رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
أحمد المرشد

أحمد المرشد

ناصر.. كم نحن بحاجتك يا رمز القوة والاتحاد

السبت 08/أكتوبر/2016 - 01:16 م
طباعة
اعتدت أن اكتب عن زعيم مصر والأمة العربية خالد الذكر جمال عبد الناصر، في ذكرى وفاته من كل عام، وفي كل مرة أركن إلى أفكاري عن هذا القائد الفذ، بطولاته، إنجازاته، لمصر والعرب وإفريقيا وكل شعوب العالم المقهورة تحت نير الاستعمار الأجنبي، وهو ما رفعه إلى مصاف الزعماء الذين لا يموتون بموتهم الجسدي، فتظل ذكراهم وبطولاتهم ماثلة أمام الجميع على مر الزمن..

فقبل أيام مرت الذكرى السادسة والأربعين لرحيل ناصر عنا،  ولكن الرجل وكما أسلفت  لا يغيب، ولعلي أعتمد في كتاباتي  اليوم  عما كتبه المقربون من ناصر والمؤرخون عنه، ونقل صفات الزعامة في حق هذا الرجل حتى بعد نكسة 1967 التي لم تجهض أحلامه بضرورة خلق أمة قوية وإن كانت هذه النكسة أثرت عليه نوعًا ما حيث تكالب الغرب للانقضاض على "مشروع ناصر"، الذي بدأه في عام 1952.. وقد أضيف هنا من عندي، إنه ربما يكون عبد الناصر أخفق في مواجهة إسرائيل في حرب 1967 بسبب مؤامرات كثيرة للنيل من عزيمته، ولكنه -  ولهذا شهادة للتاريخ – لم يمت إلا وكان قد أعد العدة للجيش المصري استعدادا لمواجهة العدو، وهذا ما سنفرد له مساحة في مقالنا وكيف استعادت القوات المسلحة المصرية الثقة الكاملة لتحقيق نصر اكتوبر في عهد خلفه الرئيس أنور السادات.

لقد كتب سكرتير عبد الناصر وزير الدولة لشئون الرئاسة في عهده سامي شرف، نقلا عن فلاسفة وكتاب هنود وأوروبيين الكثير، ليصوروا المقومات التي اكسبت ناصر بريقا شخصيا جعلته قريبا من الرأي العام المصري والعربي والإفريقي والعالمي، فناصر  فى التاريخ الحديث انحاز لمبدأ "الشعب أولا" فكان هذا عاملا رئيسيا في استمرار كاريزما هذا الزعيم إلى يومنا هذا، مما جعله "حبيب الملايين" وهذا أيضا ما ردده نحو 7 ملايين مواطن شيعوه إلى مثواه الأخير في يوم جنازته.

وهنا نقرأ للكاتب الفرنسى جان لاكوتير  عن ناصر الذى كان على صلة ومعرفة كاملة بشخص الرئيس منذ أن كان مراسلا لجريدة لوموند الفرنسية بالقاهرة ، فى كتابه "ناصر" يصف أحداث تشييع جنازته "إن هذه الجموع الغفيرة فى تدافعها الهائل نحو الجثمان إلى مثواه الأخير لم تكن تشارك فى تشييع الجثمان، لكنها كانت فى الحقيقة تسعى فى تدفقها المتلاطم للاتصال بجمال عبد الناصر الذى كانت صورته هى التجسيد المطلق لكينونتها ذاتها".

إنه ناصر الذي وصفه رئيس وزراء الهند  جواهر لال نهرو "إن ما أحبه فى ناصر انه يتعلم دائما.. يتميز بصدق مطلق ونهمه متصل للمعرفة، وشجاعته حاضرة، وهذا ما جعله رجل الفكر والعقل والفعل المؤهل لقيادة أمة فى حقبة حاسمة".

وسنظل مع ناصر في الهند، حيث قال عنه الكاتب الهندى  ديوان برندرانات  فى كتاب "ناصر الرجل والمعجزة" "إن التاريخ المعاصر للعالم العربى وخاصة مصر وتاريخ حياة ناصر لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر".. ويزيد الكاتب البريطانى  توم ليتل "قوة منطق ناصر مستمدة من قوة منطق التاريخ".

يربط سامي شرف،  ناصر بتراب الوطن وتاريخه، مما ساهم بصورة كبيرة في صياغة صورته الجماهيرية التزامه بقضايا الوطن ومسارعته بالدفاع عنها، وهذا ساهم أيضا في نفس الوقت في تصدير صورة ناصر الي بقية بلدان العالم، وينقل شرف عن الدكتور  أنيس صايغ فى كتابه  "فى مفهوم الزعامة السياسية من فيصل الأول إلى جمال عبد الناصر" جملة غاية في الروعة والتقدير لشخص ناصر، فكتب صايغ يقول: "استطاع عبد الناصر أن يمثل أغلبية الشعب تمثيلا صادقا، وأن يدافع عن الأمانى القومية دفاعا حقيقيا، واستطاع بواسطة ذلك أن يتحول إلى رمز للحركة الوطنية المعاصرة.. إن زعامة عبدالناصر تختلف من حيث المادة التى تتركب منها ، إنها تنبثق عن الشعب ، عن مجموع طبقاته وفئاته وأفكاره .. وهى تنبثق عن أمانى الشعب، عن مطالبه التى نادى بها منذ قرن على الأقل، وعن شعاراته التى رفعها منذ أن عرف العمل السياسى الحديث ، وعن أحلامه التى أخذت تتراءى له منذ أن أقلقت باله كوابيس التخلف والاستعمار والتفرقة والفاقه، وعن تراثه وكيانه القومى ومصالحه العامة ، إنها باختصار ، تمثل أغلبية العرب".

شجاعة هذا الزعيم لم تأت من فراغ، فهي إحدى سمات شخصيته القوية مما زاد حب المصريين والعرب له، فكان الزمان فى السادس والعشرين من اكتوبر 1954  ، أما المكان فهو  ميدان المنشية بمدينة الإسكندرية المصرية.. وأما الحدث – أو الحبكة كما يقول أهل الدراما – عندما  انطلقت ثمانى  رصاصات فى سماء الميدان نحو صدر عبد الناصر، فلم يخش ولم يرتعش وإنما ظل واقفا صامدا يتحدي رصاص الغدر و الاغتيال والقاتل .. لم يتراجع عن مكانه ولم يتوار خلف أو أسفل المقاعد ولكنه ظل واقفا بقوة  وسط دوى الطلقات، وصاح قائلا للجماهير المحتشدة فى الميدان: "فليبق كل فى مكانه . . إننى حى لم أمت ، ولو مت فإن كل واحد منكم هو جمال عبد الناصر . . ولن تسقط الراية".. حقا لم تسقط راية ناصر حتى يومنا هذا، ولا زلنا نكتب عنه وعن شجاعته وشخصيته التي استمدها من حب شعبه وشعوب المنطقة له.. حب وشعبية استند عليها ناصر على أساس من القناعة الراسخة بعظمة الجماهير التى يسعى لقيادتها وأمله فى إمكانية تحقيق مستقبل مبشر ومشرق لها، جماهير وفرت له قاعدته الجماهيرية.

الأمثلة كثيرة، لا تعد ولا تحصي عن شجاعة هذا الرجل، وهو ما جعل المصريون والعرب ومعظم شعوب العالم يضعونه في مصاف كبار الزعماء، ويكفي ما حققه للمصريين علي مدي فترة حكمه من انجازات عظيمة، ومنها علي سبيل المثال قانون الإصلاح الزراعي، تأميم قناة السويس التي أعادت الكرامة للمصريين، بناء السد العالي وحماية مصر والمصريين من خطر الفيضانات، وإنشاء قاعدة صناعية مصرية عملاقة، ومجانية التعليم، والاهتمام بمجالات الصحة والثقافة والشباب، والكثير الكثير.

سبق وقلت إن ناصر لم يمت إلا وكان قد أعد العدة للجيش المصري استعدادا لمواجهة العدو الإسرائيلي، وها نحن نوضح ما كتبته في البداية، وكيف حققت القوات المسلحة المصرية النصر في حرب اكتوبر، وفقا لخطة ناصر التي توفاه الله وهو قد انتهى منها تقريبا بما مهد المجال للسادات للدخول في هذه الحرب وهو واثق من تحقيق النصر. فقد رفض عبد الناصر بعض المبادرات الدولية لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي سياسيا وأصر على عودة الأراضى العربية كلها وعلى الوصول إلى حل شامل لهذا الصراع..وبناء على رؤيته لمفهوم الأمن القومى العربى الجامع لكل الدول العربية وإيمانه الكامل بأن المصالح العربية مشتركة وواحدة، فقد رفض بشدة أن يخرج من عروبته وأن ينعزل بمصر، لذا بدأ التخطيط لرد الاعتبار والثأر مما حدث في حرب  يونيو 1967.. وكان أول ما صرح به، بل أكد عليه هو أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. وقد منحه القدر منذ تاريخ النكسة وحتي وفاته في سبتمبر 1970، ثلاث سنوات أنجز فيها ما أدى لصنع أسطورة العبور.

قلت في البداية إني ساعتمد في هذا المقال علي الكتب والمقولات وليس آرائي الشخصية في عبد الناصر، وهنا استعين بفقرات من كتاب المؤرخ المصري الشهير  الدكتور جمال حمدان في كتابه "أكتوبرفي الاستراتيجية العالمية" الذي قسم فيه الفترة ما بين الحربين ( يونيو67- أكتوبر73) التي استمرت نحو ست سنوات ونصف السنة،  الي أربع مراحل أساسية:

-الأولي : (الصمود) ، بدأت من  يونيو 67 حتى أغسطس 68، ومثلت مرحلة الدفاع الحذر حيث تخللتها معارك رأس العش وإغراق المدمرة إيلات الإسرائيلية بالتزامن مع بعض معارك جوية.

- الثانية: (الردع) ، وبدأت من سبتمبر68 حتى فبراير 69 ، ومثلت مرحلة الدفاع النشط ، وهي عبارة عن  معارك المدفعية التي اتصل فيها التراشق بالنيران عبر القناة.. وكان من نتائجها بناء إسرائيل لخط بارليف الأول.

-الثالثة: (الاستنزاف)، وبدأت  من مارس 69 حتى أغسطس 70،  وتمثل  مرحلة  الهجوم الحذر، وتم تدميرالمصريين خط بارليف الأول بالمدفعية المكثفة المستمرة طوال شهرين، ثم توالى عبور الكوماندوز المصري ليلا ونهارا بقوات متزايدة ثم بلا انقطاع، ثم  تكررت غارات الضفادع البشرية على موانئ العدو الإسرائيلي  لتحرقها وتغرق سفنه فيها، بالاضافة إلى الغارات والمعارك الجوية المتصاعدة  لمواجهة غارات العدو المضادة على الجزر المنعزلة والعمق المدني إلى جانب جبهة القناة.

-الرابعة :( وقف إطلاق النار)، من أغسطس 70 - أكتوبر73،  وقد اطلق عليها فترة "اللاحرب واللاسلم".

 ويقول جمال حمدان إن القوات المصرية تفرغت  للتدريب الداخلي النهائي والحاسم وإعادة بناؤها وتطويرها للمعركة الكبرى، وتم إعادة البناء العسكري والاختبار الميداني  للجيش ، وأثبتت واعطت  هذه المراحل مجتمعة  الفرصة كاملة للقوات المسلحة المصرية للتدريب العسكري علي أعلي مستوي، تدريب نابع من  الإرادة القوية التي بثها ناصر في صفوف جيشه حيث أعاد زرع الثقة فيهم  خلال الفترة التي سبقت وفاته، فكانت التدريبات الشاقة هي النموذج الحقيقي لأرض المعارك، مما أكسب الجيش المصري قدرات خارقة مكنته من تحقيق النصر في حرب اكتوبر .

الحديث عن ناصر ومساهماته في بناء مصر الحديثة يطول ويطول، ونكتفي بما أوردناه في ذكرى وفاته الـ46 ورحيله عن عالمنا، ولكن رحيل أكسبنا قوة وإصرار علي استكمال الطريق نحو النصر، ولعلي أضيف هنا أن انتصار مصر والعرب في حرب أكتوبر يؤكد لنا ضرورة أن يعيش العرب متحدين وعلي قلب رجل واحد، وليسوا متشرذمين، متفرقين، وقد أثبتت لنا السنوات الأخيرة، أن عدونا واحد لا يتغير، هذا العدو هو الفرقة، فالفرقة أضاعت العراق وسوريا واليمن وليبيا.

احمد المرشد

كاتب ومحلل سياسي بحريني

[email protected]

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads
ads