صدى العرب : أنا بعشق البحر (طباعة)
أنا بعشق البحر
آخر تحديث: الأربعاء 06/09/2017 12:25 ص
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي
لأننا أبناء جزيرة البحرين نعشق البحر ولأن طفولتنا تعلقت بالبحر، ولأننا أحفاد وأبناء رجال خاضوا البحر وأهواله بحثاً عن الرزق الحلال، وتنقلوا من مكان إلى آخر في زيارات للأهل والأصدقاء والمعارف حتى أقرب البلدان إلينا كنا نأخذ البحر وسيلة للتواصل... تعلقنا بالبحر ومنظره يخلب الألباب، نشتاق إليه عندما نبعد عنه منظره يعيد إلينا التوازن، زرقته وامتداده، هدؤه وصخبة مناظر مألوفة لدينا، وعندما غضب البحر وهاجت أمواجه في الستينات وتأثرت السفن العابرة وقتها، بل غرق بعضها وبعضها الآخر رمى حمولته في البحر منجاة لمن هم على ظهر هذه السفينة، ولشدة البرد وارتفاع الموج ماتت آلاف الأسماك من أنواع شتى الصغير والكبير وقذفت بها أمواج البحر إلى الشاطئ ... كان بيت جدي لأبي يرحمه الله محمد بن صالح الذوادي بالبديع مجاوراً للبحر بل لم يكن يفصلنا عن البحر سوى طريق ضيق وعندما هاج الموج قرب البحر من نوافذنا وكنا نحن أطفالاً مذعورين لولا إدخال الطمأنينة إلينا من قبل جدتي لأبي لطيفة بنت عامر بن حجي الذوادي يرحمها الله وأبي إبراهيم يرحمه الله وكانا يذكران الله ويحمدانه ويشكرانه على كل حال، ويشيران علينا بالهدوء لأن العاصفة ستهدأ وتعود المياه إلى مجاريها.

وفي الصباح وبعد أن هدأت العاصفة وجدنا أن البحر كان كالعادة معطاء، فقد امتلاء شاطئ البديع من الغرب إلى الشرق وحتى مسجد أبوصبح على الشاطئ بشتى أنواع البضائع التي ألقاها نؤاخذة السفن خشية الغرق، وكعادة سكان السواحل فإن ما يوجد على الشاطئ يعتبر من خيرات الله التي أفاء بها على عباده إلا إذا وجد المتضرر الذي يسأل عن شيء فقده عندها يكونون هم خير معين له ويسلمونه ما حصلوا عليه بطيب نفس وأريحية، فالساحليون مقتنعون بما رزقهم الله.

دارت تلك الأفكار والذكريات وأنا استمع في صبيحة أحد الأيام من إذاعة صوت العرب بالقاهرة إلى أغنية رائعة من الصوت الدافئ للمغنية نجاة الصغيرة المولودة في 11 أغسطس عام 1938م ونجاة الصغيرة «من أشهر رموز الموسيقى العربية في العصر الذهبي الخمسينيات والستينات من القرن العشرين، واعتزلت الغناء عام 2002م ثم عادت إلى الغناء بأغنية وحيدة في أول عام 2017م»، وأم وليد لازال صوتها يطرب الأذان ويدخل في الوجدان بدون استئذان، وتذاع أغانيها المتعددة في جميع الموجات الإذاعية.

والأغنية من كلمات شاعر العامية المصري الراحل عبدالرحيم منصور المتوفي عام 1984م وهي من ألحان هاني شنودة الملحن والموزع الموسيقي المصري من مواليد 1943م.

ولأن الأغنية تذكرني بالبحر وبالسماء وبالطريق وجدتني متفاعلاً معها ومنسجماً مع الأداء الرائع واللحن الشجي والكلمات الصادقة الأمينة وإذا نجاة الصغيرة تقتحم الهدوء الطبيعي والنفسي بهذا الأداء الغنائي الذي يضيف هدوءاً وخيالاً وانسجامًا بالقول:

أنا بعشق البحر زيك يا حبيبي حنون
وساعات زيك مجنون ومهاجر ومسافر
وساعات زيك حيران وساعات زيك زعلان
وساعات مليان بالصمت أنا بعشق البحر
ولمن عرف البحر وتأملت عيناه بزرقته ولا نهائياته يدرك كم هو هذا البحر موحياً وشاحذاً للخيال .. لتنتقل بنا نجاة الصغيرة إلى السماء الزرقاء الصافية فتقول:

أن بعشق السما علشان زيك مسمحا مزروعة نجوم وفرحة
وحبيبة وغريبة وعلشان زيك بعيدة
وساعات زيك قريبة بعيون متنغمة
أنا بعشق السما
وعندما تقف على الشاطئ فإنك لابد تجد هذا المنظر، حيث البحر في زرقته يماثل السماء بزرقتها، وعندما يغضب البحر تجد أن علامات هذا الغضب بارزة في منظر السماء..

وإذا بنجاة الصغيرة تنقلنا إلى الطريق وهو لا شك وسيلة المتنقلين إلى الشواطئ والإنفراد بالطبيعة والسماء الصافية فتقول:
أنا بعشق الطريق لأنو فيه لقانا
وفرحنا وشقانا وأصحابنا وشبابنا
وفيه ضحكة دموعنا وفيه بكية شموعنا
وضعفي للصديق
أنا بعشق الطريق
ونصل إلى ختام هذه الأغنية التي اجتمعت فيها إبداعات ثلاثة من بين أبرز من أخلصوا لفن الغناء، فتقول نجاة الصغيرة:
أنا بعشق البحر وبعشق السما وبعشق الطريق
لأنهم حياة وأنت يا حبيبي كل الحياة

قد نصاب بالإحباط، وقد نصاب بالملل وقد نصاب بضيق العيش، عندها نريد أن نتحدث لأي صديق يكتم أسرارنا ويسري علينا، ويأخذ بخاطرنا، وقد لا نجد هذا الصديق المؤتمن، ولكننا بالضرورة سنجد البحر ونجد السماء ونتأمل ونحن نحث الخطىء ذلك الطريق الموصل، ربما نحدث أنفسنا، وربما نفضي بمكنون الذات إلى البحر، ولا غرو إذا ما ناجينا السماء والتي هي من عجائب مخلوقات الله جلت قدرته، فالنفس تقر وتطمئن إلى منظر الماء قد يكون غيثاً أو نهراً أو عين ماء أو بحراً، فالتأمل في مخلوقات الله يريح النفس ويدخل الطمأنينة في القلوب، المهم أن نجد من وقتنا المتسع لهذا التأمل الذي أنصح به وربما أختم بصوت نجاة الصغيرة:

أنا بعشق البحر وبعشق السما وبعشق الطريق
لأنهم حياة وأنت يا حبيبي كل الحياة

وعلى الخير والمحبة نلتقي