رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
أحمد المرشد

أحمد المرشد

مخاطر تداعيات المشهد العربي الراهن .. بين الأزمات والنكبات!!

الجمعة 04/مايو/2018 - 07:07 م
طباعة
 
لم أتطرق الي الشأن العربي منذ فترة طويلة، ربما لأن الأحداث كانت متلاحقة وكثيرة ولم تمنح للراصد الفرصة أو الوقت الكافي للتحليل والمناقشة وفقا لمقتضيات الضرورة، فأينما نولى أنظارنا فى منطقتنا العربية أو محيطنا الأكبر علي مستوي الشرق الأوسط، لا نجد سوي هما وغما اللهم إلا الجولة الأمريكية والدولية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والتي كرس فيها مفهوم الدولة الوطنية لبلاده أولا ثم لمنطقة الخليج، وهو ما سنشير إليه لاحقا..وربما يكون الأمر الحميد الثاني هو بعض التوافق العربي الذي أظهرته فاعليات القمة العربية الأخيرة في الدمام. ومبعث تفاؤلي هذا هو بيان القمة الختامي ولهجته الحادة التي خاطب بها كل طرف إقليمي تسول له نفسه الرغبة في التدخل في شؤوننا الداخلية.
 ولكن – وآه من لكن – لا يدعو بقية المشهد العربي سوي للحزن، فمن سوريا الي  العراق مرورا باليمن وحتي نذهب الي ليبيا،  فنجد نفس المخاطر التي تتعرض لها بعض دولنا العربية، فهذه الدول مجتمعة تتعرض لخطر التقسيم وانتشار التنظيمات الإرهابية والكيانات الطائفية، التى تبتذل الإيمان الدينى والتنوع الثقافى لتصادر الآفاق الرحبة للتعاون والتسامح والإثراء الثقافي، لمصلحة خيالها المريض. لماذا هو خيال مريض؟.. لأن هذا الخيال يعادي الحضارة الإنسانية حتي منذ قبل أحداث الربيع العربي، ويختزل العلاقة بين البشر فى صورة الصراع، وللأسف صراعا دمويا أهدر مئات الآلاف من أرواح الأبرياء. ويأتي كل هذا في مباراة صفرية لتكون النتيجة الحتمية لهذا الصراع الخسارة الأكيدة، حيث ابتعدنا تماما عن تلك المباريات التي تخرج بنتيجة "فائز\فائز"، ويا ليت قادة هذه الدولة نشطت مثل هذه المباريات التي تنتهي بفوز جميع الأطراف، لكنا تجنبنا خسارة الأوطان.
وربما الأمر لا يخلو من بارقة أمل في محيطنا الخليجي، وهذا يدفعني للحديث عن جولة الأمير محمد بن سلمان الأمريكية والغربية، والتي ركزت علي الدفاع عن الدولة الوطنية، هذا المفهوم الغائب نوعا عن بعض الدول العربية. فولي العهد السعودي رسخ المشروع الجديد لبلاده والمراد تقديمها – أي السعودية - كدولة وطنية آخذة بالنموذج المفترض للدولة فى النظام الدولى. ويخدم هذا المشروع السعودى  منطقة الخليج علي  المستوى الإقليمى أولا ثم الشرق الأوسط ثانيا، وهو يكرس مفهوم المصلحة الوطنية السعودية  سياسيا واقتصاديا وحمايته. وقد أحسن  ولي العهد السعودي صنعا عندما قدم الصراع في منطقتنا  لمضيفيه في أمريكا وأوروبا، علي أنه صراع قوي إقليمية وليس دينيا كما تريد إيران تصويره أو صورته بالفعل. فالمملكة السعودية لم تتعرض للطائفية الدينية طوال تاريخها، فالكل هناك يعيش المواطنة الحقيقية، وبالتالي لا تستطيع دولة مثل إيران تصوير الصراع مع السعودية كصراع مذهبي، لأن الحقيقة التي أبلغتها الرياض لجميع العواصم التي زارها ولي العهد هو أن الصراع يرتبط باستغلال إيران لنفوذ بعض الأطراف الموالية لها  في العراق وسوريا ولبنان واليمن. فإيران تتعدي حدودها لتكريس هدفها الأساسي المتمثل في تصدير الثورة الإسلامية الي بقية الدول العربية خاصة التي تدعي طهران أنها منقسمة بين المذاهب المختلفة. فالمواجهة إذن هي مواجهة للشرور الإيرانية، وللأسف لم تكن إيران وحدها في مضمار  التدخلات في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية مؤخرا، إذ انضمت إليها تركيا التي احتلت بعض الأراضي السورية مستغلة غياب سلطة دمشق عن مناطق كثيرة في سوريا بسبب الحرب الأهلية المقيتة الدائرة هناك.
أما عن دواعي القلق في منطقتنا، هو استمرار إيران وتركيا في التعدي علي سيادة دول عربية بصورة سافرة، فإيران تفرض أيديولوجيتها، الأمر الذي تعرض له ولي العهد السعودي في شتي كلماته خلال زيارته المطولة للولايات المتحدة وجولته الأوروبية، إذ أوضح بالأدلة القاطعة ما تمثله إيران من تهديد للعالم أجمع.
وعلي المستوي العراقي، فثمة قضية خطيرة تتمثل في الضغوط المكثفة لدفع قوات التحالف علي الانسحاب من العراق، فالتحالف لم يزل يقدم العون الحاسم للعراق في حربه غير المنتهية ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، حتي إن الحكومة العراقية نفسها أعلنت أنها اضطرت لإعادة نشر قواتها في مناطق سبق وحررتها من سيطرة "داعش" في ديالى وكركوك والأنبار، بعد استئناف التنظيم الإرهابي نشاطاته المسلحة ومهاجمة مواقع عسكرية وأمنية وقتل عناصرها، ناهيك عن بث مقاطع فيديو لعملية القتل بالأسلوب الترويعي المألوف للتنظيم المتطرف. ويشتد الخطر في تحذير رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي من  استمرار الخطر الذي يمثله "داعش"، ويدعو  جميع العراقيين للتكاتف من أجل عدم تكرار كارثة الانهيار العسكري والأمني وسقوط المحافظات،  علي غرار ما حدث في يونيو 2014 عندما سيطر "داعش" علي ثلث مساحة العراق وبسط سيطرته عليها تماما، وأقام فيها "دولة الخلافة" المزعومة التي احتاج القضاء عليها إلى حرب مكلفة جدا استمرت ثلاث سنوات. ثم في ظل هذه الأجواء الصعبة، تتصاعد نداءات داخل العراق تنادي بضرورة إنهاء وجود (التحالف الدولي) في العراق، بل التهديد بشن هجمات مسلحة عليها في حال عدم الانسحاب، الأمر الذي يدعو للتساؤل والتعجب في آن!
ولكن يزول الاستغراب إذا علمنا أن أصحاب الدعوة الخبيثة هم أطراف سياسية  حليفة لإيران. ونستعجب أكثر إذا علمنا أن دعوتهم أعقبت إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب بلاده من اتفاق إيران النووي،  وتهديده بفرض عقوبات جديدة على طهران في حال رفضها مطالب واشنطن التي تتّهمها بدعم الإرهاب الدولي.
أما عن الموقف في سوريا، فهو ليس بأقل خطورة من العراق، وإن كانت المساحة لا تسمح بالاستفاضة في شرح الملابسات، فقد أصبحت سوريا مرتعا للتدخلات الدولية والإقليمية، فمن روسيا لإيران الي تركيا التي انتزعت منطقة بين حلب وجرابلس في نهاية 2016بالتزامن مع دخول قوات الحكومة السورية إلى شرق حلب، وذلك بضوء أخضر من الجيش الروسي لنظيره التركي للقيام بعملية "درع الفرات". ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية أوائل أبريل الماضي، فإن طموح تركيا كان تأسيس جيب يمنع التوصل بين إقليمين كرديين شرق نهر الفرات وإقليم عفرين، علي أن تسيطر القوات التركية على 5 آلاف كيلومتر مربع، أي نصف مساحة لبنان تقريبا، لكن موسكو لم تسمح آنذاك إلا بنحو 2100 كيلومتر مربع.
وفي بداية العام الجاري، لم تتوان  موسكو في منح الأتراك ضوءا أخضر للمرة الثانية لشن عملية "غضن الزيتون" بهدف الوصول إلى مدينة عفرين، بما يخدم طموح تركيا بمنع وصول الأكراد إلى البحر المتوسط. ولذلك، سيطر الجيش التركي على عفرين بالتزامن مع دخول قوات الحكومة السورية إلى جنوب غوطة دمشق، فيما أجريت مفاوضات للاتفاق على ترتيبات الانتشار التركي بالتزامن مع قيام دورية تركية باستطلاع شمال حماة وجنوب إدلب بعمق 200 كيلومتر من حدود تركيا.
هذا الوجود التركي في عفرين لم يكن أمرا مؤقتا بل موقفا استيطانيا، حيث ربطت تركيا المناطق التي تحت سيطرتها بالنظام الاقتصادي والإداري والخدمي التركي، ولعل أخطرها تعليم التاريخ التركي في هذه المناطق السورية. كما افتتحت أنقره معبر يربط عفرين بتركيا، وأرسلت فرق لترميم سدود ومدارس وتوفير خدمات بالمدينة، ناهيك عن تأسيس مجلس محلي في عفرين.
ومن يرصد الخريطة السورية في وقتنا الراهن، يتأكد من  أن الأطراف الخارجية باتت ترسم مناطق النفوذ الجغرافي بالدم والسلاح وبتفاهمات بين روسيا وإيران وتركيا. ويتضح هذا جليا إذا علمنا أن الحكومة السورية تسيطر على نصف مساحة سوريا، مقابل ثلثها لحلفاء أمريكا، وتتقاسم المعارضة وتركيا الـ20% المتبقية من مساحة سوريا. وهذا الأمر يدعو بلا شك  للقلق من أن يتحول هذا الوضع المؤقت إلى دائم بفعل الأمر الواقع وتراجع القدرة العسكرية والاقتصادية السورية للسيطرة على كامل الأراضي السورية البالغة 185 ألف كيلومتر مربع، من دون دعم كامل لتنظيمات إيرانية أو تدخل بري روسي قوامه 100 ألف جندي. وقد حذر المبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي ميستورا، من كارثة تقسيم سوريا وأن تبقي مثل "الرجل المريض"، موحدة في الخرائط  القديمة فقط. وحسب تصريحات لميستورا في معهد الدراسات العليا في جنيف قبل فترة: الحقيقة هي أن التقسيم الهادئ وطويل المدى لسوريا، الذي نشهده في اللحظة الراهنة في مناطق سيطرة مختلفة، سيكون كارثة ليس فقط على سوريا بل على المنطقة بأكملها"..وحذر من عودة "داعش" الي الأراضي السورية بقوة إذا استمر غياب ما أسماه "حل سياسي لا يقصي أحدا"، بما يشمل من تم استبعادهم، وتحديدا الأغلبية السنة.
إجمالا.. ندرك أن التحديات التي تواجه الوطن عربي جسيمة، ويتوقف مواجهتها وتجاوز تداعياتها الخطيرة علي العمل العربي الصادق، هذا من أجل وقف التدخلات والأطماع الإقليمية والخارجية. و يحدونا بعض الأمل في تحقيق هذا المبتغي، إذا توصلنا لإستراتيجية شاملة للأمن القومى العربي، لنواجه بها التهديدات الوجودية التى تتعرض لها المنطقة، وإعادة تأسيس العلاقة مع دول الجوار العربى على قواعد واضحة، تقوم علي  احترام استقلال وسيادة وعروبة الدول العربية، والامتناع عن أى تدخل فى شؤونها الداخلية. كما يحدونا الأمل في يعود كل من ساهم في خراب ودمار سوريا والعراق واليمن وليبيا الي جادة الصواب والتوقف عن تدمير وتخريب الأوطان وتشريد الشعوب.

احمد المرشد
كاتب ومحلل سياسي بحريني

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads
ads