رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار

الاشراف والقبائل العربية

الشعوبية وتزوير التاريخ الإسلامي

الخميس 29/ديسمبر/2016 - 11:57 م
صدى العرب
طباعة
بقلم .. دكتور أحمد حسين النمكى ..


الشعوبية لون من التيارات السياسية الخفية التي كانت ـ وما زالت ـ تظهر في الدولة الإسلامية حال ضعفها ، وهذه التيارات كانت معارضة للدولة الإسلامية على خط مستقيم ، فهي تعارض في الدولة حقيقة الحكم العربي والإسلامي . فالشعوبية تنظير جماعي خفي ينتهج الهجوم على الإسلام ـ مثل العلمانيين اليوم ـ وهؤلاء كرسوا كل جهودهم من أجل الهجوم على الإسلام والطعن في ثوابته وتخريب الثقافات الإسلامية ، ونظروا إلى الإسلام على أنه دين قومي ـ عربي ـ وليس ديناً عالمياً .

كذلك كان الشعوبيون يشعرون بأن الخضوع لهذا الدين هو في حقيقة الأمر خضوع للعرب وليس للإسلام ، ومن ثن أخذوا في إثارة الفتن التي تقوم على تحريك العنصرية والطائفية ، ووضعوا الخطط التي تفتت الوحدة الإسلامية وتعمل على فصل المسلمين عن واقعهم التاريخي .

وقد ظهرت الشعوبية نتيجة للفتوحات الإسلامية في بلاد المشرق والمغرب ولكنها لم تكن واضحة المعالم في عصر الخلفاء الراشدين ، بل ظهرت في عصر بني أمية ثم في عصر العباسيين ، ونظراً للاختلاط الشديد بين العرب والعناصر غير العربية في العصر العباسي فقد ظهرت الشعوبية واضحة المعالم ، وكانت تهدف إلى ضرب الحكم العربي (الخلافة) ومن ثم ضرب الإسلام باعتباره الدعامة التي يستند إليها الحكم العربي .

الجدير بالذكر أن حركة الشعوبية كانت بداية أمرها في العصر الأموي تطلب المساواة بين العرب وغيرهم من العجم في الأعمال والوظائف الإدارية والمناصب الحكومية ، ومن ثم ظهرت حركة الموالى في العصر الأموي وهى حركة شعوبية أرادت القضاء على الإسلام ولكن تحت شعار المساواة .

والواقع أن الشعوبيين وجدوا في حركة الموالى فرصتهم سانحة فاندسوا بينهم وأحكموا تسترهم حتى لا ينكشف أمرهم أمام السلطات الأموية ، ثم كشفوا عن أنفسهم في العصر العباسي في صور شتى من الحركات والثورات

ومن عجيب الأمر أن حركة الشعوبية ظهرت في أول أمرها على أرض عربية وليست أعجمية ، إنها بلاد العراق أول مهد للشعوبية ، وكان من المعقول أن يكون ميلاد تلك الحركات الهدامة في بلاد فارس أو غيرها ، ولكن لما كان العراق بحكم موقعها بعيدة عن مركز الخلافة الأموية في دمشق فقد تيسر لتلك الشعوبية أن تبيض وتفرخ كما تشاء .

أضف إلى ذلك أن حركة التوابين بزعامة المختار بن أبى عبيد الثقفي كانت في ظاهرها حركة شيعية تهدف إلى الثأر لدم الحسين بن على رضي الله عنهما ولكنها في حقيقة الأمر شاركت في توهج وإزكاء حركة الموالى ضد الدولة الأموية وهى تريد القضاء على الحكم الأموي متذرعة بتفسير شيعي خاطئ أن خلفاء بني أمية ليسوا على الإسلام ـ كفار ـ لأنهم قتلوا الحسين ، وما زالت تلك الأيدلوجيات مسيطرة على الفكر الشيعي بل وتوقفت عنده فلم يتزحزح الفكر الشيعي عن حادثة كربلاء قيد أنملة .

كذلك شارك الشعوبيون في حركة عبد الرحمن بن الأشعث الكندي الذي حاول الخروج على بني أمية والانقلاب على حكمهم فكانت حركته فرصة سانحة للشعوبيين للقضاء على الحكم العربي ولكن فشلت تلك الحركة على يد الحجاج بن يوسف الثقفي .

ولك ـ أيها القارئ العزيز ـ أن تعجب من العرب أنفسهم الذين ساهموا في إشراك الشعوبيين للوقوف معهم في الثورات ضد الخلافة الإسلامية سواء علموا بنيات الشعوبيين التي تهدف إلى القضاء على الإسلام أو لم يعلموا ، فهم يريدون الاستفادة بهم في الحركات الثورية على أي حال ، وكل فريق منهم له دوافعه ، لأن المصلحة واحدة

كذلك ساهم الشيعة ـ وما زالوا يساهمون ـ مع الشعوبيين في الطعن على بني أمية ، وظاهر الأمر أنهم يدعون ـ كما في العصر العباسي ـ للرضا من آل محمد ، وفى حقيقة الأمر فهم يريدون القضاء على بني أمية ويخفون هدفهم الأكبر وهو القضاء على الإسلام .

لم تقتصر حركة الشعوبيين على بلاد العراق وحسب ، بل انتشرت في بلاد الإسلام من العراق إلى بلاد الأندلس ، ثم فارس ، فكانوا يمثلون الحزب المعرض الخفي الذي لم يعلن عن نفسه إلا إذا كان هناك من يشجعه على الظهور أو المشاركة ، مثلما حدث في ثورة المقنع الخراساني (159هـ ـ 163هـ) وبابك الخرمى (201 هـ ـ 223هـ) . 

وكان أصحاب هذه الحركات يتسترون وراء الإسلام ولكن حركاتهم كانت شعوبية قلباً وقالباً ـ وإن كانت تتوارى وراء الإسلام ولكن حركاتهم كانت شعوبية قلباً وقالباً ، هذا فضلاً عن الحركات السرية التي كانت تعمل على هدم الخلافة والثورة على الإسلام ، ولعل الشعوبية ـ كالعلمانية والإلحادية اليوم ـ تهدف إلى تخريب معنويات المجتمع المسلم وزعزعة العقيدة في نفوس المسلمين .

لم يكن الشعوبيون مجرد أناس تحركهم الضغائن والأحقاد على الإسلام الذي فتح بلادهم ، وأقصد أنهم لم يكونوا مجرد رجال لا حظ لهم من العلم أو الجاه في البلاد الإسلامية ، بل كانوا ذوى خطر وسلطان كبير ، ولا نكون مغالين إذا قلنا أنهم كانوا ذوى أقلام مؤثرة وعقول جبارة ، فمنهم كتاب وأمراء ووزراء كانوا يساهمون في دعم تلك الحركة تحت أي غطاء أو ستار ، بل كانوا يدعمون كل فكر يرون أنه يساعد على هدم الإسلام كالباطنية وغيرهم ، ولكن لسوء حظهم ما زال الإسلام يحظى ببعض المخلصين له من أهل العلم فكانوا لهم بالمرصاد ، فكشفوا أمرهم وخباياهم .

وعلى هذا النحو فإن الشعوبية حركة متعددة الأغراض والاتجاهات ، جمعت بين أفرادها أهداف واحدة ، فعملوا على تحقيقها وتنفيذها تحت أي شعار أو وراء أي ستار ، فهي ثمرة جهد كبير وعمل كثيف وشعوب متعددة الأجناس والثقافات والأهواء ، اندفعت بكل حمية ثأراً لأقوامهم وتراثهم الذي ظنوا أنه ضاع وأهدر على يد العرب الفاتحين ، فعملوا في المقابل على نسف التراث الإسلامي وإضعاف الإسلام

وما من شك أن تلك التيارات مثل الميكروبات الفتاكة التي لا تنشط إلا في الجسم المريض الذي فقد المناعة ، فعندما كانت الدولة قوية ـ كما هو الحال في العصر العباسي الأول ـ فقد قضت الدولة على تلك التيارات ( الشعوبية وغيرها) بكل شدة ، وخرجت الشعوب العربية والإسلام أكثر قوة وصلابة .

كانت الشعوبية قد دخلت من باب واسع إلى الملتقى الثقافي وذلك عن طريق الاطلاع على الثقافات الأخرى وحضارات الشعوب المغايرة ، فانفتح الباب على مصراعيه لنقل التراث الفارسي والروماني الممتلئ بالثقافات التي تحمل الإلحاد والخروج على مقتضيات الإيمان في صورة الحرية الفكرية .  

والواقع أن الخلافة العباسية انزلقت وراء كثير من هؤلاء المخادعين من الشعوبيين والزنادقة الذين تستروا وراء الثقافات العالمية ، وحاولوا تغليب الثقافات غير العربية على الثقافات العربية والإسلامية لكي يخلفوا جيلاً يدين لغير العرب والإسلام بالولاء والطاعة ، أو على أقل تقدير أن يجعلوا الأجيال القادمة تتعاطف معهم بحكم الثقافات المغايرة التي تربوا عليها

والشعوبيون في غالب الأمر يحيطون دعوتهم بشيء من الغموض بحيث لا تتضح إلا لدى النبيه الحصيف ، فالحذر رائدهم دائماً .

كان الخوارج ـ الذين يؤمنون بفكرة المساواة بين المسلمين جميعاً في شأن الخلافة ـ فهم يرون أن الخلافة ليست حكراً لأبناء على بن أبى طالب رضي الله عنه خاصة ولا لقريش عامة ، ومن هذا المنطلق كانت فرقتهم تمثل فرصة سانحة للشعوبيين الذين دخلوا في حركة الموالى التي قامت في حقيقة الأمر على المطالبة بمبدأ المساواة بين المسلمين .

لقد كان للكتاب الشعوبيين دور هام في العصر العباسي الأول ، فقد كانت الدواوين الخاصة بالخراج والنفقات وغيرها تعج بالشعوبيين ، أي الذين لا يؤمنون بالإسلام ديناً ، وهؤلاء استمروا في احتكار الكتابة باللغة الفارسية إلى أن تعربت الدواوين في العراق في ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي ، ولاشك أن الحجاج كان صاحب فكرة التعريب لما وجده من خيانات هؤلاء الشعوبيين ضد الإسلام ولما وقف عليه الحجاج من نياتهم في هدم الإسلام وتخريب المجتمع المسلم .

هل يصدق أحد أن المربى والمؤدب للخليفة الأموي مروان بن محمد ـ آخر خلفاء بني أمية ـ هو الجعد بن درهم ـ أشهر زنديق في التاريخ ، ومن انكشف أمره وعاداته للإسلام !! 

إن أكبر الكتاب ومن زيفوا التاريخ الأدبي في عصري ـ بني أمية والعباسيين ـ وهم حماد الراوية ، وحماد عجرد ، وحماد بن الزبرقان ، وكان هؤلاء الثلاثة ممن اتهموا بالزندقة والخلاعة . فقد كان حماد الراوية منسلخاً من الدين ، ناقماً على أهل الإسلام ، مدمناًُ للخمر وارتكاب الفواحش والفجور ، وهو نفسه الذي لعب دوراً في إفساد الشعر العربي ، وأكثر رجل أضر بالشعر العربي ، فكذب وروى ونسب القصائد المنحولة إلى غير أهلها ، فكانت المحنة الكبرى للشعر العربي على يد هذا الشعوبي .

ويقول خلف الأحمر : كنت آخذ من حماد الراوية الصحيح من أشعار العرب وأعطيه المنحول فيقبل ذلك منى ويدخله في أشعارها ، وفى نفس الوقت عرف خلف الأحمر بتزييف الشعر .

كان هؤلاء الشعوبيون يتمسكون بتراثهم الفارسي أو المجوسي ، ثم يتسترون باسم الإسلام ويدخلون في التراث الإسلامي ما يخالف لبه وحقيقته ، وأكثر القائلين بالإمامة ـ في الفكر الشيعي ـ كانوا من الغلاة الشعوبيين ، وهم أنفسهم كانوا أصحاب الدعوة العباسية ، فالدعوة العباسية كانت في بداية أمرها سيوظفها الشعوبيون ضد الإسلام وإن كان شعارها " الرضا من آل محمد " ولكن بعد أن تنجح الثورة الفارسية تحت هذا الشعار سيكون من السهل تغيير أو إلغاء هذا الشعار واستبداله بشعار آخر ، ولكن العباسيين لم يعطوهم الفرصة للقيام بهذا العمل ، فقد تلقفوها من الفرس تلقف الكرة وضيعوا عليهم فكرة إحياء الدولة الفارسية المجوسية ـ التي ما زالوا يحلمون بها ـ تحت شعار إسلامي .

                                                                   ( ونكمل ) .  

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر