صدى العرب : قصه التسلل الاسرائيلي ١٣ أكتوبر ١٩٧٣ (طباعة)
قصه التسلل الاسرائيلي ١٣ أكتوبر ١٩٧٣
آخر تحديث: الثلاثاء 27/10/2020 08:31 م
نزار السيسي نزار السيسي

كانت من أهم الأسئله التي أُثيرت إبان حرب أكتوبر ١٩٧٣ ما قصة هذا التسلل ..هذه الثغره ...التي استطاعت القوات الإسرائيلية منها  أن تنفذ عبر البحيرات المرة من شرق إلى غرب قناة السويس؟ ماذا حدث ؟ وكيف حدث ؟ 
في بدايه مقالتي أتحفظ فأقول انني لست خبيراً بالشئون العسكريه ولا متخصصا في علومها ولا فنونها ، وما كنت معاصرا لتلك الفتره بالتأكيد ... ولكني ولدت في عقلي فضولا شديدا للتعلم والبحث وخصوصا في تاريخ بلدي و(الهواية أشد غوايه من الاحتراف) .

بدأ هذا التسلل أو هذه الثغره الساعه الواحده وخمس دقائق من بعد ظهر يوم السبت الثالث عشر من أكتوبر ١٩٧٣، ‏في تلك اللحظة اخترقت المجال الجوي المصري طائرتان من طراز (س71 )، علي إرتفاع 25 كيلو متر ، شقت الفضاء العالي بسرعة تصل إلى ثلاث مرات سرعة الصوت ، وكان خط سيرها من فوق بورسعيد حيث بدأ الاختراق ثم مرورا فوق الجبهة المصرية كلها ثم عبور شاطئ البحر الأحمر ثم التفافا من وراء نجع حمادي ثم العودة بقوص إلي سماء القاهره ، ‏ثم مرورا ثانية فوق الجبهة بالعرض هذه المرة وليس بالطول ، قاصدة إلى الأرض المحتلة ومنها إلى الخطوط السورية ثم خارجة إلى البحر متجهة إلى قاعدة في تركيا او في اليونان
قد بدا ‏ذلك الاختراق غريبا لأول وهلة ولكن وجه الغرابه فيه يزول إذا تذكرنا خريطة الأوضاع على الجبهة المصرية وقتها. فكانت الأوضاع كما يلي :- 

‏(١) قامت القوات المصرية بعملية العبور التاريخي واقتحام قناة السويس وكثيرة خط بارليف في ساعات إضافة صفحة جديدة إلى التاريخ العسكري كله.

(٢) ‏تقدمت القوات المصرية شرق قناة السويس وإلى عمق يتراوح ما بين ١٨و٢٤ كيلومتر ،وتمركز الجيش الثاني في القطاع الشمالي وتمركز الجيش الثالث في القطاع الجنوبي. 

(٣) ‏كان ذلك مفاجأة كاملة وقاسية على العدو الذي قد بني خط دفاعه الأول على غروره ، وعندما تهاوت واجهه الغرور فإن المؤسسة العسكرية الإسرائيليه بدت أمام شعبها وأمام غيره في وضع قبيح ، ‏فأحدث ذلك وكان لابد أن يحدث ذلك أثره في إسرائيل فكان ما اسميناه وبصدق حالة فقدان التوازن التي أمسكت بتلابيب القياده السياسيه و العسكريه في إسرائيل طوال الأيام الأربعه ‏أو الخمسة الأولى من الحرب، ‏ولم يكن فقدان حالة التوازن صورة معنوية ولكن ضرائبها الماديه كانت فادحه، فقد انهارت نظريات وسقطت خطوط ‏و تحطمت مئات الطائرات والدبابات والمصفحات، ‏ووقع في الأسر أو القتل ألوف وفقد الجيش الإسرائيلي أهم ما يملكه وهو صورته العامة سواء في الخيال الإسرائيلي أو في الخيال العالمي. 

