صدى العرب : كــل في قلبـــه شـــــق اللي لـــــه (طباعة)
كــل في قلبـــه شـــــق اللي لـــــه
آخر تحديث: الأربعاء 24/05/2017 01:27 ص
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي
نحتار نحن أحيانًا في جيلنا، من عبارات أو جمل أو حكم أو أمثال تداولها في زمانهم السلف والخلف، وبتنا نحن نرددها مع الوقت دون ان نتمعن في معانيها وأهدافها ومراميها ومنها هذا القول «كل في قلبه شق اللي له، وأنا في قلبي شقا الغالي» وهو قول يردده كل من حز في نفسه أمر، أو شغله عن دنياه شاغل، ملك عليه جوارحه وحواسه وتفكيره، وبات ليلا ونهارا في نومه ويقظته، وفي سكونه وحركاته، أو أحاديثه مع خلائصه وأهل بيته، فالأولوية عنده هذا الأمر الذي هو يشل عليه تفكيره، ويقلق باله، ويتمنى تحقيقه أو زواله، أو انتقاله من حال إلى حال أو يجمع الله به أحبابه أو فلذات كبده.

ولعلّ من نافلة القول أن نوضح ذلك لأجيال أتت بعدنا، ربما أولادنا وأحفادنا، أو أولئك الذين يسمعون ذلك من أخوة جمعتنا الأوطان ووحدت بيننا الأهداف والغايات والمشارب، ولكن أحيانًا تكون اللهجة حائلاً دون البلوغ للمعنى المراد أو المقصود من هذا القول.

ولنقرب الفهم على أولئك الذين تجمعهم لغة الضاد، واللغة التي جاء بها القرآن العظيم المنزل كتاب الله العزيز، فالمعنى الفصيح: 

«كل في قلبه الشقاء الذي هو له وأنا في قلبي شقا الغالي» 

وهنا لا ينصرف الذهن إلى الشقاء بمفهومه الصريح وإنما ما يسبيه الفراق والبعد أو ربما الرغبة والأمنية من قلق دائم وترقب وانتظار صعب على القلب والنفس والخاطر والباحث في التراث الشعبي البحريني الأستاذ محمد أحمد جمال، يعطيه الله الصحة والعافية، من المتبحرين في اللهجة المحلية والبحث من خلالها عن المفردات التي تعبر بصدق وأمانة عن الشعور الإنساني الدفين من خلال العبارات الشعبية.

كما أن الشاعر البحريني المبدع على عبد الله خليفة قال في إحدى قصائده بعنوان «عيني على نيمة ظهر» من ديوان «عصافير المسا» وهي أشعار بالعامية:

غني يا عصفورة بعد

وادري تري اللحظة على الناطر عمر

واللي بيوفه النار

ما همه على جفه اليمر

وين الرفاكة والأهل

والروحه والييه على درب الخطر

إذن نحن أمام شعور إنساني طبيعي يمر به كل إنسان في حياته، ويجب أن لا نلوم هذا المرء إن هو كرس كل تفكيره وعواطفه نحو هذا الأمر الذي أصبح هو بحاجة إليه قبل أي وقت مضى.. عندما يتسلل إلى أنفسنا أحيانا اليأس قد تجد من يقول لك: 

اخرج عن الحالة التي أنت فيها، ودع الأمور تجري لإعنتها ولا تبيتن إلا خالي البال، أو كما قال الشاعر:

دع المقادير تجري في أعنتها

ولا تبيتن إلا خالي البال

ما بين غمضة عين وانتباهتها

يغير الله من حال إلى حال

ولعلنا اليوم نشهد الكثير من المواقف الصعبة في أمتنا، ونشاهد بأم أعيننا الظروف الصعبة التي تمر بنا، ونقف أمامها عاجزين حتى لو عرفنا بيت الداء، وعلة الأمر أن إرادة التغيير قد لا تكون متاحة والحديث عنها معاد ومكرور، والتزحزح بها إلى طريق الحل ليس بالضرورة متاحًا أو ميسورًا في الوقت الحاضر...

كنا أطفالاً ونرى في قدرة الآباء الشيء الكثير، ونحسب أن ما نطلب توفيره سهل ومتاح، وبطبيعة الآباء لا يريدون أن «يكسروا خاطر» أبناءهم، فهم الساعون بما أتوا من قدرة على الوفاء بمتطلبات الحياة ولكن في النهاية القدرة محدودة والإمكانيات قد تكون قاصرة، 

فقد كان الوالد يرحمه الله عندما يرانا نبكي على شيء نطلبه يروي لنا قصة هي على لسان الحيوان أسوة بكتاب عبد الله ابن المقفع «كليلة ودمنة»، فقد كان الوالد يقول: «إن حالكم معي يا أبنائي مثل حال الشاة التي تقول لأولادها:»لو في قرنياتي عشب لأعطيتكم إياه«، والمعروف أن من طبائع بعض الحيوانات والطيور أن تطعم صغارها قبل أن تأكل هي، وكان ذلك بمثابة التنبيه لنا، ومعرفة قدرات الآباء في الوفاء بمتطلباتنا الآنية، ولكن يشهد الله العلي القدير أن هؤلاء الآباء حفروا في الصخر، تعبوا وسهروا وتحملوا المشاق، وصبروا على شظف العيش، آمنوا بربهم وقدرته سبحانه وتعالى على تفريج همومهم وتيسير حياتهم لم ييأسوا، شرقوا وغربوا في طلب الرزق الحلال، لم يتخاذلوا ولم يتقاعسوا، ولم يلزموا بيوتهم إلا عندما يحول بينهم وبين العمل عارض من مرض أو عجز، كانوا لنا القدوة والمثال، فنالوا ما بذلوا من أجله تعبهم وعرقهم وتضحياتهم، وكانت كل خطوة خطوها في صالح أسرهم ومجتمعهم وأسهموا في بناء الأوطان بحسب قدراتهم والأدوار التي قيض الله لهم أن يكونوا عليها.

يعجز المرء أحيانا أن يصف كل الظروف التي مروا بها، ولكننا كأبناء وأحفاد هؤلاء الرجال علينا أن نروي الحكايات لأولادنا وأحفادنا على الرغم من تقادم الزمن، وإختلاف الظروف والمناسبات ولكننا نتكلم عن العموم والهدف والمبدأ فقد قال الشاعر أحمد شوقي أمير الشعراء:

قف دون رأيك في الحياة مجاهدا

إن الحياة عقيدة وجهاد

فطلب الرزق على العيال هو من الجهاد الذي حثتنا عليه عقيدتنا السمحة.

إن المرء منا يدفعه الطموح، والطموح المشروع والرغبة في تحسين الأوضاع والسعي في طلب الرزق من الأمور التي تشغل بال الإنسان الطبيعي، ويظل المرء في توازن مع نفسه طالما هو الساعي إلى أن يحقق أهدافه في الحياة، ويظل فاعلاً، ومتفاعلاً وليس على الهامش، فكل منا له دور في الحياة، يتناغم مع غيره، وقد يختلف مع الآخرين، ولكن الاختلاف في الفهم والإدراك لا يستدعي بالضرورة النفور والتباغض والتحاسد، فالتجويد والإبداع والتميز مطلوب في كل الاعمال التي نقوم بها وفي كل المسؤوليات المنوطة بنا فنحن في البدء والنهاية مسؤولون عن إعمار الكون وهي الرسالة السامية التي أنيطت ببني البشر في حدود إمكانياتهم وقدراتهم البشرية المطبوعون عليها.

ونظل نعيد ونكرر بأن «كل في قلبه شق اللي له، وأنا في قلبي شقا الغالي». 

وعلى الخير والمحبة نلتقي