صدى العرب : زراعَةُ الْأَعْضَاءِ بَيْنَ التَّبَرُّعِ الْمَحْمُودِ وَالْاِتِّجَارِ الْمَذْمُومِ (طباعة)
زراعَةُ الْأَعْضَاءِ بَيْنَ التَّبَرُّعِ الْمَحْمُودِ وَالْاِتِّجَارِ الْمَذْمُومِ
آخر تحديث: الخميس 29/07/2021 12:38 م
د. هايدي عيسى د. هايدي عيسى
(3): شروط نقل الأعضاء البشرية ذات الطابع الدولي

لقد بينت المقالة السابقة الشروط القانونية العامة التي يتعيَّن أن تسبق القيام بعمليات زرع الأعضاء ونقلها كفكرة مجردة وكشروط عامة مسبقة، والأمر في هذه المقالة مختلف ففكرتها هو أنه - وعلى الأغلب - تتلقى الدول طلبات الأجانب لزرع الأعضاء فيها؛ وهنا يُثار التساؤل عن وضع المواطنين في هذا الخصوص في مواجهة الرعايا الأجانب وبوضوح أكثر مدى إمكانية تبرع المواطن المصري بأعضائه لأجنبي؟ وهو شأن كَثُرت في شأنه الأقاويل، وجاء مضمون هذه المقالة ليكشف الستار عن هذه المسائل.
ودعونا نتفق في البداية على أن مسألة استئصال الأعضاء البشرية وزرعها كما تحمل بين طياتها أوجه إيجابية وأخرى سلبية؛ فهناك أيضًا إمكانية لأن يكون أي من المتبرع أو المتلقي غير مصري. وحرصًا على أن تُجرى مثل هذه العمليات في إطار قانوني مناسب يحمي حقوق المواطنين المصريين المتبرعين تحديدًا ، وبخاصة في ظل ما هو معروف من عمليات غير مشروعة قد تتم نظرًا لحاجة البعض إلى المال وهوما قد يضطره إلى بيع جزء من جسده، كما سبق وفصلنا في أول مقالة من سلسلة زراعة الأعضاء هذه.
وتبدو أهمية الوقوف عند مسألة ضوابط وشروط نقل الأعضاء البشرية ذات الطابع الدولي تحديدًا في ظل ما تعلق بها من مناقشات متعددة، من ذلك مثلا ًموقف الولايات المتحدة الأمريكية؛ بعدما اتجه بعض الفقه الأمريكي إلى تبرير عدم أحقيَّة الأجانب في الحصول على الأعضاء البشرية المُتبرع بها ممن يحملون الجنسية الأمريكية؛ على اعتبار أن هؤلاء الأجانب – وإن كانوا بحاجة للزرع- إلَّا أنهم ليسوا مواطنين أمريكيين؛ إذ سيكون من الظلم السماح لهم بأن يشاركوا المواطنين الأمريكيين هذا المورد الشحيح (أي الأعضاء البشرية المتبرع بها من المواطنين الأمريكيين).
وعليه كان هدف هذه المقالة هو تسليط الضوء على شروط نقل الأعضاء البشرية ذات الطابع الدولي، ولكن من منظور القانون المصري خصوصًا. وبداية فهذه المسألة يحكمها مبدأ واستثناء؛ فالمبدأ هو: حظر زراعة الأعضاء بين المصريين والأجانب، أما الاستثناء فهو: جواز النقل بين المصريين والأجانب. 
وهذا يعني أن نقل الأعضاء البشرية بين المواطنين المصريين والأجانب يخضع لأصل عام؛ فحواه حظر التبرع بينهم، ولا يُخرَج عن هذا المبدأ إلَّا استثناءات ثلاثة نصَّ عليها قانون زرع الأعضاء كفروض محدَّدة وبحسب شروط لازمة. وفي الأمر مزيد من التفصيل سيلي بيانه وقوفًا عند المبدأ ثم الاستثناءات.
فبالنسبة للمبدأ؛ فتخضع فكرة نقل الأعضاء بين الأجانب إلى أصلٍ عامٍّ فحواه: حظر زراعة الأعضاء بين المصريين والأجانب، بمعنى (اشتراط وجود صلة قرابة بين المصريين أو جنسية مشتركة) بين المتبرع والمتلقي، وبالتالي اشترط أن يكون النقل من مصريين إلى مصريين كأصل عام، وما يرد عليه من استثناءات ينبغي أن يكون وفقًا لما هو منصوص عليه قانونًا.
وبالرجوع إلى موقف القانون المصري بشأن زراعة الأعضاء رقم 5 لسنة 2010 واتباعًا للأصل العام الوارد في هذا الخصوص فإنه يلزم وجود صلة بين المتبرع بالعضو حال حياته والمتلقي، وهو ما نصت عليه صراحة المادة الرابعة من القانون المذكور من أنه: "لا يجوز نقل أيِّ عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي لزرعه في جسم إنسان آخر، إلا إذا كان ذلك على سبيل التبرع فيما بين الأقارب من المصريين".
وكأنَّ الوضع هنا ذو شقين؛ الأول: أن يكون نقل الأعضاء على سبيل التبرع، والثاني: ضرورة وجود صلة قرابة بين المتبرع والمتلقي.
فأما بالنسبة للأمر الأول المتعلق باشتراط: أن يكون نقل الأعضاء على سبيل التبرع؛ فهذا يثير أمران: الأول: الإرادة الحرة للمتبرع كي يكون التبرع صحيحًا، والثاني: مدى جواز استقطاع الأعضاء من ناقصي الأهلية وعديميها.
وبالنسبة للأمر الأول؛ فصحة التبرع ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصدور هذا الأخير من شخص يملك الحق بداءةً في التبرع، وإلَّا فعدم قدرة الشخص على التبرع يولِّد الحاجة إلى بيان الوضع القانوني حينئذ؛ فمن المعلوم أنَّ الدافع وراء اشتراط التبرع هو دفع شبهة الإتجار بالبشر، كما أنَّ جسم الإنسان خارجٌ ـ بحسب الأصل ـ من دائرة التعامل؛ وآية ذلك أنَّ هناك تصرفاتٍ تتعلق بجسم الإنسان تصح إذا كانت بغير عوض وتبطل إذا كانت بعوض؛ فإذا كان لا يجوز للشخص أن يبيع جثته أو عضوًا من أعضائه، إلَّا أنَّ التبرُّع بالجثة أو بأحد الأعضاء جائزٌ وفقًا لقيود وشروط وإجراءات محدَّدة يتعيَّن الامتثال لها من الناحية الشرعية والقانونية والطبية.
وإلَّا فإذا لم تصطبغ العلاقة بالطابع التبرعي؛ فبمقتضى المنطق ما الذي يدفع شخصًا ما لاستقطاع جزء من جسده ليعطيه لشخص آخر لا تربطهما صلة قرابة أو جنسية مشتركة؟ لعلَّ الجواب واضحٌ، وهو أنَّ المال جمعهما؛ فالشخص الثاني (المتلقي) في المثال السابق ثري معه من المال ما يشتري به أعضاء أو بالأحرى صحة الآخرين، بينما الشخص الأول (المتبرع) فقير بحاجة للمال، ومن ضيق ذات اليد اضطر ـ في الخفاء ـ لبيع جزءٍ من جسده أو ربما من جسد أبنائه الصغار في بعض الأحوال.
أما عن الأمر الثاني المتعلق بمدى جواز استقطاع الأعضاء من ناقصي الأهلية وعديميها؛ فهى مسألة اختلفت مواقف التشريعات في خصوصها ما بين رافض بشكل مطلق، ورافض بشكل استثنائي؛ فمن التشريعات  نجد تلك التي لم تُجز للقاصر أو لغير كامل الأهلية التصرف في عضو من أعضاء جسمه، ولو بموافقة ممثله القانوني كموقف المقنن الأردني، الجزائري، والسوري، والكويتي؛ فكل التشريعات المذكورة اشترطت أن يكون المتبرِّع كامل الأهلية قانونًا؛ وبالتالي فهي لم تُجز لا للقاصر ولا لعديم الأهلية أو ناقصها أن يقوم بالتصرف في أيٍّ من أعضاء جسمه أو جزء منها ولو بموافقة ممثله القانوني.
