رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
أحمد المرشد

أحمد المرشد

بوادر الحرب الأوروبية – الأمريكية

الجمعة 27/أكتوبر/2017 - 03:27 م
طباعة


أزاح  الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التراب عن الاتفاق النووي الإيراني بتأكيد نيته إلغاء الاتفاق أو علي الأقل تعديله مع تفويضه وزارة الخزانة الأمريكية باتخاذ إجراءات مشددة ضد الحرس الثوري الإيراني باعتباره أساس الإرهاب في المنطقة والممول الرئيسي لكل العمليات الإرهابية في الدول العربية. قرار ترامب الحاد لم يمر مرور الكرام علي المستوي الأوروبي والروسي والصيني، خاصة في ظل رفض هذه الكتلة مجتمعة كل ما جاء علي لسان ترامب الذي قد يضع بلاده في عزلة دولية أمام العالم، أو يدخل العالم في حرب باردة جديدة مشابهة للحرب السوفيتية الأمريكية، وإن كانت الولايات المتحدة برئاسة رونالد ريجان قد أعلنت الانتصار في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي والدول الشرقية برئاسة ميخائيل جورباتشوف، فيبدو في الأفق أن الحرب المقبلة قد تكون طويلة الأجل هي الأخري ولكن بدون ملامح من المنتصر وإن كانت معظم الاحتمالات لا تشير الي انتصار جديد للولايات المتحدة، فمعطيات الحرب الباردة الجديدة لم تتضح أبعادها بعد رغم أن ترامب هو من بدأها ولكن يبدو أنه لم يدرس خطواته جيدا في ظل انقسام إدارته بشأن قراره الخاص بالاتفاق النووي الإيراني، وهذا ما سنفسره لاحقا.

بداية حاول الرئيس الأمريكي إهداء نظيره الإيراني حسن روحاني هدية ثمينة بمناسبة احتفاله بأداء مراسم يمين القسم لولايته الثانية والأخيرة في منصبه كرئيس إيران، وكانت هدية ترامب من النوع الثقيل، وهي محاولته إلغاء الاتفاق النووي الذي يعتبره روحاني أكبر انجاز له للشعب الإيراني والذي أضاع فيه ولايته الأولي لتحقيقه رغم أنف المحافظين والمتشددين في بلاده.

وبعيدا عن معضلة القانون الأمريكي ومشكلات ترامب مع الكونجرس بشأن إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، فإيران تعلن التزامها بالاتفاق وعدم الإخلال ببنوده ويؤيدها في ذلك بقية الموقعين علي الاتفاق باستثناء الولايات المتحدة، فكل من المانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وكذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت التزام طهران بالاتفاق، كما أن بعض الأطراف الأمريكية المهمة تتفق مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين بأن  العقوبات الاقتصادية الأمريكية المتوقعة ضد إيران تعد اخلالا بالاتفاق. وعلي سبيل المثال، تعترض بعض أركان الإدارة الأمريكية علي تصورات  ترامب، ومنهم وزيرا الدفاع جيمس ماتيس والخارجية ريكس تيلرسون وهربرت مكماستر مستشار الأمن القومي، ويري هؤلاء أن تمادي الرئيس ترامب في خطوته التصعيدية حيال إيران ستحدث شرخا كبيرا صعب إصلاحه في المستقبل في العلاقات مع حلفاء أمريكا بالاتحاد الأوروبي وخاصة المانيا وفرنسا وبريطانيا. ويدرك هؤلاء الثلاثة حجم تنامي العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وإيران وصفقات الغاز والنفط المتسارعة بين الطرفين.

ومن يراجع تعليقات القادة الإوروبيين وتحديدا – المانيا وفرنسا وبريطانيا- وكذلك مفوضة الاتحاد الأوروبي العليا للشؤون الخارجية وللسياسة الأمنية فيديريكا موجيريني، يشعر علي الفور بأن الخلاف قد دب فعلا بين شاطيئ الأطلنطي، وحسب ما أعلن هؤلاء ووزراء خارجيتهم، أنهم ضد التصرف الإمريكي المنفرد، ويتسلح الأوروبيين  بالمكون الاقتصادي، فالاقتصاد له الكلمة الأولي والأخيرة في هذا الوقت، والكل يدرك مدي استفادة روسيا والصين وأوروبا من الصفقة النووية الإيرانية، و استفادة موسكو وبكين  ليست مرتبطة بالاتفاق النووي لأن التعاقدات العسكرية والنفطية سابقة للاتفاق، ولكن المصلحة الكبري كانت من نصيب المانيا وفرنسا وبريطانيا، فالصفقات التي تم توقيعها بلغت مليارات الدولارات، وشملت علي سبيل المثال شراء طائرات ركاب لتعويض قطاع النقل الجوي الإيراني الذي عاني كثيرا وقت العقوبات الاقتصادية الصارمة، ناهيك عن عقود المشاركة في إعادة تأهيل البنية التحتية بإيران واتفاقيات تطوير آبار النفط الكثيرة.

