صدى العرب : الساعات والزمن (طباعة)
الساعات والزمن
آخر تحديث: الأربعاء 12/07/2017 02:45 م
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي

هل أنت عزيزي القارئ من هواة جمع الساعات، اليدوية أو الحائطية أو تلك التي اعتاد أجدادنا وضعها في جيب الثوب البحريني أو الدشداشة الكويتية أو الكندورة الإماراتية أو الجلابية المصرية أو السديري الحجازي؟!

  قد أخالك مثلي ترغب في اقتناء الساعة الدقيقة التي لا تؤخر أو تقدم الوقت سواء كانت تعمل بالبطارية أو تعتمد على حركة اليد «الأوتوماتيكية» أو ما كان يسموها السابقون بعملها على الدم فالساعة ارتبطت بالزمن الذي هو في غاية الأهمية بالنسبة للمرء سواء كان ذلك للعمل، أو للصلاة أو ضرب المواعيد للاجتماعات وقضاء الحاجات الضرورية.

  كنا نقرأ عن دور العرب التاريخي في الساعات الرملية والساعات المائية وكيف كانوا هم السباقين للحرص على الوقت ومن هنا كان عندهم ما نطلق عليه التوقيت العربي المرتبط بالتأكيد بحركة الشمس شروقًا وغروبًا أو بالقمر في تطور نموه بل كانوا أيضا يهتمون بحركة المد والجزر بالنسبة للبحر الذي ارتبطت به معيشتهم صيدا للسمك أو بحثا عن محار اللؤلؤ أو الأسفار في أعماق البحار للتجارة ومبادلة السلع.

  فالزمن كان عندهم في غاية الأهمية والأقل اهتماما كان يراقب الفي حيث أن في الضحى، كان مهما بالنسبة للنساء اللواتي كن يتحيينه للتزاور وتناول شاي الضحى، والقهوة مع الرطب أو التمر بعد أن يكن قد أنجزن طباخ الغداء وبدأت فرصة التلاقي وتبادل الأحاديث فيما بينهن، وربما إرضاع أبناء الجيران حيث كان إرضاع اليتيم واجبا مقدسا عندهن، كما أن إرضاع أطفال الجيران يخلق اللحمة والتقارب فيما بينهن، وقليلات هن من لا يرضعن الأطفال، لأنهن كن عندهن رؤية مستقبلية، إذ ربما يكون هناك ارتباط بالزوجية مستقبلا فكن يتحاشين الرضاعة خوفا من حدوث المحظور والالتباس، فأخوة الرضاعة كأخوة النسب يحرم الاقتران الزوجي بهم أو بهن.

  كان الوقت ولايزال مهما بالنسبة لنا، وكنا صغارا عندما انتشرت ساعات الوستند Westend watch ذات الرباط المعدني الأبيض واشتهر بها عمال شركة النفط بابكو وكان يحلو لنا تقليد الآباء في لباسها والتمختر بها، ونمني النفس مستقبلا في اقتناء ساعة تشعرنا برجولتنا وأهميتنا وحرصنا على الوقت..

  تعددت بعد ذلك أنواع وماركات الساعات ووصلت أسعارها إلى أرقام فلكية، وأصبح إقتناؤها دليل الغنى والوجاهة والمنصب، وأصبحت جزءا من زينة الرجال والنساء على حد سواء خالطها الذهب وأنواع الأحجار الكريمة وأصبحت تحظى بالأهداء، يفخر بها من أهديت إليه من قبل رؤساء وزعماء وحكام الدول أو الوزارات والمؤسسات الأهلية الكبيرة أو الشركات ذات السمعة الرائجة وأصبح الحرص عليها كالحرص على الذهب أو الأساور والخواتم، وأصبح السباق مع اقتناء الأفخر عنوان التميز، وأصبحت هواية جمع الساعات لدى البعض من الهوايات المكلفة وربما الإستثمارية إلى أن غزتنا أسواق التقليد المتقن للساعات الفاخرة، وأصبح أمر التدقيق والرقابة من الضرورات التي تحمي الصناعة وبراءة الإختراع وعدم التقليد رغم انتشار الساعات المقلدة تقليدا يفوق التصور، وراجت تجارتها في كل أسواقنا وأسواق غيرنا...

  الساعة عنوان الزمن، و«الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»، لم يعد الجيل الجديد، إلا فيما ندر، يهتم باقتناء الساعة اليدوية، فقد جاء الهاتف النقال ليتيح لنا من خلال التقنية الساعات المتقنة وذات التوقيت المضبوط وأصبح اعتمادهم على ساعات الهاتف يفوق اعتمادهم على الساعات اليدوية أو غيرها وهي طبيعة سنة الحياة وإن كان عصر الساعة اليدوية لايزال يتحدى التقنية.

  ليس المهم أن نعتمد على الساعة اليدوية أو الساعة الهاتفية في تقديرنا للزمن ولكن المهم أن نؤمن بقيمة الوقت وضرورته وحتميته، فالحياة كما قيل: «دقائق وثواني»، وربما الأخوة الأطباء يدركون قبل غيرهم قيمة الدقيقة والثانية في إنقاذ الأرواح، كما أن المصرفيين يدركون قيمة الوقت في التبادل والتحويلات المالية، وكذلك المتعاملون مع حركة الأسهم التجارية والعملة المالية، وكذلك حركة الطائرات والمطارات والطيارين فالإقلاع والهبوط محسوب بحساب في غاية الدقة، وكذلك الرياضيون والذين يحققون الأرقام القياسية في المسابقات التي تعتمد على عشر الثانية والحديث عن أهمية الوقت وضرورته يحدثنا ربما عنه الكثير ممن ذكرنا وممن لم نذكرهم، فرجال الأمن والجيوش أيضا تدرك قيمة وضرورة الوقت بالنسبة لهم وللآخرين...

  ومن هنا فإن إيقاعنا في اداء الخدمات للمواطنين ومن يحتاج إليها بأنواعها من الضرورة بمكان فلا يجوز التسويف والتأخير والمماطلة وتعطيل مصالح الناس والدخول في روتين قاتل بين أضابير الأوراق والأختام والشهادات، والتأخير في المواعيد والقول: «راجعنا بكرة أو بعد بكرة»

  وإني لأعجب من بعض البنوك أو الشركات والمؤسسات والوزارات التي ينتظر المراجعون في طوابير لإنجاز معاملاتهم وتجد أماكن متعددة ونوافذ، ولكنها لا يعمل فيها سوى موظف أو اثننين بينما بقية المنافذ فارغة خصوصا في بداية الشهر أو نهايته وكأن وقت الانتظار ليس مهما لدى إدارات هذه المرافق مع العلم أن من يراجع ذلك أكيد هو مرتبط بمواعيد والتزامات أخرى، فيضيع الوقت بأمور روتينية يكون إنجازها لا يستغرق سوى الثواني لو احترمنا أوقات وحاجات المراجعين!!

  انه الوقت والزمن الذي يدعونا إلى الإسراع في إنجاز مصالح الناس والسير على وتيرة تسارع الخطى، فغيرنا يسبقنا والزمن لا يرحم المتأخرين والعمر دقائق وثواني وغيرنا في سباق مع الزمن، فلتكن خطواتنا وانجازاتنا بسرعة ودقة الساعات التي تزين معاصمنا أو باتقان ساعات هواتفنا النقالة.