رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار

الاشراف والقبائل العربية

ظهور الأنساب في العصر الحديث وعلل إختفاءها قديماً ..

الجمعة 28/أكتوبر/2016 - 01:25 ص
صدى العرب
طباعة
نسابة المدينة المنورة - الشريف أنس بن يعقوب الكتبي


الكثير يتساءل اليوم أنه كثر الانتساب , وأنه لم نسمع بأن البيت الفلاني أو الاسرة الفلانية كانت من السادة الأشراف أو أنهم من القبيلة الفلانية وإلى غير ذلك , والحقيقة أن ظهور الأنساب في الربع القرن الحالي بالفعل كثر , وهذا أمر طبيعي في ظل التقدم التقني الكبير والتطور العلمي , وقد وصلنا إلى قمة التقدمات الحضارية ، مما يوصل ابن العم بابن عمه من الشرق إلى الغرب عن طريق الهواتف الذكية بالصوت والصورة في لحظات معدودة ، ولاسيما أن شبكات التواصل الاجتماعي عن طريق خدمة الانترنت كان له أثر كبير في ذلك , وكان للحاسوب الأثر الكبير في حفظ المعلومات وتدوينها وأرشفتها بكل دقة وعناية , فبدأت الأجيال بالرجوع إلى تاريخها الماضي، والبحث في قرون وأجيال قد مضت ، مما جعل أنساب أهل البيت وغيرها تظهر في وقتنا الحاضر بكثرة ولعل رغد العيش الذي عاشته الأجيال المتأخرة بعد شقاء الآباء والأجداد وكدحهم في الحياة كان من أهم الأسباب في البحث والتنقيب , ويظل أن هنالك أمر مهم نشدد حوله أن مسألة الأنساب والاهتمام بها جانب شرعياً هام لمعرفة الحقوق الشرعية وصلة الرحم إلا أن العصبية القبلية والتي انتشرت في بعض المناطق مؤخراً جعلت الكثير يهتمون بإثبات أنسابهم إما لآمر زواج أو لمساواة اجتماعية في ظل الطبقية في بعد المجتمعات , أو للالتحاق ببعض الوظائف التي لابد أن يكون فيها الملتحق من أصل ومنشأ البلاد ، هذه أهم جوانب أسباب ظهور الأنساب في العصر الحديث , وبعد ذلك فالسؤال الذي يطرح نفسه؟ لماذا اختفت إنّ اختفاء الأنساب قديماً ؟

أن أمر كهذا أمر يحتاج إلى كثير من التحقيق والنظر ؛ وذلك لطول الفترة الزمنية التي مرت على الأنساب المهجورة ولا شك أن أكثر الأنساب ظهوراً اليوم هي أنساب السادة الأشراف ، وفيما أقوله ليس تصريح أنه لا يوجد من يدعي أو يدخل نفسه في ذلك إما بغير وجه أو بفعل بعض مرتزقة تجارة الأنساب , ولعل أمر كهذا ليس غريباً في التاريخ من كل جوانبه من وجود المدلسين في كل عصر , وعلى كل حال فأن أهل البيت تعرضوا على مر القرون الأولى باضطهاد ظاهر أدى إلى مقاتلهم وتشريدهم وتطريدهم ، فهذا الإمام علي المرتضى يُقتل في محراب عبادته، لشدة عدله وإيمانه , وهذا ابنه الإمام الحسن المجتبى الشهيد المسموم استسلموه أعداؤه حتى لقي وجه ربه شهيدًا مسموماً , وهذا أخوه الإمام الحسين الشهيد المقتول، قُتل في كربلاء، وقتل أهل بيته من أبنائه وأبناء أخيه، وقد جرى في كربلاء ما قد اسود به وجه التاريخ، ولم تبق من ذرية الإمام الحسين إلا ابنه علي زين العابدين , ولا شك أن هذه المقاتل قد مر عليها قرونًا طويلةً لكنها مرت على أجيال كثيرة وكان لها وقعها , وهو ما دفعني إلى أن أكتب في ذلك مقالاً مفصلًا حول علل اختفاء الأنساب وقد وضعتها في سبعة علل رئيسية  :

العلة الأولى : خوفهم من خلفاء بني أمية وبني العباس حفظًا لأنفسهم، فقد كانوا يخفون أنفسهم وأنسابهم خوفًا من القتل والتعذيب وكتب التاريخ المعتبرة مليئة بذلك , فهذا الإمام عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام ، تكون نهايته المأسوية في الكوفة سنة 145هـ , ومن القصص المشهورة قصة الشهيد ابن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الذي قتله هشام بن عبد الملك، وأرسل برأسه إلى الشام، ثم إلى المدينة، فنصب عند قبر الرسول يوما وليلةً، وصلبت جثته وهو عريان، فنسجت العنكبوت على عورته ليومه، وبقي أربع سنين مصلوبًا، فكتب الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقد ولى الأمر بعد هشام إلى يوسف بن عمر: أما بعد: فإذا أتاك كتابي هذا، فاعمد إلى عجل أهل العراق فأحرقه ثم انسفه في اليم نسفا، فأنزله فأحرقه ثم ذراه في الهوى , ويروى عن ابنه أبي يحيى عيسى بن زيد الشهيد مؤتم الأشبال أنه استخفى، وكان يسقي الماء على جمل بالأجرة لصاحب الجمل، وقد تزوج امرأة بالكوفة لا تعرفه، فولدت له بنتًا وكبرت البنت، وكان لمستأجره صاحب العمل ولد قد شبّ، فأجمع رأيه على أن يزوّج ابنه من ابنة عيسى بن زيد الشهيد لما رأى من صلاحه وعبادته، وهو لا يعرفه إلا أجير السقاء، وذكر لامرأة عيسى فاستبشرت وذكرت ذلك لزوجها، ولا تعرفه إلا السقّاء، فتحيّر عيسى في أمره ولم يدر ما يصنع، فدعا الله على ابنته، فماتت، وتخلّص من تلك الورطة، فلما ماتت بكى عليها وجزع جزعًا شديدًا فقال له بعض أصحابه: تبكي على بنت، فقال: والله ما أبكي إلا على أنها ماتت ولا تعلم أنها من كبد رسول الله , هذا محمد الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى، لما ولي أبو جعفر المنصور الدوانيقي الخلافة استحضره، فقال له: أنت الديباج ابن الديباج؟ فقال: نعم، قال: أما والله لأقتلنك شر قتلة، ما قتل أحد قبلك مثلها، قال: أذكر ربك إنَّ ربك لبالمرصاد، إن الله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها في كتاب مبين، فأمر المنصور أن يبني عليه أسطوانة ويوضع فيها وهو حي ظاهرًا منها وجهه، وهو أول من ابتدع ذلك بالناس، فمات فيها , وهذا يحيى بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى الذي هرب إلى بلاد الديلم شرقًا بدِينه ثم بدَينه ثم بدمه من بطش المنصور , وسقط الإمام محمد النفس الزكية بن عبد الله المحض صريعًا بأحجار الزيت في المدينة المنورة في الرابع عشر من شهر رمضان سنة 145هـ , وهرب ابنه عبد الله الأشتر بعد مقتل أبيه إلى السند، وقتل بكابل، وحمل رأسه إلى المنصور , وهذا إدريس بن عبد الله الكامل هرب بعد موقف أخيه محمد سنة 169هـ، بنفسه وجمعه من الهادي العباسي إلى أن سقط شهيدًا بفعل مؤامرة الغدر والخيانة التي صاغها الرشيد العباسي سنة 177هـ , كل هذه المقاتل في العهدين الأموي والعباسي , وما لحقها من العقور الأخرى والتي كانت اقل وطئه من العهدين المذكورة , كان لها أثر كبير في إخفاء أهل البيت لأنسابهم، وذلك خوفًا من أن يقتلوا أو يصلبوا، كما قتل من قبل آباؤهم وأجدادهم .

العلة الثانية : هجرة أهل البيت من منطقة الحجاز والمناطق الإسلامية ، فقد نرى عبر التاريخ الإسلامي على ممر الأحقاب، جماعة من العلويين هاجروا من ديارهم إما خوفًا على أنفسهم، وإما للتجارة والمعيشة والدعوة وغير ذلك، هاجروا من الحجاز إلى العراق وبلاد فارس، وغيرهم إلى بلاد الكفر آنذاك كبلاد الهند والصين ومناطق القفقاز، وغيرها مما هو أبعد ، واتخذوا تلك البلاد مسقط رأسهم، حتى ماتوا فيها وانتشرت أعقابهم وذراريهم، ومع مرور الزمن اختفى نسبهم على أولادهم وأحفادهم، وتغيرت لهجتهم العربية إلى حيث كانوا.

العلة الثالثة : عدم ارتباط دار النقابات المعتنية بشؤون الشرفاء، فلم تكن هناك ارتباطية، كما هو موجود الآن، كالتليفون والفاكس، وغير ذلك من وسائل الاتصال الحديثة، فكل دار نقابة كانت تكتفي بأنساب من حولهم في البلاد، وبذلك اختفت عليهم كثير من الأنساب، وربما كانوا ينكرونها لعدم اطلاعهم عليها.

العلة الرابعة:  كان النسابون يكتفون في تأليفهم بشرفاء بلدهم ونواحيها، وهذا الأمر مشهور من آثارهم، كما نرى أن الحجازيين اهتموا بأنساب أعقاب موسى الجون بن عبد الله المحض ومن ملك منهم، وقد ركزوا على أعقاب قتادة الذي كان حاكمًا للحجاز لقربه منهم، ولم يسرد المؤرخون من أبناء عمهم الذين خرجوا من الحجاز، وذلك لبعدهم عمن هاجروا.

وترى أيضا أن اليمنيين كتب أنسابهم مشحونة بذكر أعقاب القاسم الرسي الحسني، وأعقاب من ملك منهم اليمن، والشاميون اعتنوا بأعقاب آل زهرة الحلبي من أعقاب إسحاق المؤتمن، ومن ملك من العلويين في بلاد الشام، والمصريين اعتنوا بذكر أعقاب العبيديين من آل إسماعيل جعفر الصادق .

أما المغاربة ، فقد اعتنوا في بداية الأمر بأعقاب إدريس الذي ظهر هناك، ومن بعده اعتنوا عناية تامة بأعقاب العلويين أبناء القاسم بن محمد النفس الزكية، ومن دخل إلى تلك البلاد من أبناء الحسن القادم من ينبع النخل الذي ظهر في بلدة سجلماسة، والذين منهم ملوك المغرب حالياً.

وأما الإيرانيون، فقد اكتفوا بأنساب شرفائهم من ملك من العلويين من بلدهم، فإن كانوا من نواحي خراسان، فإنهم يعتنون بنسب من ملك من العلويين في مناطقهم، كما نرى في لباب الأنساب للبيهقي، وهو نيسابوري من أهالي خراسان اعتنى بأنساب آل زبارة، وهلم جرّا.

العلة الخامسة : كان النسابون يعتنون في تأليفهم لكتب الأنساب بشؤون أنساب بيوتهم، فهذا أبو الهدى الصيادي نراه في كتاب الروض البسام اعتنى بشؤون نسب آل الرفاعي لانتسابه إليهم، وكان النسابون أيضًا يعتنون بشؤون من طلب منهم كتابًا يكتبونه في النسب، فيذكرون تفصيل أنسابهم وأعقابهم، ويهملون ذكر أنساب غيرهم، ولهذا كان يختفي كثير من الأنساب.

العلة السادسة : جهل بعض حملة هذا النسب الشريف؛ وذلك لعدم اهتمامهم بوثائقهم ومشجراتهم، مما يؤدي إلى تراكم الغبار، ونشوب عناكيب الضياع عليها، فإما تفقد، وإما تتلف، أو تسرق، أو يتسلط عليها بعض ضعفاء النفوس، ويخفونها لغاية في أنفسهم، ولكن يأبى النسب الهاشمي إلا أن يظهر، تصديقًا للحديث الشريف : « كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري » .

العلة السابعة : استيلاء بعض النفوس الضعيفة على الأوقاف في غياب أهلها أو على أموال الأيتام بعد وفاة أبيهم، من ذلك على سبيل المثال، يكون رجل من أهل البيت صاحب ثروة عظيمة، ولديه أبناء فيأتيه الموت فجأة، فيأتي إلى أيتامه أناس من أقاربهم ويستولون على جميع أمواله، وينكرونه من حق الميراث ، ويخرجونهم من الصلة النسبية، وينكرون صلة القرابة، وذلك بهدف الاستيلاء على الأموال , كما تجد بعض رجال أهل البيت يتزوج من امرأة سرا، ولا يخبر بذلك أحدًا، وينجب منها ولدًا، وبعد وفاته يظهر هذا الابن، ويطالب بحقوقه، فالناس لا يعرفونه، ولا إخوانه أيضًا، فيطالب بحقوقه المالية، فينكرونه إنكارًا تامًا، وربما يكون هذا الرجل قد تزوج من امرأة سوداء، فيكون هذا الابن أسود اللون، مما يجعلهم يتخذون ذلك حجة أنه ليس ابن ذلك الرجل، رغم أنه يكون هذا الابن من صلبه، فمع مرور الزمن ينتهي لهذا الابن وذريته معرفتهم بنسبهم حتى يختفي عنهم، وذلك بصدد الاضطهاد الذي يواجهونه في حياتهم .

أخيراً إن مسالة ظهور وعلل الأنساب هي مرادفة فيما بينهما فالأصل في الأنساب ظهورها وعدم اختفاءها والقاعدة فيها الثابتة أنه مهما وقع عليها من الغبار وعناكيب الضياع إلا أن الله يأبى ويتم نوره بظهورها .

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر