صدى العرب : راعي النصيفة سالم (طباعة)
راعي النصيفة سالم
آخر تحديث: الأربعاء 18/08/2021 11:30 ص
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي
من منّا لا ينشد الحرص على الكمال مع أن الكمال لله وحده، ولكننا كبشر نحرص على أن تكون أعمالنا مكتملة الأركان وتتسم بالإتقان ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً فقد قال الشاعر أبوالبقاء الرندي الأندلسي 601هـ - 684 هـ الموافق 1204م - 1285م:

لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ

فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ

هي الأمور كما شاهدتها دُولٌ

مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ 

وهذه الدار لا تُبقي على أحدٍ

ولا يدوم على حالٍ لها شان

فقد كان أصحاب موروثنا الشعبي مدركين بنظرتهم إمكانية القناعة والرضا والسعي الحثيث للاكتفاء بالقليل الضروري لحياتنا وتصرفاتنا التي قد تقودنا إلى ما يلبي الحاجة ولو قليلة ساعتها إلى أن يقدر الله سبحانه وتعالى لنا الأمور التي ترضي وتطيب خاطرنا ونرضى بقضاء الله وقدره.

قد تتباين وجهات النظر بين المتخاصمين كأفراد أو جماعات، ويأتي حكيم بينهم فيسدي لهم النصيحة الخالصة، ويجد ضمن اجتهاده إنه لا يمكن تحقيق كل شيء لدى الطرفين المتخاصمين، فنجدهم يقولون للاثنين أو أكثر: «راعي النصيفة سالم» أي إذا كان بالإمكان تحقيق ما يعتبر نصف الشيء المراد فإن ذلك يرضي الطموح ويدخل إلى النفس القناعة فيصبح الصلح بين الاثنين المتخاصمين مقبولاً ويسلم كل طرف من الأذى، فالكل يخرج من المأزق سالمًا معافى...

وقد توسّع أهلنا الأقدمون في استخدام هذا المثل عندما تضيق بهم سبل العيش سواء على مستوى أسرتهم الصغيرة أو مستوى المجتمع، وهي قيم مجتمعية سمتها القناعة والرضا واللجوء إلى أقوال تطيب الخاطر وترضى الضمير، فيأخذ المستمع بها وتقر نفسه، ويطيب خاطره ولو بعد حين.

إن من شروط من يرضى بهذا المثل هو أن تكون في ذاته بذرة التفاهم والاستماع إلى صوت العقل والحكمة؛ وأن المصلحة متحققة في التفاهم والتعاون على حل سوء التفاهم. كانت بعض الشراكة في مشاريع تجارية أو خدمية تتعرض لمشاكل من سوء التفاهم بما يهدد الشراكة القائمة فيؤثر على النجاح والتفوق إذا الكل نظر إلى مصلحته الشخصية، ولذلك قيل أيضًا في أمثالنا «الشراكة شرباكه» وهذا لا يعني عدم وجود شراكة ناجحة، وشركاء على درجة من الوعي والإدراك ما يجعل سفينة مشاريعهم المشتركة ناجحة ومتفوقة، وأحسب أنهم يأتي إليهم ذلك اليوم الذي يقولون فيه «راعي النصيفة سالم».

ونحن في وقتنا الحاضر نمر بجائحة كورونا «كوفيد-19» تأثرت نتيجة تداعياتها مصالح الناس جميعًا ونحن نشعر بأهمية الحفاظ على قيمة «راعي النصيفة سالم» لكي نحفظ سير وتيرة المشاريع والشركات وبما يحقق طموح المستثمرين أو القائم بتجارته منفردًا ولكن طبعًا له علاقات مع زبائن وشركاء في الخدمات الضرورية التي تتطلب التفاهم عليها ومن بين ذلك الصبر وبما يحفظ على سير التجارة أو المصلحة بالخير ويجنبها مخاطر الإفلاس أو التصفية لا سمح الله. 

عندما تتهددنا المخاطر من الطبيعة أو من سوء تصرف الآخرين لابد من اللجوء إلى ما يرضي النفس والخاطر والصبر على الظروف التي نمر بها والسير بسفينة الأسرة إلى برّ الأمان.

لقد عاش مجتمعنا في ظروف قاسية كان البحر طريقهم إلى كسب العيش لكن البحر ليس دائمًا معطاءً؛ إضافة إلى الظروف الجوية والمناخية التي تحول دون الإبحار، فكان اهتمامهم بالزراعة وخصوصًا النخيل؛ لأن الله سبحانه وتعالى حبانا بأنواع شتى من النخيل وثمارها، بحيث يعم خيرها، بالإضافة إلى المحافظة على التمر ليكون هو الغذاء على مدى العام.. وكون مجتمعنا معطاءً فقد برع مواطنونا بالتجارة البينية وعندما أنشئت المصارف المالية وجدنا براعة المواطنين في أن تكون بلادنا والحمد لله مركزًا ماليًا مرموقًا وأنشأت المصارف العالمية التجارية، بالإضافة إلى بنوك الأفشور، وبات المواطنون على درجة من الوعي المصرفي بما يدعم السوق المحلي والخليجي والعربي ويستفيد من تجارب البنوك العالمية، بالإضافة إلى الاهتمام بالخدمات وتنويع الاقتصاد والاهتمام بالصناعة وبما يحفظ التنوع الاقتصادي والتطلع إلى رؤية 2030م التي نادى بها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه ولقيتْ هذه الدعوة الدعم والمؤازرة من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه.

إن البلدان الحيوية هي التي تتطلع إلى عطاء رجالها المخلصين وتفانيهم لخدمة مصالح أوطانهم والسهر على أن يكون النجاح حليف مشاريعهم المتعددة وبما يخدم الوطن والمواطنين، فبالرغم من قناعتنا بأن «راعي النصيفة سالم» لكن هذا لا يمنعنا من البذل والعطاء من أجل بلوغ الأهداف السامية التي تحفظ للوطن مكانته وبذله وعطاءه لخير المواطنين، وأن يبقى الوطن في مقدمة الصفوف في كل المجالات المشروعة التي تحفظ سمعته ومكانته المرموقة.

 

وعلى الخير والمحبة نلتقي..