صدى العرب : في رحاب القرآن الكريم (طباعة)
في رحاب القرآن الكريم
آخر تحديث: الثلاثاء 28/04/2020 01:59 م
نوجه إدريس أحمد نوجه إدريس أحمد
" لماذا أنزل الله القرآن في رمضان ؟" سؤال جريء و طرح فأثار انتباهي كثيرا..
سؤال أوقفني لدقائق معدودة وجدته يعيدني إلى زمن مضى كان أجمل مما نحن عليه اليوم . أجمل ببساطته و رؤيته الصوفية الميتافيزيقية الصائبة في معايشة الحياة . ليعيد في حياة مضت ذكرتني بأجمل طفولة كانت لي فيه. فعدت أبتسم لمن علمني الحب بكرامة و سافر بي عبر التاريخ و يدي الصغيرة تنام على كف يده. و في عينيه رأيت العالم و قرأت الحب و أحببت الحياة. ذلك الرجل العظيم الذي لا يشبه إلا نفسه علمني الحياة و أول ما علمني فيها قراءة القرآن مخطوطا و فك رموز حروفه ، و الإبحار في معالم قدرة خالق الكون و التقرب منه و التعرف عليه من خلال كل سورة و آية قرآنية بتخشع في حضن وجوده...
كانت لعبي ورق و أقلام و ألوان و قصص أسطورية و موسيقى و أغاني قديمة .. و سفر في التاريخ و الأدب و المعرفة بجنون طفلة لم تكن أبدا طفلة و كل ما تراكم في الذهن من معرفة دينية أساسها القرآن و الأحاديث و جلسات الشيخ الشعراوي الذي كان مدرستي التي علمتني كيف ينزل الدمع ابتسامة و فرحة . فكانت حياة كل إنسان جميل يحمل نواتها في فطرته و هكذا أحببت حياتي أنا..
سأرحل بكم في رحاب رحلة " لماذا أنزل الله القرآن في رمضان ؟ " و هنا الإجابة أستقيها مما تفتيه علي قريحتي استنادا لما لي به دراية من معرفة و علم و ثقافة من خلال قراءاتي و أبحاثي و دراساتي لعله يفي و الله المستعان...
الله أنزل القرآن على الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم. و هنا نذهب لكلمة أنزل ينزل تنزيلا و كلمة أنزل نجدها منسوبة دائما إلى الله عز و جل...
و لقد أنزل الله القرآن في شهر رمضان الشهر الكريم شهر الهدى و النور و الأجر و الثواب و الشفاء قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } "البقرة آية ١٨٥" بدأ نزول القرآن على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} "القدر آية ١"
و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} “الدخان الآية ٣”
أولا كلمة ليلة القدر ليلة ظرف زمان و هي قسيم النهار و القدر هو العظمة في منتهاها و العظمة في منتهاها إنما يكون التعبير عنها عند من يعلم حدود العظمة و لا شك أن القائل و الذي سمى ليلة القدر بليلة القدر تكلم عن القدر و هو منتهى العظمة عنده لا عندنا نحن . إذن فهذا قدر لا يمكن أن نتوصل إلى تحديده و إلى معرفة كنهه و لكننا نأخذ منه ما يفيضه الله على كل نفس حسب جهاد استقبالها لهذا التعظيم.
فإذا كان القدر هو العظمة في منتهاها و منتهاها عند من لا منتهى لكماله هو الله و نزل في ليلة .. لماذا ليلة ؟ و أي ليلة هي.. ؟ الليلة قسيم النهار. و أي ليلة و لكل مكان ليل. و لكل مكان نهار فليل هنا يقابله نهار في أمكنة متعددة .فأي ليلة نزل فيها هذا القرآن و لما كان الليل ؟ نجيب: الليل يكون محل سكون النفس من جهاد العناء في الحياة و شرور أهل السوء فيه .. فإذا جاء الليل انقسم الناس قسمين القسم الأول أهل الشر لا أراك الله هذا الزمن من شرورهم و القسم الثاني هم المؤمنون بالله و هم الذين يقيمون في عبادته و يستغفرونه و يستنترون رحمته إذن الليلة هي انسب شيء لنزول القرآن فيها و انه الليلة التي هي ليلة من نزل عليه القرآن انها الليلة فكأنها الليلة في 
مكة. و لذلك يقول الحق : "{كَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } " البقرة آية ١٤٣" إذن فالليلة هي هذه الليلة . فإذن كان القرآن و كان في اللوح المحفوظ . و في اللوح المحفوظ كما قال الله في كتاب مكنون قَوْله : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُون لَا يَمَسّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } "الواقعة: الآية ٧٩ ٧٧ " 
إذن فقد أومن أن يدخل عليه شيء أولا كتاب مكنون .. وقد نتساءل و لماذا أُجِّل لهذا الوقت ؟
في انتظار رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ لأنه الرسول الخاتم الذي لا يأتي بعده رسول. ففيه تمام التشريع لمنهج حركة الحياة في الأرض . و هو مع ميعاد مع ارتقاءات العقول ..كل يوم العقول ترتقي و تكتشف و تعمل . فجاء القرآن في هذا ليواكب كل ما يمكن أن يأتي به الوجود العقلي بعلم التجربة و نجد القرآن إما أن لا يصادره و إما أن يؤيده .. و لذلك يقول الحق في الحرف الواحد : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ.} "فصلت آية ٥٤" .
القرآن الكريم في الشهر الكريم فيه هدى و نور و أجر و ثواب و شفاء بأمر من رب العالمين. 
و من البسملة "بسم الله الرحمن الرحيم " يمكننا أن نتعلَّم علوم الدنيا كلها.. حروفها هواء يخترق الروح .. عطر لا تركيبة له .. فكر متجدد منفرد عميق من شذرات القرآن الكريم ..


الأستاذة / نوجة إدريس أحمد 
رئيس المؤسسة الأسبانية الدولية للثقافة والفنون
و مديرة اتحاد الكتاب و المثقفين العرب في أسبانيا