كما أن كان لهم رأيان عسكريان لنوايا القوات المسلحه المصريه بعد حربهم هذه :- 

(١) ‏رأي يقول... بأن القوات المسلحة المصرية سوف تطلق أمراء التشبث بالمواقع الجديدة التي احتلتها على الشريط الممتد ‏من الشمال إلى الجنوب بمحاذاة قناة السويس من الشرق، ‏وهذه المواقع تتيح لها أن تتمتع بحماية حائط الصواريخ الهائل على الضفة الغربية للقناة ورائها ،وذلك يلاشي بالنسبة لها خطر تفوق الطيران الإسرائيلي مواقعها الجديدة في مدي عمل حائط الصواريخ ..وحائط الصواريخ يسلب الطيران الإسرائيلي حرية العمل فوقها ..وقد كان هذا التقدير وعلى أساس هذا الرأي هو أن القوات المصرية سوف تكون ‏بهذه الأوضاع صخرة تتحطم عليها موجات الهجمات الإسرائيلية المضادة موجه بعد موجة وهذا استنزاف يمكن أن يكون مميتاً بالنسبة لقوة الإسرائيلية الضاربة . 

(٢) رأي أخر يقول ..‏بأن القوات المسلحة المصرية سوف تتلقي أمرا بالانطلاق إلى المضايق الحاكمة في سيناء لكي تتمركز فيها باعتبارها المفتاح إلى قناة السويس بل المفتاح من مصر إلى فلسطين ومن فلسطين إلى مصر وهذه حقيقة عسكرية ثابته أكدتها التجارب قديما وحديثا.. ‏كان هذا الرأي يرى أنه خط المضيق القبلي وإستحكاماته المنيعة هو الخط الطبيعي والمنطقي إلى التمركز المصري ‏ثم أن هذا الخط ينقل ميدان القتال إلى الشرق 70 او 80 كيلومتر ويبعده عن قناة السويس ،بل أن انصار هذا الرأي كانوا يرون انه بوصول القوات المصرية إلى هذا الخط والتمركز فيه فإن الحرب في سيناء كلها تعتبر في حكم المنتهي ،لأن إسرائيل عليها في هذه الحالة أن تتراجع إلى الخط الطبيعي الثاني وهو قريب من خط الحدود الدولية المصرية . 

• وأما ‏فيما يتعلق بنوايا القوات المسلحة الإسرائيلية وقد كان من المسلم به إجماعا ، ‏ان القوات المصرية ضربت في العبور واحتمالات تطويره ، وإذاً فإن الضربه المضادة  على إسرائيل ‏ففكرت في أن ألا تكون الضربه المصرية في ميدانها فبحثت عن مجال آخر ولأن اللعبه المفضلة العسكريه الاسرائيليه هي الإختراق والتطويق ، ‏تطبيقا لاستراتيجية الإقتراب غير المباشر ، ولابد أن تجد القيادة العسكرية لنفسها فرصة تمارس فيها لعبتها المفضلة. ‏لأن إسرائيل كان تتوقع قرارا بوقف إطلاق النار ومن هنا فإنها أرادت الانتشار مهما كان هشاً  على أوسع مساحة، حتى إذا كانت لا تستطيع بسرعة تعزيز هذا الانتشار وحمايته.  كان يهمها أن يجيئ  وقف إطلاق النار ووجودها محسوس على أكبر رقعه من الأرض غرب سيناء ، ‏وكان هدفها أن تضع القيادة المصرية أمام احد السبيلين لمواجهة الموقف اما أن تسحب جيوشا من شرق القناة وإما أن يزداد صقل ما تقوم به في الغرب علي الأعصاب في القاهره .
 
• ولكن خطوطنا على الشرق من قناة السويس كانت في حاله ثبات ‏فكان وضع الجيش الثاني في القطاع الشمالي طيب والجيش الثالث في القطاع الجنوبي يحتفظ بسلامته رغم وجود تباين متاعب في مؤخرته من حرب العصابات بالدبابات التي شنتها إسرائيل ، ‏وكان الخط على الغرب من الإسماعيلية إلى الشمال سليم برغم محاولات العدو بالطيران وبالذات فوق بورسعيد ، ‏‏وأبلي ‏رجال القوات المسلحة بلاء حسنا فكان أعظم الرجال واجد وجع المقاتلين وأشرف الأجيال ، ‏حتي تحررت سيناء كامله . رجال أعطوا وقاتلوا وأكدوا قيمتهم وقيمه وطنهم .... ‏لقد صنعوا ما صنعوه كله بالدم وفي النور ولا يمكن أن يضيع شيء منه في الغدر وفي الظلام.