 ويبدو أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة التعويل علي إحداث انقسام داخلي بين دول الاتحاد الأوروبي الجنوبية والشمالية أو الفقيرة والغنية، لأن هذا الأمر لن يحدث تصدعا داخل الاتحاد، لأن دوله الغنية هي التي تتسم بالقوة وبالتالي هي التي تقود دفة أي حوار أو علاقات مع طرف خارجي حتي لو كان الولايات المتحدة الأمريكية.

ولدينا طرف أخر هنا في المعادلة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي، وهو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تتعرض لضغوط أمريكية للتوافق مع موقف دونالد ترامب،  ويبدو أن ضغوط أمريكا علي الوكالة لا تتوقف فقط علي إيجاد مبررات علي وجود تجاوزات إيرانية تساند ترامب في معركته مع الكونجرس، بل يتجاوز المطلب الأمريكي هذا بكثير يصل لحد السماح لمفتشي الوكالة بالدخول الى منشآت إيران العسكرية للاشتباه بتطوير الصواريخ التي يمكنها حمل رؤوس نووية. ومبعث هذا المطلب الأمريكي هو التشدد ضد إيران خاصة وأن طهران ترفض الرقابة على مواقعها العسكرية غير النووية وتعتبر هذا التدخل خطا أحمر، كما تتمسك بأن الرقابة غير مدرجة بالاتفاق النووي باستثناء الاشتباه بالاخلال بالاتفاق في هذه المنشآت. وفي النهاية لم تعثر الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي أي دليل منذ توقيع الاتفاق على مخالفة إيران لبنوده.

وثمة معطي مهم في الحرب الباردة المقبلة بين (المانيا – فرنسا- بريطانيا) وبين الولايات المتحدة، لأن هذه الدول الثلاث ومعها معظم دول الاتحاد الأوروبي تجزم بأن التراجع الأمريكي عن منطقة الشرق الأوسط وأزماتها لصالح روسيا، سيضع مستقبل العلاقات الأوروبية - الشرق أوسطية علي المحك بدون الولايات المتحدة، وبالتالي تعتبر العلاقات مع إيران وروسيا في الوقت الراهن أمرا مهما للغاية بهدف إعادة التوازن في العلاقات. وإذا تحدثنا تحديدا عن أزمة اللاجئين السوريين الي أوروبا، فالدول الأوروبية تري في إيران عاملا رئيسيا في حل هذه المعضلة، نظرا لمكانتها في منطقة الحروب والسبب في زيادة أعداد اللاجئين، وخاصة سوريا التي تملك فيها إيران وروسيا زمام الأمور، وتستعجل أوروبا إنهاء النزاع والحرب الأهلية، وبالتالي تزيد أهمية إيران والتعاون معها.

كما تريد الدول الأوروبية تعزيز تيار الإصلاحيين بزعامة روحاني ضد تيار المتشددين والمحافظين، وأي انتهاك للاتفاق النووي سيزيد من قوة المتشددين ووضع العراقيل أمام روحاني في الخروج ببلاده من دائرة الزعامة الدينية، وتقليل من سطوة الأئمة علي الحكم أو هكذا يعتقد الأوروبيين حتي وإن كانوا مخطئين في هذا لأن الكلمة العليا والنهائية في إيران هي للمرشد الأعلي علي خامنئي الذي يدير البلاد بالتوافق بين الإصلاحيين الذي يخاطب بهم الغرب والمتشددين الذي يخاطب بهم الداخل. ولكن في نهاية الأمر فإن مصلحة الدول الأوروبية الرئيسية هي في الصفقات النفطية والعسكرية ودعم شركاتها التي عانت كثيرا هي الأخري من العقوبات الاقتصادية علي إيران.

وختاما، يبدو أن الولايات المتحدة ستخسر حليفها الأوروبي في معركتها ضد إيران، فالدول الرئيسية بالاتحاد لن تخاطر بمصالحها مع إيران في مرحلة ما بعد الصفقة النووية من أجل عيون ترامب، ولأن انضمام أوروبا لواشنطن لن يفيد مصالحها الإستراتيجية، خاصة وأن المانيا وفرنسا وبريطانيا علي دراية تامة بأن أعداء ترامب يتزايدون ليس في العالم أجمع ولكن داخل أمريكا ذاتها، وبالتالي فهي لن تنضم للعبته الحالية ولن تناصره حتي لو احتدم الخلاف وتفاقم ليقترب من الحرب الباردة كما ذكرنا في البداية، وبهذا يكون الأوروبيين هم أعداء ترامب الجدد بدلا من أن يكونوا أنصاره في أي حرب

  

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads
ads