صدى العرب : التنمية البشرية والدور التاريخي (طباعة)
التنمية البشرية والدور التاريخي
آخر تحديث: الخميس 15/06/2017 01:00 م
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي

تحتل مملكة البحرين مكانة متقدمة عربيًا ودوليًا في مجال التنمية البشرية، وهذا يعود إلى البواكير الأولى للتعليم النظامي في البحرين في مطلع القرن الماضي وقبله دور الكتاتيب في دراسة وحفظ وتجويد القرآن الكريم، وتطور الاهتمام بالقراءة والكتابة مع تطور التعليم إلى مرحلة اكتشاف النفط والدور الذي لعبته شركة النفط المحدودة بابكو «بافتتاح أواخر عام 1948م مدرسة في الزلاق تتألف من فصل دراسي واحد يتسع لحوالي 38 طالبًا يتلقون دروسا أساسية باللغة الإنجليزية التي هي لغة العمل وكذلك مادة الحساب وكان القصد منها تحسين مقدرة المواطنين على القيام بأعمالهم ومن ثم بلوغ درجات أعلى والحصول على رواتب أفضل».

هذا جزء من إطلالة على مسؤولية شركة بابكو في التنمية البشرية لعمالها وموظفيها، وهذا ما أورده كتاب «الدور التاريخي لشركة بابكو في مجال التدريب»، والكتاب من إصدار شركة نفط البحرين (بابكو) وإعداد وإخراج الأستاذ على صالح الصحفي والإعلامي البحريني، ومراجعة وتدقيق الأستاذ علي محمد يعقوب المفتاح وصدر عام 2017م والكتاب يحتوي على سبعة أبواب، خصصت على النحو التالي: السنوات العشر الأولى من التعليم والتدريب، البرامج الجديدة والإضافية للتدريب، خريجو المدارس ومراكز التدريب وتخصصاتهم، والبعثات والمبتعثون للخارج، والتعاون مع الحكومة في مجالي التعليم والتدريب، مسيرات وشهادات المتدربين، وزوار مركز التدريب.

وكما يذكر تمهيد الكتاب «وجدت بابكو أنه يقع على عاتقها مسئولية القيام بتعليم الجميع المواد الأساسية مثل اللغة الانجليزية والحساب والتي تساعدهم على معرفة المسميات والتعامل مع الآلات والمعدات التي يستخدمونها، ومن ثم انتقل الاهتمام إلى التدريب أو بالأحرى الانتقال إلى مرحلة المزاوجة بين التعليم والتدريب المكملين لبعضهما البعض».

ومع الحاجة إلى التعليم نتيجة توسع خدمات الشركة فقد ذكر الكتاب الذي أهداني إياه الأخ والصديق الأستاذ عبدالله محمد الخان «انتقلت مدرسة بابكو من الزلاق إلى مبناها الحديث والأكثر إتساعا بالعوالي قرب بوابة سترة (مقابل مسجد عوالي) وذلك في شهر يوليو من عام 1952م، وهو المبنى المكون من أربع قاعات فسيحة للدراسة وقاعة أخرى للاجتماع تتسع لمائة وخمسين شخصا، ليرتفع عدد الطلبة فيها من 38 إلى 91 طالبًا موزعين على ثلاثة فصول، ابتدائي، ومتوسط والثالث خاص بتعليم الطباعة على الآلة الكاتبة لمن لديهم استعداد للأعمال المكتبية».

والكتاب بقدر ما يشيد ويذكر توجه الشركة في التدريب ورفع كفاءة القدرات، ينوه أيضا بشيء من الإعجاب وبشهادة رؤساء الإدارات والأقسام في الشركة بقدرات ومواهب العاملين البحرينيين واستعدادهم للتعامل مع تقنيات النفط، بالإضافة إلى القدرات الإدارية والمالية وخدمات الشركة، وبالتأكيد كانت مجالات العمل المتنوعة والمتعددة تستلزم أن تخصص دورات لتلبية متطلبات الوظائف خصوصا وأن هذه الصناعة كانت طارئة على المجتمع البحريني، فأثبت أبناء البحرين بالتدريب والمعايشة والتجربة والخبرة والممارسة القدرة على استيعاب متطلبات العمل، ونسمع قصصًا مثيرة للإعجاب على تمكن العاملين في الشركة من البحرينيين ومن هم أقل حظًا في التعليم قدرتهم على فهم اللغة الانجليزية والتخاطب بها دون القدرة على الكتابة عند كثير منهم أما أولئك الذين كان لهم النصيب في معرفة القراءة والكتابة فقد برعوا كثيرًا وتقلدوا المناصب الرفيعة بالشركة خصوصا بعد أن أوفدت الشركة بعضهم للدراسة في أرقى جامعات بريطانيا وأمريكا أسهموا فيما بعد في مجالات الخدمة المدنية وخدمة الدولة والمؤسسات الخاصة والشركات والمؤسسات المصرفية المحلية والخليجية.

والكتاب سجل لقصة نجاح قادتها شركة النفط وأبطالها من أبناء البحرين الذين اقتحموا بكل التحدي لصناعة لها السباق والريادة في المنطقة وتعود إلى عام 1932م حيث تدفق النفط وبدأ إنتاجه وتسويقه وشرعت شركة النفط بابكو في إنشاء مصنع التكرير (المصفاة) Refinery إلى أن تطورت تقنيات حديثة في وقتنا الحاضر وأصبحت من مصافي النفط الحيوية في المنطقة.

والكتاب يرحل مع قصص نجاح البحرينيين في دراستهم في الخارج من الذين ابتعثتهم الشركة، كما يعكس التعاون الوثيق بين الشركة وإدارة التعليم النظامي في البحرين بقيادة المرحوم الاستاذ أحمد العمران مدير المعارف لحكومة البحرين الذي كان يتابع إلحاق طلبة المدارس النظامية بالشركة كما يحضر حفلات تخرجهم من مدرسة التدريب بالعوالي والكتاب معزز بالصور والتي هي بحق شاهدة على عصر هذا الإنجاز في مجال التعليم والتدريب الذي يمكن بحق وصفه بالصناعي والذي كانت البحرين يومها بأشد الحاجة إليه.

والكتاب يحوي سجلاً لشخصيات بحرينية كان لها إسهامها في الشركة، كما تقلدت بعد ذلك مناصب متعددة في الدولة ولا يسع المجال للشرح التفصيلي عن كل واحد من هؤلاء الرجال ونكتفي بإيراد أسمائهم وهم في البحرين أشهر من أن يعرفوا وهؤلاء الذين ذكرهم الكتاب مع حفظ الألقاب هم: يوسف بن سعد الجميري، عبدالرزاق محمد عبدالغفار، الدكتور عبدالحسين على ميرزا، الدكتور مصطفى السيد، عبدالحسين فرج، عبداللطيف إسماعيل، عبدالله محمد الخان، جواد حبيب جواد، مراد علي مراد، علي جمعة شهاب، حسن علي جمعة.

لقد كان حكام البحرين من آل خليفة الكرام يتابعون نشاط الشركة التدريبية، وكذلك بعض المسؤولين في الدولة وقاموا بزيارات إلى مركز التدريب بالعوالي.

إن الكتاب كما يصفه الناشر: «يؤكد أن تجربة بابكو في التدريب كانت ولازالت رائدة بالنسبة للبحرين ودول المنطقة وربما العالم العربي أيضا»، وأملنا في هذا الكتاب أن نستخلص من استعراضنا لمجالاته الكثير من الدروس التي نستفيد منها اليوم في بناء تنميتنا البشرية والاقتصادية، وهي دروس كثيرة لعل أبرزها رؤية بابكو في أن أبناء البلد هم الذين يجب أن يعملوا وينتجوا، وأنه عندما تتاح لهم الفرص ويقدم لهم التعليم والتدريب اللازمين، والرواتب المجزية والتسهيلات الخدمية الأخرى فإنهم يعملون بحماس ومنافسة ويبدعون ويتفوقون، وليس أدل على ذلك أنه على مدى سنوات العمل في بابكو كان البحرينيون العاملون في الشركة تتراوح نسبتهم بين 80% و90% تلقوا تدريبًا على مختلف المهن الصناعية والمكتبية، أي أنهم كانوا يشغلون مختلف الأعمال.

قصة نجاح نرويها من خلال استعراض كتاب «الدور التاريخي لشركة بابكو في مجال التدريب» إيمانًا منا بأن هناك نجاحات كثيرة قامت بها وزارات ومؤسسات وشركات وطنية أسهمت أيضا في التنمية البشرية للبحرينيين ليسهموا مع أخوانهم في الوظائف المدنية الأخرى في تطوير وإنماء التنمية في بلدنا مملكة البحرين.

على أمل في إلقاء الضوء على نجاحات وطنية أخرى مستقبلاً إن شاء الله.