رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار

الاشراف والقبائل العربية

الحجاج بن يوسف الثقفي ( الظالم المظلوم ) ..

الجمعة 17/مارس/2017 - 12:20 ص
صدى العرب
طباعة
بقلم .. دكتور أحمد حسين النمكى ..


شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي من الشخصيات التي حار فيها رجال التاريخ والأدب ، وتناوله الكتاب بكثير من التهم التي جعلت اسمه قريناً للشيطان ،فإذا ذكر الحجاج فكأنهم يسمعون سيرة شيطان من شياطين البشر ، وغضوا الطرف عن الأعمال التي قام بها ذلك الرجل ، وما كتبه الأولون عن الحجاج أخذ به المحدثون ولم يتورعوا عن إلقاء التهم عليه ،  وكالوا له بمكاييل لا تنم ـ في رأيي ـ عن أقلام عادلة أو حتى تتحرى العدل .

وقبل أن نتكلم عن شخصيته أود أن أقول إنني لم أنصب نفسي محامياً عن الحجاج لكي أبرأ ساحته مما نسب إليه من أعمال تجعله يدخل في عداد المجرمين أو الطغاة والجبابرة الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ، بل أنظر إلى أخطاء الحجاج بعين ثم أنظر إلى أعمال الحجاج في خدمة الدولة الإسلامية بعين أخرى ، وفى رأيي أيضاً أن الحجاج كانت له أعمال جادة ومفيدة خدمت الدولة الإسلامية من شرقها إلى غربها وحمتها من السقوط

قالوا كان الحجاج رجلا أخفش حمش الساقين ، منقوص الجاعرتين ، صغير الجثة ، دقيق الصوت ، أكتم الحلق ، وهو الحجاج بن يوسف بن الحكم بن عقيل بن مسعود بن عامر من أجلاف ثقيف وكنيته أبو محمد وأمه سمته كليبا وكان أول أمره أنه يعلم الصبيان بالطائف وأول ولاية وليها تبالة بالحجاز ، فلما أشرف عليها احتقرها وانصرف فمن ثم يقال في المثل " أهون من تبالة على الحجاجثم ولي على شرطة أبان بن مروان ثم جعله عبد الملك على ساقته عند رجوعه إلى الشام ثم بعثه لقتال ابن الزبير فقتله وولاه الحجاز ثلاث سنين ثم ولاه العراق .

  

وقد زعم قوم أن الحجاج بلاء صبه الله عز وجل على أهل العراق بدعوة عمر بن الخطاب  إذ قال اللهم إن أهل العراق قد ليسوا علي ما ليس لهم ، اللهم عجل لهم الغلام الثقفي الذي يحكم فيهم بحكم الجاهلية لا يقبل من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئهم فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ ، وقد روى هذا الخبر أبو عرفة الحضرمي من أهل الشام وروى أن عمر أتاه خبر العراق وأنهم حصبوا أمامهم وسمعت غير واحد يقول بل كانت دعوة علي بن أبى طالب حيث قال اللهم كما نصحتهم وغشوني وآمنتهم فحوفوني أبعث فيهم فتى يحكم بحكم الجاهلية .

هكذا وردت الرواية والله أعلم لأن مثل هذا من المحال إذ لا يجوز لمسلم أن يسأل ربه الجور والظلم ، ونبرأ ساحة الخليفتين عمر وعلى من هذا تماماً ، وإنما هذا فعل الكذبة من الرواة

وكما روى عن الحسن بن على بن أبى طالب قال قال علي ابن أبى طالب دعا علي على أهل الكوفة فقال : اللهم كما ائتمنتهم فخانوني ونصحت لهم فغشوني فسلط عليهم فتى ثقيف الذيال الميال يأكل خضرتها ويلبس فروتها ويحكم فيهم بحكم الجاهلية قال فتوفي الحسن وما خلق الله الحجاج يومئذ .

وقالوا أيضاً عن علي بن أبي طالب أنه قال الشاب الذيال أمير المصرين يلبس فروتها ويأكل خضرتها ويقتل أشراف أهلها يشتد منه العرق ويكثر منه الأرق ويسلطه الله على شيعته وقالوا : يا أمير المؤمنين وما فتى ثقيف ؟ قال ليقالن له يوم القيامة اكفنا زاوية من زوايا جهنم رجل يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين سنة لا يدع لله معصية إلا ارتكبها حتى لو لم يبق إلا معصية واحدة وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها يفتن بمن أطاعه من عصاه  . 

وهذه الروايات فيها ما فيها من الكذب والانتحال ، لأن على بن أبى طالب ما كان له أن يتنبأ بمثل هذه الأقوال ولا تلك الصفات التي وصموا بها الحجاج ، ولو قال ذلك فلابد أن يكون قد نقلها نبوءة عن النبي المعصوم ، ولو كان هو المقصود بتلك الروايات لقالوها صريحة بأن الرسول قال ـ مثلاً ـ يخرج من ثقيف فتى من صفاته كذا وكذا ،  ولو قالها على بن أبى طالب ـ على فرض صحة الرواية من عند نفسه ـ لجاز لنا أن نأخذها على أنها خبر قابل للرفض قبل القبول والتصديق ، وتلك الروايات قال عنها المحدثون بأنها روايات معضلة ـ أي لا ترقى إلى الصحة .

ولو نظرنا إلى الحوار الذي دار بين الحجاج وبين السيدة أسماء بنت أبى بكر ـ أم عبد الله بن الزبير ـ عندما قتل ولدها عبد الله ما وجدنا نبوءة منها ولا مقولة منها مثل ما روى عن على بن أبى طالب ولا عمر بن الخطاب ، فماذا قالت أسماء ؟

قال المؤرخون أن أمر عبد الله ابن الزبير بن العوام قد استفحل بعد أن دعى له بأنه الخليفة من دون عبد الملك بن مروان بالحجاز ثم أخذ العراق ومصر ، ثم استمر الحجاج في قتاله حتى ظفر بابن الزبير سنة ثلاث وسبعين هجرية بعد محاصرة طويلة اقتضت أن ينصب المنجنيق على الكعبة ولم يزل به حتى قتله .

وقد رويت عدة روايات أظهرت أن ثقيف ـ وليس الحجاج وحده ـ من شرار قبائل العرب حتى قيل عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله  : لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم مسيلمة والعنسي والمختار وشر قبائل العرب بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف .

وقيل عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت للحجاج بن يوسف أما إن رسول الله حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا فأما الكذاب فقد رأيناه ـ وتقصد به المختار بن أبى عبيد الثقفي ـ وأما المبير فلا إخالك إلا إياه ، رواه مسلم في الصحيح ، جـ 4 ص 1976 حديث رقم 2545 ، الحاكم : المستدرك على الصحيحين ، جـ 3 ص 6342 ؛ الطبراني : المعجم الكبير ، جـ 24 ص 102 ، حديث 274 . من حديث الأسود بن شيبان وله طرق عن أسماء

وقال البيهقي قال قالت أسماء لما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر فقال يا أماه إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة فقالت لست لك بأم ولكني أم المصلوب على رأس الثنية وما لي من حاجة ولكن انتظر حتى أحدثك ما سمعت من رسول الله يقول يخرج من ثقيف كذاب ومبير فأما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فأنت فقال لها الحجاج أنا مبير المنافقين .

أنظر إلى الحجاج وهو يلاطف السيدة أسماء بقوله يا أماه ، ولكنها سيدة موتورة في ابنها فلها كل الحق أن تقول له وأكثر من ذلك : أنا لست لك بأم ، ورمته بأنه مبير ، والحجاج يقول أنا مبير المنافقين ، وكيف لأسماء أن تجزم بأن الكذاب هو المختار والمبير هو الحجاج الثقفي ؟ ونحن هنا لا نشكك في الرواية ولكن في اجتهادها في تحديد المعنيين بالرواية الإشارة إليهم دون غيرهم .

