رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
أحمد المرشد

أحمد المرشد

حديث عن الحب والهجران

الجمعة 18/أغسطس/2017 - 03:10 م
طباعة

 في جلسة فلسفية، مع الاصدقاء أو هكذا تخيلناها جلسة صفاء ذهني، أعيد وأكرر "صفاء ذهني" وليس "عصف ذهني" حتي لا تتداخل المفاهيم، فالصفاء بعيد تماما عن العصف، رغم التشابه في الحروف تقريبا، ولكن الصفاء الذهني غاية يتمني الكثير بلوغها، في حين أن " العصف" وسيلة وربما لا تفيد في الأمر شيء سوي الصداع  والإرهاق، وأحيانا يكون المرء في غني  عن التفكير، أو يكون مزاجه النفسي غير مؤهل في التفكير فيما هو عاصف، وأن كل ما يريده أن ينعم بساعة صفاء، وهكذا كان وصف حالتنا في جلستنا التي سأكشف فحواها.


في البداية، بادر أحد الأصدقاء بسؤالنا جميعا، أقول جميعا لأنه لم يحدد أحدا معينا للإجابة، وكأنه يريد منا المشاركة في الإجابة كل بمعرفته وخبرته المتراكمة علي مر السنوات، وكان شرطنا ألا نسمح لأنفسنا بالتطرق الي عالم السياسة والاقتصاد وأن نكتفي بتبادل الأحاديث عن موضوعات تقترب من أحاسيس الإنسان، حلوها ومرها، قديمها وحديثها، ولم نحدد طبيعة هذه الأحاسيس وتركنا الأمور علي سجيتها، ليمر الوقت وقد تمكنت رغم تشتت المناقشات أحيانا، من الإلمام ببعض مما سأكتبه.


أعود لسؤال صديقنا، وكان مباغتا، فجميعنا لم نتوقع منه أن يتألم هكذا لأنه باغتنا بما سيرويه، ربما لأنه أصلا إنسان تميل شخصيته الي المرح ويتمتع بحس فكاهي عالي وخفة روح وسرعة بديهة، وهو غالبا ما يحول جلساتنا إذا كانت غما الي ضحك وسرور.. استغربنا جميعا، فما حكايته الليلة نراه متجهما، شاردا، يكاد يكون خارج عالمنا وهو الجالس معنا بجسده فقط، إلي أن حانت له الفرصة ليسألنا جميعا: تدرون  متى يموت الشخص منا وهو حي؟


أصابني سؤال الصديق بذهول في البداية، رغم أنني كنت أعلم بعضا من ظروفه التي دفعته للشرود، ولكني لم اتوقع مضمون ما قاله، لأنه  صعب عليه أن يكون السؤال عنه هو وقد ألقاه علينا بصيغة الغائب ولكنه يقصد حاله. أتراه يتألم من موقف ما جعله يشعر وكأنه ميت!! لا  أدري بالضبط، ولكني أصبت في اجابتي وكنت أول من  بادر بالرد عليه لعله يهدأ ويرضي بما سأقوله، فقلت له ولجميع الأصدقاء :" ربما نموت ونحن أحياء عندما نتعرض لغدر أعز الناس لقلوبنا".


ولا أدري لماذا ركزت بصري علي صديقنا وأنا أتكلم عن رأيي، ولم ألتفت للآخرين، وهنا أدركت أنني قد أصبت كبد الحقيقة، أو علي الأقل تجولت بداخله واستكشفت ما يدور في نفسيته من محن وآلام. وفي لحظة، حاول أن يبعد بصره عني، ولكني عاودت التركيز علي  ملامح وجهه، كي اتبين هل هو غاضب أم لا؟  حزين؟ يشعر باكتئاب؟..

أجابتي جرت وراءها أقوال وتعليقات كثيرة، رغم أن معظمها لم يخرج عما ذكرته توا، مثل "يوم يجرحك صديق لكي يشرح صدور الحضور..يوم يخونك شخص وهو الذي كان مثالا للوفاء لك.. يوم يتخلي عنك أخوك عندما تحتاجه ويكون طلبك عنده..يوم يتغير وضعك الوظيفي لتتأكد أن الجميع تقرب منك من أجل مصلحته فقط لا غير..يوم  تشعر إنك يتيم وأنت بين أهلك وأحبابك..يوم تحتاج لمساعدة شخص ولكن الكل يتخلي عنك بدلا من الوقوف بجانبك كما فعلت معهم طوال عمرك".


ربما أكون أجملت معظم ما قيل من ردود، وربما تركزت في عدم الوفاء، وانعدام الثقة ولكني رأيت من واجبي أن أزيد من البيت شعرا خلال تلك الدردشة، وقلت أننا ربما نشعر بالموت يوم يُغيب الموت عنا أقرب الناس لنا وكنا نود لو رأيناه لمجرد لحظة، حتي لا نشعر بالندم مدي الحياة لعدم رؤيته وقد كان بإمكاننا ذلك، وهنا لا يعني الموت أن ندفن في الالحاد، ولكننا سنعيش وكأننا هؤلاء، صم، بكم، عمي، بلا روح.


 لا تتخيلوا أن الحديث انتهي أو توصلنا لنتائج للحوار، لا..لأن صديقنا صاحب السؤال الرئيسي في الجلسة باغتنا برواية لم نكن نعلمها عنه، حيث سرد لنا قصته المؤلمة، وهي حقا مؤلمة وأشعرتنا بالحزن من أجله وتمنينا لو أمدنا المولي عز وجل بروح إيجابية إضافية لنمحو عنه الأحزان والاكتئاب. فصديقنا مر بقصة حب ناقصة ولم تكتمل أركانها، وربما كانت هي  سبب أحزانه لأنه ترك لنفسه المجال  بالوقوع في الحب في وقت هو نفسه غير مهيأ للحب فيه عاطفيا واجتماعيا ونفسيا وماليا. ولكنه ترك لقلبه وعواطفه العنان لتجربة خرج منها وكأنه ميت.


لقد شعر صديقنا بأن الحياة ظلمته وبخلت عليه بالسعادة والحب لأنه لم يجن حبا بحب..شعر بأن ما مر به من ظروف مؤخرا تدفعه دفعا الي العيش تحت الأرض، فالجحيم الذي يعيشه حاليا جعله كالأموات، يطلع عليه نهار كل يوم بصعوبة ويتخيل نفسه في مصحة نفسية من كثرة آلامه وهمومه، في حين أن المصحة ليست في الغالب العلاج الناجع لمثل هذه الحالات وربما أضافت أمراضا أخري، نفسية وعصبية وعضوية.

 

انتظرنا برهة حتي نعطي صديقنا الفرصة لكي يحكي كل ما يمر به من هموم، ولشدت تعجبنا رأيناه علي حالة غير ما عاهدناه عليه من قبل، فمن ضحك ودعابات الي انطواء شديد وكأنه يحمل جبالا من الأحزان، فصديقنا الحزين وقع في الحب، أحب وتعلق قلبه بفتاة، ولم يتوقف علي هذا لأنه جازف وصارح فتاته بحبه وتعلقه بها وولهه بالقرب منها ورغبته في التقرب أكثر. ولكن الحب ظلمه وبعد أن شعر بأن كل الدنيا ترحب به وتفرح له، أحس فجأة بأن هذه الدنيا تتخلي عنه وقد قررت إنهاء حياته، أي سحبت روحه منه وهي حبه لتتركه وكأنه يعيش مثل الأموات.. شعر صديقنا بأنه كمن امتلك الدنيا كلها، غربها وشرقها وشمالها وجنوبها، وفجأة كانت الدنيا التي منحته كل جوانحها من لحظة قررت سحب كل هذه الامتيازات عنه،  لتعيده إنسانا كما دخلها ولكن كـ"ميت".


تعجب جميعنا علي حال الصديق، ولكننا حمدنا المولي عز وجل أن تهيأت جلستنا التي تحدثت عنها، ليخرج فيها عن صمته ويحكي لنا ما يمر به من هموم ولنكون سببا في تجاوزه محنته، تلك المحنة التي سلبته حياته وضحكته وفرحته، أو سلبته من كل ما هو حلو في هذه الحياة، حتي أنه تجاهل عمله وأسرته الكبيرة وأسرته الصغيرة، لأني نسيت أن أضيف معلومة في القصة وهي أن صديقنا متزوج وله طفلان،  وزوجته ابنة عمه الذي رباه وهو صغير بعد وفاة والده. وبالتالي، وعلي حد علمنا، أن مسألة زواجه من ابنه عمه خضعت لأحكام رد الجميل ولم يكن الزواج نابعا عن حب، فكانت كل الأمور عادية وتسير وفق ما هو مألوف، وبالتالي أبضا لم ينشغل القلب بحبيب أو يتلهف عليه ويتمني لو مرت الساعات والدقائق بسرعة ليري حبيبته ليس في الموعد ولكن قبل الموعد، وفجأة وجد صديقنا قلبه يحمل حبا لم يشعر به من قبل ومشاعر لم يألفها وأحاديث لم يكن يتخيل أن ينطق بها لسانه.


لقد أشركتكم معي في تفاصيل الجلسة، من صفاء ذهني الي حب وفراق، ولعلي أتوقف هنا برهة عند كلمة "فراق" فصديقنا بعد أن انتهي من سرد جزء كبير من حكايته، فات عليه معلومة لم يفض لنا بها ولكننا خرجنا بها نيتجة تحليلنا لكل ما ذكره، فالإنسانة التي تعلق قلبه بها لم تتركه وتتخلي عنه كما فهمنا في البداية، ولكنها أبت ان تواصل المشوار لظروف اتفقنا ان نتطرق اليها  في جلسة اخري نتعريف خلالها لاسباب  الفراق والخيانة والهجران وكيف يموت الانسان وهوحي  وهو ما اسلفت بالحديث عنه وعن اسبابه في هذة الحياة المليئة بالمتناقضات  

!. لقد عاش صديقنا وكأنه ميت، مطعونا في قلبه، هجرته حبيبته بدون كلمة وداع وهو الذي فكر في الانتحار لكي لا يعيش يوما بدونها، أحبها من أعماق قلبه وهي حددت موعد نهاية الحب، هو طلب منها كما طلب عبد الحليم حافظ أنه تعلمه فن  العوم حتي لا يغرق، ولكنها أغرقته بدون حتي أن ترمي له بطوق نجاة.

فصديقنا ومعاناته تنطبق عليها كلمات نزار قباني  في رائعته رسالة من تحت الماء "إن كنت صديقي.. ساعدني كي أرحل عنك..أو كنت حبيبي.. ساعدني كي أشفى منك..لو أني أعرف أن الحب خطير جدا

ما أحببت..لو أني أعرف أن البحر عميق جدا ما أبحرت..لو أني أعرف خاتمتي ما كنت بدأت..إشتقت إليك.. فعلمني أن لا أشتاق..علمني كيف أقص جذور هواك من الأعماق..علمني كيف تموت الدمعة في الأحداق..علمني كيف يموت القلب وتنتحر الأشواق".


صديقنا الذي نتحدث عنه لا يعرف فن العوم وتركته حبيبته يغرق في تجربة حبه ولم تأخذ بيده كي يشفي من حبها وتركته يتنفس تحت الماء ليغرق في هواها وهي لا تكترث بما يعانيه رغم علمها أنه  لا يعرف فن العوم.

 

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads