رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
أحمد المرشد

أحمد المرشد

متى يتعاون العرب؟

الأحد 24/يونيو/2018 - 03:01 م
طباعة
يبدو أن الأمل في التوصل إلى عمل عربي مشترك، ‏على الصعيد السياسي والعام‏، ‏قد أصبح بعيد المنال‏، ‏على الأقل في المدى المنظور‏، ‏إلى أن نستطيع ـ على الأقل ـ إعادة بناء نظام عربي جديد‏، ‏يحل محل النظام القائم الذي تفتت عمليا‏، ‏بعد أن تلقى ضربات قاصمة بسبب الفرقة العربية وانتهى ‏عمره الافتراضي بانهيار النظام العالمي الثنائي القطبية‏، ‏الذي كان جزءا منه‏، ‏ليحل محله نظام دولي أحادي القطبية لا يزال في طريقه إلى ‏التبلور‏.‏ لكن ذلك لا يفضي حقيقة تاريخية‏، ‏كانت قائمة قبل نشوء هذا النظام‏، ‏وستظل قائمة في ظل النظام الذي سيحل محله‏، ‏وهي أن العرب أمة فيها كل خصائص الأمة‏، ‏وأنهم سيظلون كذلك حتى لو عجزوا ـ بشكل مؤقت أو دائم ـ في التوصل إلى حد أدنى من الرؤى السياسية المشتركة التي تواجه مشكلاتهم الكبرى‏، ‏أو ابتداع شكل من أشكال التنظيم الإقليمي يكون وعاء لتعاون أكثر شمولا مما هو قائم الآن‏.

أما المؤكد فهو أن الثقافة العربية‏، ‏هي أحد أهم العوامل التي بلورت حقيقة أن العرب أمة‏، ‏وحافظت على ذلك‏، ‏على ‏امتداد قرون شهدت انقلابات سياسية عظمى‏، ‏توحدت خلالها هذه الأمة ـ أحيانا ـ في دولة متسعة الأرجاء‏، ‏وانقسمت أحيانا إلى أقاليم تخضع لنظام شبه كونفدرالي‏، ‏واستقلت أقطارها ـ خلال الحربين العالميتين في القرن الماضي وفيما بينهما وبعدهما ـ في دول وطنية‏، ‏تحارب بعضها البعض من أجل كيلومتر من خط الحدود بينهما‏، ‏ومع ذلك كله ظلت الحقيقة الثابتة تقول إن هناك ثقافة عربية واحدة تصنعها لغة واحدة‏، ‏وتاريخ مشترك‏، ‏يبلوران تاريخا مشتركا‏، ‏ويتخلق منهما جميعا مصالح مشتركة‏، ‏تتحدى موجات الفتور والخصام وتجميد العلاقات والحملات الإعلامية المتبادلة بين دولتين أو معسكرين عربيين‏.

نظرة عابرة إلى تاريخ القرنين الأخيرين الذي تبلور خلالهما المشروع النهضوي العربي‏، ‏تكشف عن الدور المهم الذي لعبته الثقافة العربية في بلورة هذا المشروع‏، ‏على الرغم من بدائية وسائل وأدوات الاتصال في أولهما‏، ‏وتطورها البطيء في ثانيهما‏، ‏ومع ذلك استطاعت النخب الثقافية العربية‏، ‏أن تبلور رؤية مشتركة‏، ‏تذهب إلى أن الانتصار في الحرب على جبهة التخلف والجهل‏، ‏هو أول خطوة في الطريق إلى الانتصار في الحرب على جبهة التبعية والاحتلال الأجنبي‏، ‏وجبهة الاستبداد المحلي‏، ‏ليكون ذلك بدوره‏، ‏خطوة في الطريق إلى وصل ما انقطع‏، ‏لتعود الأمة العربية لممارسة دورها في إثراء الحضارة المعاصرة‏، ‏التي أسهمت بدور وافر في تأسيسها‏، ‏حين نقلت بذورها في القرون الوسطى لتنمو في أرض الفرنجة‏، ‏في الوقت الذي كان فيه القحط والجفاف‏، ‏يقتلان هذه البذور في الأرض العربية‏.‏ وبوسائل بدائية تماما‏، ‏وفي مناخ من التخلف الشامل في كل مجال‏، ‏استطاعت الثقافة العربية‏، ‏أن تخترق حدود الزمن‏، ‏وحدود الأقطار‏، ‏وأن تتفاعل فيما بينها‏، ‏فتتبادل المخطوطات‏، ‏ثم الكتب التي تطبع على مطابع الحجر‏، ‏والدوريات الثقافية التي تطبع على مطابع الحروف المفردة‏، ‏لتلعب دوريات من هذا النوع أصدرها ـ في اسطنبول وبغداد والقاهرة وتونس ودمشق وبيروت‏- ‏رواد مثل بطرس البستاني ورفاعة رافع الطهطاوي وأحمد فارس الشدياق وجرجي زيدان ويعقوب صروف وغيرهم ـ دورا بارزا في إثارة سؤال النهضة‏، ‏لتقود النخبة المثقفة العربية إلى التفاعل مع تيارات الحداثة التي كانت تموج في العالم آنذاك‏، ‏من نظرية النشوء والارتقاء إلى نظريات الوراثة‏، ‏ومن أفكار أوجست كونت إلى أفكار أنجلز وماركس‏، ‏ومن علوم الاجتماع والتاريخ والنفس والتربية‏، ‏إلى علوم الكيمياء والطبيعة والطب وبذرت بذور أفكار وتيارات اجتماعية وسياسية وفكرية احتاجت إلى سنوات من الجدل حتى أينعت فيما بعد‏، ‏من الدعوة إلى الديمقراطية القائمة على نظم دستورية وعلى التعددية الحزبية‏، ‏إلى الدعوة إلى تحرير المرأة وتعليمها وإتاحة فرص العمل أمامها‏، ‏ومن الدعوة إلى سيادة العقلية العلمية الصناعية إلى الدعوة إلى تجديد التراث الديني‏.‏


 
قبل أن نسأل‏: ‏هل هناك إمكانية لتحقيق تعاون ثقافي عربي؟ علينا أن نسأل أولا‏: ‏هل هناك ضرورة لتحقيق هذا التعاون؟ والإجابة في الحالتين هي‏: ‏نعم‏، ‏ليس فقط لأن شواهد التاريخ تؤكد أن الثقافة هي حجر الأساس في الحفاظ علي هوية الأمة‏، ‏ولكن ـ كذلك ـ لأنها تكاد تكون واحدا من عناصر قليلة للعمل العربي المشترك‏، ‏لا تزال ثابتة أمام عواصف الفرقة والشقاق التي تحيط به من كل جانب‏، ‏وبالتالي فإن إمكان تحقيق التعاون على جبهتها‏، ‏ربما تكون أقرب منالا من غيرها‏، ‏فضلا عن أن هذا التعاون يمكن أن يسهم في تهدئة العواصف التي تحيط بغيرها من الجبهات‏، ‏وفي التوصل إلى رؤية مشتركة لنظام عربي جديد‏، ‏بدلا من النظام الذي انتهى عمره الافتراضي‏.. ‏لكن الجزم بضرورة وإمكان ‏تحقيق هذا التعاون الثقافي العربي‏، ‏لا يعني تجاهل العقبات والصعوبات‏، ‏التي سوف تواجه هذا التعاون ويأتي معظمها كعرض جانبي من أعراض الوضع العام للنظام العربي‏، ‏ومن بينها تجاهل البعض لطبيعة التطور في أوضاع الدولة الوطنية ـ أو القطرية ـ العربية‏.‏ أولى هذه الصعوبات‏، ‏هي الخطأ في فهم مصطلح وحدة الثقافة العربية تأثرا بالخطأ الذي وقع فيه بعض منظري فكرة القومية العربية‏، ‏بأن الوحدة العربية‏، ‏هي نوع من الوحدة القدرية القسرية‏، ‏تتعالى ‏ـ وتتجاهل ـ الواقع‏، ‏وترفض الاعتراف بتنوعه‏، ‏وهي فكرة أثبتت المحاولات الفاشلة‏، ‏لتحقيق أشكال من الوحدة العربية الدستورية‏، ‏خطأها‏.‏ وقد آن الأوان‏، ‏لأن نعترف جميعا بأن الوحدة العربية ـ على كل صعيد ـ هي وحدة قائمة على الاعتراف بالتنوع‏، ‏وأن تنوع الثقافة العربية لا يتناقض مع وحدتها‏، ‏بل إن هذا التنوع‏، ‏على العكس من ذلك‏، ‏يساعد على إثرائها‏، ‏وهو ما يعني ـ في التطبيق ـ الاعتراف بأن لكل قطر عربي‏، ‏إسهامه النوعي في الثقافة العربية‏، ‏وأن لكل جماعة إثنية‏، ‏ولكل مجتمع جهوي‏، ‏ثقافته النوعية‏، ‏ومن هذه الروافد داخل الأقطار العربية‏، ‏تتكون وحدة الثقافة العربية‏، ‏وبالتالي فإن الاعتراف بالخصوصية الثقافية للأقطار والإثنيات واحترام حقها في التعبير عن ثقافتها‏، ‏شرط أساسي في أي تعاون عربي‏..‏ وفي السياق نفسه‏، ‏تأتي الصعوبة الثانية‏، ‏من الفهم الخاطئ لخصوصية الثقافة العربية على خريطة الثقافة الإنسانية‏، ‏وهو فهم يسعى أصحابه للترويج لفكرة‏، ‏أن الثقافة العربية هي ثقافة مستقلة بذاتها تماما‏، ‏عن غيرها من الثقافات الأخرى‏، ‏بل ويبالغ بعضهم في ذلك إلى الحد الذي يذهبون فيه‏، ‏إلى أنها أفضل وأكثر تقدما وأخلاقية من كل الثقافات‏، ‏وبصرف النظر عن أن الواقع يؤكد أن العرب المعاصرين يكادون يعيشون عالة على ثقافة الآخرين‏، ‏فإن الذين يقولون بذلك‏، ‏يتنازلون بقولهم‏، ‏عن حق العرب المشروع في كل إنجازات الثقافة الإنسانية المعاصرة‏، ‏ثم إنه ـ وهذا هو المهم ـ يقود كل تعاون ثقافي عربي إلى ‏طريق مسدود‏، ‏ينتهي بعزلة العرب‏، ‏عما تموج به ثقافات العالم المعاصر‏، ‏من تيارات قادته إلى التقدم عن العرب‏، ‏بل وإلى استذلالهم‏.

آن الأوان لأن نعترف جميعا‏، ‏بأن الثقافة الإنسانية‏، ‏هي وحدة تقوم على التنوع‏، ‏وأن الثقافة العربية هي أحد روافد الثقافة الإنسانية‏، ‏وأن كل تعاون عربي ثقافي‏، ‏لا جدوى من ورائه إذا انتهى ‏إلى عزل العرب عن العالم‏، ‏إذ ينبغي أن يكون الهدف منه‏،‏ هو تجديد وتحديث الثقافة العربية‏، ‏بالتفاعل مع كل ثقافات العالم‏.‏ تلك بعض ـ وليس كل ـ الصعوبات التي لو نجحنا في التغلب عليها‏، ‏فسوف نجد مئات من المشروعات الثقافية العملاقة‏، ‏التي يمكن للأقطار العربية‏، ‏أن تتعاون فيما بينها لإنجازها لتحافظ على شعرة معاوية بين أقطار الأمة‏، ‏إلى أن تتهيأ الظروف لإقامة نظام عربي جديد‏.‏

كاتب ومحلل سياسي بحريني

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads
ads