ويروى أبو داود الطيالسي عن ابن عمر قال سمعت رسول الله يقول إن في ثقيف كذابا ومبيرا وقد تواتر خبر المختار بن أبي عبيد الكذاب

لم يكن هذا الرأي هو رأى أسماء وحدها بل أنظر إلى عمر بن عبد العزيز وهو يقول : لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئناهم بالحجاج لغلبناهم ، وقال عاصم بن أبي النجود ما بقيت لله حرمة إلا وقد ارتكبها الحجاج  .

وهناك كلام كثير في شخصية الحجاج لا نستقصيه هنا ، ولكن نقف قليلاً لنرد على قتل ابن الزبير ، وكما قلنا أن السيدة أسماء لها كل الحق أن تسب وتلعن الحجاج لأنه قاتل ابنها ، ولكن نذكر بأن هناك ضغائن قبلية مورثة عند العرب ، قيل إن الحجاج قتل ابن الزبير أخذاً بثأر المختار بن أبى عبيد الثقفي ـ من قبيلة الحجاج ـ لأن الذي قتله هو مصعب بن الزبير بن العوام ، فهذه بتلك ، ولكن الرأي الذي نرجحه أن الحجاج نظر ـ وهو بلا شك ذو حدة ـ نظرة صادقة في أن الدولة الإسلامية كادت أن تتمزق بسبب وجود أكثر من خليفة يدعو لنفسه بالخلافة ، وهذا الأمر سوف لا يجعل لأمة الإسلام وحدة أو كياناً ، فوجود خليفة واحد لدولة موحدة حتى وإن كان ظالماً أفضل من وجود دويلات متهرئة وممزقة ـ كما نحن عليه الآن ـ أفضل ؟!! ، فهذه النظرة التي صرح بها الحجاج كثيراً تحسب له لا عليه ، فماذا نريد من رجل ـ حازم كالحجاج ـ  قتل أباه وهو يحارب مع ابن الزبير ـ ثم دفنه في ثقيف وكاد أن يقتل أخاه محمد بن يوسف ـ  من أجل توحيد كلمة المسلمين ، وأهدر دم ابن عمه لما علم أنه معتدى .

وما من مؤرخ إلا وقال عما أحدثه ابن الزبير إنها فتنة ، ولو كانت مسألة القتل الكثير يحاسب عليها الحجاج فلا يعفى منها أي واحد من أبناء الزبير بن العوام ، وخذ مثلاً ما قاله عبد الله بن عمر لمصعب بن الزبير حين لقيه فقال : من أنت فقال أنا ابن أخيك مصعب بن الزبير فقال له ابن عمر نعم أنت قاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة من أهل الكوفة بعدما أعطيتهم الأمان ، فقال له مصعب إنهم كانوا كفرة سحرة فقال ابن عمر والله لو قتلت عدلهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا !!!

