدب والمحاماة قرينان لا يفترقان، المحاماة أدب، والأدب محاماة، وحفل تاريخ المحاماة بعمالقة في الأدب، أحمد لطفى السيد أستاذ الجيل، وسعد زغلول، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وعبد العزيز فهمى، ومكرم عبيد، والدكتور محمد حسين هيكل، وقاسم أمين، وتوفيق الحكيم، ومصطفى مرعى، ويحيى حقي، وفكري أباظة، ومحمد التابعي، ومحمد عبد الله محمد، ومحمد مندور، وإحسان عبد القدوس، وأحمد حسين، وعبد الرحمن الرافعي، وفتحي رضوان، وموسى صبري، وعزيز خانكي، وجميل خانكي، ومحمد علي علوبة، وأمين الجميل، وغيرهم كثير من حبات العقد الفريد الذي اجتمع فيه الأدب والمحاماة".
وما شد وجداني ورود اسم "سعد زغلول"، زعيم الأمة، وحامي الاستقلال ضمن من أثّروا في الحياة الثقافية بسبب ارتباطهم بالمحاماة التى عمل بها منذ عام 1882 تقريبًا، فالقصة الكبرى التي رواها سعد، أحداث 1919، التي علّمت العالم كيف تستقل وتحارب من أجل الوطن.
وعقدت اللجنة الثقافية باتحاد الكتاب، في ديسمبر الماضي، ندوة وحلقة نقاشية بعنوان (دور المحاماة في إثراء الحياة الثقافية)، بحضور أعضاء اللجنة الثقافية، الدكتورة منى ماهر، والمستشار محمد عبد العال، والكاتب فتحي سليمان، ومناقشة كلٍ من وليد السيد وكيل نقابة محامي شمال القاهرة ممثلًا لنقيب محامي شمال القاهرة، والدكتور محمد مؤمن أستاذ القانون المدني بجامعة القاهرة، والدكتور أحمد اللويزي المحامى.
وأشار الكاتب شريف عارف، المؤرخ والباحث المتخصص في الوثائقيات، عضو اللجنة الثقافية باتحاد الكتاب، إلى أنه لولا الخلفية القانونية لسعد زغلول واشتغاله بالمحاماة، ما كانت ثورة 1919 وصلت إلى ما وصلت إليه.
وقال الكاتب الكبير عباس محمود العقاد في كتابه الذي يحمل عنوان "سعد زغلول سيرة وتحية" الصادر عام 1936: "ولقد كان اشتغاله بالوقائع المصرية -يقصد هنا سعد زغلول- مرحلة أخرى ذات شأن عظيم في تاريخ حياته كله، لأن العمل فيها لم يقتصر على تصحيح العبارات وكتابة المقالات الأدبية، بل تناولت نقد أحكام المجالس الملغاة وتلخيصها والتعقيب عليها، فتفتحت أمام سعد أبواب الدفاع القانوني والدراسة القانونية وأبواب الدفاع السياسي والأعمال السياسية، وهي الوجهة التي صمد عليها بقية حياته، وتم عليها تكوينه وتثبيت مواهب عقله، ولم يلبث على الاشتغال بها غير قليل حتى ظهرت كفاءته في نقد الأحكام، وفهم مباحث القانون".
ويظهر مما قاله أن الأدب والكتابة بشكل عام، والقانون بشكل خاص، في تلاحم وازدواج ذي وجه واحد لا ينفصلان، فلولا الأدب ما كان وصل للمحاماة والغوص في القانون، ولولا المحاماة ما كان دخل في السياسة والنضال الشعبي.
ولخّص العقاد هذه المسيرة في قوله: "وهي الوجهة التي صمد عليها بقية حياته"، فلولا القانون واشتغاله بالمحاماة ما كان تمسك بالدفاع والمطالبة بالحقوق التي حارب بها العدوان والاحتلال الغاشم.