أما بالنسبة للتشريعات التي حظرت استقطاع الأعضاء من ناقصي الأهلية وعديمها على سبيل الاستثناء، فهى وإن نصَّت على حظر استقطاع الأعضاء منهم، من حيث الأصل، إلا أنها نصَّت على استثناء يَرِدُ على هذا الأصل؛ مضمونه: إجازة الاستقطاع من ناقص الأهلية وعديمها إذا توافرت الشروط التي نصَّ عليها القانون، وهو موقف انتهجته عديد من التشريعات؛ ومن ذلك على سبيل المثال: موقف المشرع المصري والإماراتي والفرنسي.
فبالنسبة لموقف المشرع المصري على سبيل المثال نوضح به الفكرة؛ فقد نصَّت الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون زرع الأعضاء البشرية المصري رقم 5 لسنة 2010 على اشتراط كمال أهلية المتبرع؛ إذ "لا يُقبَل التبرع من الطفل، ولا يُعتدُّ بموافقة أبويه أو من له الولاية أو الوصاية عليه، كما لا يقبل التبرع من عديم الأهلية أو ناقصها ولا يعتد بموافقة من ينوب عنه أو بمن يمثله قانونًا".
وبناءً عليه، فالنص واضح في إقرار عدم قبول التبرع من الأطفال ولو حتى بموافقة الولي أو الوصي، وأيضًا في عدم قبول التبرع من غيرهم من عديمي الأهلية (المجنون والمعتوه)، أو ناقصيها (السفيه وذي الغفلة)، وبالتالي ينبغي أن يكون التبرع بالأعضاء صادرًا من شخص لديه أهلية الأداء الكاملة.
أما بالنسبة للأمر الثاني المتعلق بلزوم وجود قرابة بين المتبرِّع والمتلقي؛ فنص المادة الرابعة من القانون رقم 5 لسنة 2010 أن مضمونها لا يقتصر على قرابة الدم فقط، بل ينطبق على قرابة المصاهرة أيضًا، في ظل عموم لفظ "الأقارب" الوارد بالقانون المذكور، فوجود صلة قرابة دم أو مصاهرة، وبغض النظر عن درجتها هو سبب يجوز معه القيام بعملية التبرع.
وبالنسبة لشروط قبول التبرع للأقارب (قرابة الدم)؛ فعلى الرغم من أنَّ ظاهر النصوص الواردة بقانون زرع الأعضاء البشرية المصري رقم 5 لسنة 2010 يُبيِّن عدم ورود ما يفيد اشتراط درجة معينة من القرابة لجواز التبرع بحسب ما سبق القول، إلا أنَّ المقنن المصري لم يُطلِق زمام جواز التبرع بين الأقارب عن آخره، بل نُص بلائحته التنفيذية على ستة شروط قبول التبرع للأقارب: كألَّا يزيد سن المتبرع على 50 عامًا، وأن يكون المتبرع كامل الأهلية، ووجود توافق في الأنسجة وفصيلة الدم، وأن يتم إجراء كافة الفحوصات اللازمة لإثبات سلامة المتبرع وقدرته على التبرع وملاءمة العضو المتبرع به للمنقول إليه، واحتياج المنقول إليه إلى الزرع، وأن تكون عملية الزرع ذات فرص نجاح مقبولة طبقًا للقواعد العلمية والطبية المتعارف عليها، وأن يتم الزرع في أحد المنشآت الطبية المرخَّص لها بذلك طبقًا لأحكام قانون زرع الأعضاء البشرية ولائحته التنفيذية.
وها قد شرحت هذه المقالة المبدأ العام المعمول به في مسألة نقل الأعضاء بين المصريين والأجانب ألا وهو حظر نقل الأعضاء وزراعتها بينهم، وبقي مهمًا بيان الاستثناءات التي تجيز نقل الأعضاء البشرية من مصريين على أجانب، وهو ما ستُخصص له المقالة التالية والأخيرة في سلسلة زراعة الأعضاء.

(*) مدرس القانون الدولي الخاص كلية الحقوق - جامعة القاهرة