أما ما قالته السيدة أسماء في الحجاج فهو قول صحابية جليلة لا شأن لها بالسياسة ولا الحروب ، وإنما هي سيدة فاضلة ـ رضي الله عنها ـ أشارت في مجمل كلامها عندما ذهب إليها ولدها عبد الله بن الزبير يشكو إليها تفرق الناس عنه حتى أولاده وما زال أهل مكة يخرجون إلى الحجاج بالأمان ويتركون ابن الزبير حتى خرج إليه أكثر من عشرة آلاف فأمنهم وقل أصحاب ابن الزبير جدا حتى خرج إلى الحجاج أقرب الناس إلى عبد الله بن الزبير واستسلما له وهما ولداه : حمزة وخبيب ابنا عبد الله ابن الزبير فأخذ لأنفسهما أمانا من الحجاج فأمنهما ودخل عبد الله بن الزبير على أمه فشكا إليها خذلان الناس له وخروجهم إلى الحجاج حتى أولاده وأهله وأنه لم يبق معه إلا اليسير ولم يبق لهم صبر ساعة والقوم يعطونني ما شئت من الدنيا فما رأيك فقالت يا بني أنت أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق فاصبر عليه فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك يلعب بها غلمان بني أمية وإن كنت تعلم أنك إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك وإن كنت على حق فما وهن الدين وإلى كم خلودكم في الدنيا ، القتل أحسن فدنا منها فقبل رأسها وقال هذا والله رأيي ثم قال والله ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله أن تستحل حرمته ولكنني أحببت أن أعلم رأيك فزدتينى بصيرة مع بصيرتي فانظري يا أماه فإني مقتول في يومي هذا فلا يشتد حزنك وسلمى الأمر لله فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر ولا عمل بفاحشة قط ولم يجر في حكم الله ولم يغدر في أمان ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد ولم يبلغني ظلم عن عامل فرضيته بل أنكرته ولم يكن عندي آثر من رضي ربى عز وجل اللهم إني لا أقول هذا تزكية لنفسي اللهم أنت أعلم بي منى ومن غيري ولكنى أقول ذلك تعزية لأمي لتسلو عنى ، فقالت أمه إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن تقدمتني أو تقدمتك ففي نفسي اخرج يا بني حتى أنظر ما يصير إليه أمرك فقال جزاك الله يا أماه خيرا فلا تدعى لي الدعاء قبل وبعد فقالت لا أدعه أبدا لمن قتل على باطل فلقد قتلت على حق ثم قالت اللهم ارحم طول ذلك القيام وذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة وبره بأبيه وبي اللهم إني قد سلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت فقابلني في عبد الله بن الزبير بثواب الصابرين الشاكرين ثم أخذته إليها فاحتضنته لتودعه واعتنقها ليودعها وكانت قد أضرت في آخر عمرها فوجدته لابسا درعا من حديد فقالت يا بني ما هذا لباس من يريد من الله الشهادة فقال يا أماه إنما لبسته لأطيب خاطرك وأسكن قلبك به فقالت لا يا بني ولكن انزعه فنزعه وجعل يلبس بقية ثيابه ويتشدد وهى تقول شمر ثيابك وجعل يتحفظ من أسفل ثيابه لئلا تبدو عورته إذا قتل وجعلت تذكره بأبيه الزبير وجده أبو بكر الصديق وجدته صفية بنت عبد المطلب وخالته عائشة زوج رسول الله وترجيه القدوم عليهما إذا هو قتل شهيدا ثم خرج من عندها فكان ذلك آخر عهده بها رضي الله عنهما وعن أبيه وأبيها قالوا وكان يخرج من باب المسجد الحرام وهناك خمسمائة فارس وراجل فيحمل عليهم فيتفرقون .

وماذا لو أن عبد الله اقتدى بالحسن وترك الأمر لعبد الملك وحقن الدماء في العراق والحجاز ، وإصرار عبد الله على القتال حتى الموت دل على انه رأى في نفسه انه صاحب الحق ، ولو أنه تأمل في موقف أصحابه ومنهم أبناؤه اللذين تركوه وبايعوا الحجاج فما أحراه إذن أن يترك الأمر ويكتفي بالأمان الذي أعطاه له الحجاج وعبد الملك فضلاً عن أن يؤمراه على أي البلاد يحبها ما عدا الحجاز

وأخذوا على الحجاج عند قدومه العراق دخل المسجد معتما بعمامة قد غطى أكثر وجهه متقلدا سيفا متوكئا قوسا فصعد المنبر وسكت ساعة حتى قال بعض الناس قبح الله بني أمية حين يستعملون مثل هذا على العراق ، فمن المعلوم أن أهل العراق كانوا قساة ولا يصلحهم إلا رجل حاسم حازم صارم لا قلب له مثل الحجاج ، فماذا تفعل الدولة مع قوم تركوا الحرب ضد أعدائها وكادت الدولة أن تسقط نهيبة للخوارج وغيرهم من المتمردين ، كان لابد أن يقول لهم : والله يأهل العراق إني أرى رءوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها فكأني أنظر إلى دماء فوق العمائم واللحى وإن أمير المؤمنين رماكم بي لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة واضطجعتم في مراقد الضلال والله لأحرصنكم حرص السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل فإنكم كأهلقرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) وإني والله ما قلت إلا وفيت ولا أهم إلا مضيت وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطياتكم وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب بن أبي صفرة

وإني أقسم بالله لا أجد رجلا يتخلف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه يا غلام اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين فقام الغلام وقال بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك بن مروان إلى من بالكوفة من المسلمين سلام عليكم ، فلم يقل أحد شيئا ولم يرد السلام على أمير المؤمنين ، فوقف الحجاج وقال قال يا غلام اكفف ثم خاطب العراقيين وقال محتداً : ويلكم يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون عليه هذا أدب ابن نهية أما والله لأؤدبنكم غير هذا اقرأ يا غلام فقرأ فردوا السلام جميعاً على أمير المؤمنين عبد الملك ، ثم نزل الحجاج ووضع للناس إعطياتهم ، ولكي يؤكد لهم أنه حازم وجاد في قوله جاءه رجل من أهل النفاق له جريرة كبيرة فقد شارك فى قتل سيدنا عثمان  وهو عمير بن ضابىء وهو شيخ كبير فقال له أيها الأمير إن بي من الضعف ما ترى وإن ابني هو أقوى على الأسفار مني أفتقبله بدلا مني فقال نفعل أيها الشيخ ، فلما ولى قيل له هذا عمير بن ضابئ البرجمي دخل على عثمان مقتولا فوطئ بطنه حتى كسر ضلعين من أضلاعه فقال أيها الشيخ هلا بعثت إلى أمير المؤمنين عثمان يوم الدار بدلا من أن تدخل عليه وتفعل ما فعلت ، فرأى الحجاج عظم فعلة عمرو بن ضابئ مع سيدنا عثمان ورأى أن يجعله عبرة لكل عراقي يتراخى عن قتال الخوارج وحتى لا يتقاعسوا عن الجهاد ، فالعراق تمثل بوابة الدولة الشرقية فقال لحارسه اقتلوا هذا الشيخ المنافق فو الله إن في قتله لصلاحا للمسلمين فقام الحرس من فوره فقطع رأسه أمام الحاضرين من العراقيين ، فكان في هذا دافعاً للعراقيين بأن ينجرفوا كالسيل آلافا مؤلفة لقتال الخوارج الأزارقة الذين كانوا يزلزلون أركان الدولة الإسلامية ، والخوارج لا يقلون عن الشيعة نفاقاً وتخريباً للدولة ، وكان فعل الحجاج هذا يحذر الناس عن التخلف إلى الخروج إلى قتال الخوارج  . 

أما عن قتل سعيد ابن جبير فلو قرأنا القصة بعين رجل الحرب والسياسة لا بعين رجل لا هم له سوى الكلام الإنشائي ، أو قل بعين الإنصاف لوجدنا أن سعيد بن جبير ـ مع احترامنا له كتابعي جليل وعالم كبير مخطئاً ـ وقد يحضرني مثال لهذا الأمر ، فقد كنت ألقى محاضرة عن مذبحة القلعة ، فقام أحد الطلاب وهو يقول لى : يا دكتور أليس ما فعله محمد على بالمماليك حراماً ؟ فقلت له : بمنظور التدين السطحى حرام ، ولكن قل لي يا بني : ماذا تفعل لو أن الدكتور قال لك إذا لم تقطع يدك فستموت ؟ قال : أقطعها ، قلت كذلك العضو الفاسد في الدولة والتي سيخربها مهما كان فقتله جائز شرعاً ، والمماليك في آخر حياتهم كانوا خونة ، كانوا سيسلمون البلد للإنجليز على طبق من فضة ، ولا يصح أن نفسر ما قام به محمد على أو غيره كالحجاج من منظور ضيق ، فالخوارج والعراقيون وغيرهم  ممن كانوا في عصر الحجاج كادوا أن يقوضوا الدولة الإسلامية ، وكذا المماليك كانوا كما يقول الجبرتي : " أرذل مخلوق في القطر " وكانوا يعيثون في الأرض الفساد ، وكان يجب أن يقتلوا جميعاً بحد الحرابة في الإسلام ، والمفهوم الخاطئ في الإسلام أن الناس يحسبون أن الإسلام يرفض القتل البتة ، بل الإسلام يحث على قتل العضو الفاسد ولذل قال تعالى : " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " أي أن هناك أنفساً يجب أن تقتل ولكن بالحق ، فأي حق أعظم عند الله من ترويع الآمنين وتخرب الأوطان والفساد في الأرض ، وهذا ما كان يستحقه المماليك .

واستكمالاً لقصة سعيد بن جبير التي تشدق بها الكثير ، فنحن لا ننكر على سعيد بن جبير علمه وفقهه وأنه من كبار التابعين إلا أنه من منظور سياسي تاريخي أخطاً ، لأن سعيد بايع عبد الملك بن مروان والحجاج ، ثم خرج على تلك البيعة وبايع متمرداً آخر على الخلافة ، بل هو خائن للدولة الإسلامية خيانة عظمى بعدما تعاون مع ملك الهياطلة ضد الدولة الإسلامية ، من هو هذا الخائن ؟ إنه عبد الرحمن بن الأشعث الكندي الذي ادعى الخلافة لنفسه كما فعل ابن الزبير من قبل ودعا بها لنفسه ، وليت سعيد أعلن تخلصه من البيعة ولزم داره ولم يبايع آخر بعدما عرف قصة خيانة وغدر عبد الرحمن بن الأشعث ، ولكن عندما انهزم ابن الأشعث يوم دير الجماجم هرب سعيد بن جبير إلى مكة فأخذه خالد بن عبد الله القسري وكان عاملا للوليد عليها فبعثه إلى الحجاج فقال له الحجاج يا شقي بن كسير ألم أولك القضاء فضج أهل الكوفة وقالوا لا يصلح القضاء إلا لعربي فاستقضيت أبا بردة وامرأته أن لا يقطع أمرا دونك قال بلى قال أوما أعطيتك من المال كذا وكذا لتفرقه في ذوي الفاقات وذوي الحاجات ثم لم أسألك عن شيء منه ؟!! قال بلى قال فما أخرجك علي ؟ قال سعيد بن جبير : بيعة كانت لابن الأشعث في عنقي ، فقال الحجاج : أو ما كانت بيعة أمير المؤمنين عبد الملك أولى بك بعدما بايعته من قبل بها ثم نكثت ، والله لأقتلنك بها ـ أي بسبب غدرك ونكثك البيعة لعبد الملك ـ فاعتذر سعيد رحمه الله وتضرع واسترحم الحجاج بصغار بناته ولكن الحجاج قال لسعيد غير قابل للاسترحام : اختر أي قتلة شئت ؟ فلما يئس سعيد من عفوه قال له : بل اختر أنت لنفسك فإن القصاص أمامك فقتله ، ثم لم ينتفع الحجاج بعده بعيش إلى أن مات .

وتروى كتب التاريخ أن الحجاج كان يعلم تحركات سعيد من بلد إلى آخر ، ولكنه سكت عنه لأنه كان يتحرج من قتله ، بيد أن كان أقسم أن لو وقعت عيناه على سعيد ليقتلنه ، وكان الحجاج إذا أقسم أبر حتى وإن كانت يمينه وقسمه فيه قطيعة رحم ، ولم يعهد على الحجاج أن يكذب قط رغم جوره ولم يسجل عليه أعداؤه الكذب رغم كثرتهم ، والدليل على تحرجه أنه أصيب بمرض الصرع ـ الهلوسة ـ بسبب قتله ابن جبير ، وكان يفزع من نومه ويقول : ما لي وسعيد ابن جبير ... ومالي وسعيد بن جبير !!! 

وما قول المؤرخين في الحجاج الذين بدأت حركة الفتوح الإسلامية حتى وصلت إلى الصين ثم إلى المغرب حتى بلغت فرنسا ، وقد بعث الحجاج بابن أخيه محمد بن القاسم يجاهد في بلاد الهند ويفتح مدنها في طائفة من جيش العراق وغيرهم وموسى بن نضير يجاهد في بلاد العرب ويفتح مدنها وأقاليمها في جيوش الديار المصرية وغيرها ، وكل هذه النواحي إنما دخل أهلها في الإسلام وتركوا عبادة الأوثان ، وقبل ذلك قد كان الصحابة في زمن عمر وعثمان  فتحوا غالبية هذه النواحي ودخلوا في مبانيها بعد هذه الأقاليم الكبار مثل الشام ومصر والعراق واليمن وأوائل بلاد الترك ودخلوا إلى ما وراء النهر وأوائل بلاد المغرب وأوائل بلاد الهند ، ولما توفى الحجاج تقلصت حركة الفتوحات الإسلامية بشهادة كل المؤرخين شرقاً وغرباً ، وكان عبد الملك بن مروان يقول : الحجاج لحمة ما بين عيني وأنفى ، وكان الوليد بن عبد الملك يكره الحجاج في أول الأمر ، ولكنه لما رأى ـ عندما أصبح خليفة ـ الدور الذي لعبه الحجاج في تأمين الدولة الإسلامية كان يقول : الحجاج لحمة وجهي كله .

وماذا يقول المؤرخون في رجل كالحجاج عندما أصيب بمرض السل وأوشك على الموت أخرج منادياً ينادى : أن الحجاج يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن ولائه لأمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك !!!

وماذا يقول المؤرخون في الحجاج الذي قال عنه عمر بن عبد العزيز : ما غبطت أحداً غبطتي للحجاج بن يوسف الذي كان لا يدع القرآن من بين يديه ، وكان يتلوه كله في كل يوم مرة ؟! وماذا يقول هؤلاء الخطباء الذين يلوكون على المنابر بما لا يدرسون من أن الحجاج كان وقافاً عند كتاب الله ولا يحيد عنه وبشهادة كبار التابعين مثل عبد الله بن المبارك ، وكان الحسن البصري يقول ما أبكاني أحد في خطبه مثل الحجاج ، فكان الحجاج يبكى ويبكى من حوله ، وكانت لا تفوته صلاة في سلم أو حرب ، في حضر أو سفر ، فكان حازماً مع نفسه ومع أهله ومع أقرب المقربين إليه ، فإذا جاروا نقم منهم ، ولولا شفاعة عمر بن عبد العزيز لأخيه محمد بن يوسف الثقفي فقد كاد أن يقتله ويصادر ماله لما استراب في أمواله

ومن علامات صلاح الحجاج وقبوله عند الله ـ وهو أعلم بعباده ـ أنه أي الحجاج دعا الله تعالى دعاءً حاراً استجاب الله له فقال : اللهم  إن كنت قدرت عندك في أم الكتاب أن الوليد بن عبد الملك يموت فاجعلني أموت قبله ولا تمكن مسلمة بن عبد الملك ـ وكان مسلمة ولياً للعهد ـ من رقبتي ـ لأن الاثنين كانا متكارهين ـ لأني أريد أن ألقاك بكلى ، واستجاب الله لدعاء الحجاج ـ الرجل الظالم كما يقول الناس ـ ومات قبل الخليفة الوليد بن عبد الملك .

فالحجاج عالم قدير ، وسياسي خطير ، ومحارب مبير ، وتابعي كبير ، فقد حضر على كثير من الصحابة العلم ، ولكن هذا هو حال كل من يشتغل بالسياسة ، فلابد أن يتهم في شرفه ويتهم فى عرضه ودينه مهما كان فضله وأثره ، ولولا السياسة لرأيتم من هو الحجاج ؟ وعلى أية حال فقد أثبت الرجل أنه ناجح في عمله وقد أفضى إلى ما قدم ، والله محاسبة ، فموبقه أو معتقه ، وقديماً قالوا السياسة عقيم لا تعرف رحماً أي أن من يعمل بالسياسة فلابد أن يتجرد من كل شيء ، كالميزان ، فلا ينحاز إلى قريب أو إلى صديق ، وإلا .....

قبح الله السياسة ، ورحم الله الحجاج بن يوسف الثقفي ورضي الله عنه وعن كل من حافظ على أركان الدولة الإسلامية ، ولا سامح الله المؤرخين والأدباء الجهلاء اللذين شوهوا صورة هذا الرجل العظيم الحجاج بن يوسف الثقفي الظالم المظلوم .

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر