صدى العرب : الدواء.. حالات فردية أم ظاهرة عامة (طباعة)
الدواء.. حالات فردية أم ظاهرة عامة
آخر تحديث: الأحد 21/05/2017 10:05 ص
القبطان محمود المحمود القبطان محمود المحمود

كتبت في الأسبوع الماضي عن مشكلة عدم توافر الدواء لبعض المرضى في بعض المراكز الصحية وتأخر بعض طلبيات الأدوية ذات الطبيعة الخاصة للمرضى بمستشفى السلمانية من أصحاب الأمراض المزمنة والمستعصية، وكنت أعتقد أن ما ورد بالمقال هو لبعض الحالات الفردية التي لا تتجاوز أصابع اليدين، إلا أنني تفاجأت بكم كبير من الرسائل والاتصالات يشتكي أصحابها من نقص الأدوية وتأخر صرفها، بل إن بعضهم أكد لي أنه ينتظر صرف دواء منذ اكثر من 3 شهور، ويعيش معاناة مع المرض بسبب ذلك.

وجاءت بعض التلميحات غير المباشرة من مسؤولين في الصحة بأن الميزانية لا تكفي لشراء الأدوية والأزمة المالية ربما تكون سببًا في تأخر شراء بعض الأنواع الباهظة، وهو أمر يثير الدهشة والعجب، فإذا كانت الميزانية لا تكفي لصرف الأدوية فقط، فماذا بشأن العلاج بالخارج؟ وإذا كانت الميزانية تعاني من نقصان ونحن في بداية العام المالي، فماذا عن بقية أشهر السنة، وكيف ستوفر الصحة ميزانية لبقية العام للمرضى؟.

وإذا ما بحثنا عن مسؤولين بالوزارة لاستعطافهم في رد يبرد قلوب المرضى المنتظرين، لا نجد أحدًا يرد علينا، وهو ما يؤكده مواطنون في رسائل وصلتني، فيقول أحدهم: بعد أن انتظرت لشهور طويلة صرف الدواء دون أمل، قررت أن أتوجه للمسؤولين في الصحة، وعند أول باب قابلتني سكرتيرة مدير مكتب المسؤول، وسألتني عن سبب الزيارة، فأطلعتها وقالت إن سيادة مدير مكتب المسؤول، مشغول مع سعادة المسؤول، ولا يمكن التواصل معه حاليًا، واترك رقم هاتفك وسنتواصل معك، ومازال هاتف المريض المسكين ملتزمًا الصمت، معتلاً بعدم تلقي اتصالات من مسؤول الصحة.

وأصبح كل مسؤول ينصب مجموعة من الأفخاخ حول عرينه ومكتبه، بحيث لا يمكن لأي مواطن أن يصل إليه ولو بواسطة، فتجد لبعض المسؤولين، سكرتارية مباشرة وأخرى غير مباشرة، يليهم مدراء المكاتب بدرجات عليا ودنيا، يعاونهم مساعدون لمدراء المكاتب، ثم سكرتارية لمدير مكتب كل مسؤول، ثم معاونين لسكرتارية مدير مكتب المسؤول، وفي كل منطقة حول مكتب سعادته تجد الكثير من نقاط التفتيش والتحقيق.. لماذا حضرت وماذا تريد ومن أوصلك إلى مكتبنا، ولماذا نحن بالذات، وكأنهم سدود منيعة تحول ما بين المواطن والمسؤول، وبدلا من أن يكون مسؤولاً أصبح سائلاً ومحققًا ومدققًا.

لا أعتقد أني أكتب هنا قضية نادرة أو أكتبها منفردًا عن بقية كتاب المقالات، فقد سمعت مؤخرًا في البرنامج الإذاعي الشهير «صباح الخير» من يناقش مشكلة الدواء وتأخر صرفه وانعدامه في صيدليات المراكز الصحية ومستشفى السلمانية، وحتى في الصيدليات الخاصة، وأظنه لمجرد تفريغ الطاقة لأن النتيجة كانت صفرا.

ولا أعتقد أن الدواء يقل أهمية عن مشروعات كثيرة في الدولة تستنزف الميزانية دون فائدة، وحتى لو كانت ذات عائد «معنوي»، إلا أن الدواء يبقى على رأس قمة هرم بنود الميزانية، ويجب أن يوضع ضمن الأولويات القصوى، بحيث يتم الاستغناء عن بنود أخرى في مقابل توفير ميزانية الدواء.

رسالة أخرى موجهة إلى السادة أعضاء السلطة التشريعية، بضرورة تشكيل لجنة تحقيق عاجلة في أسباب تأخر الدواء، وهل ينتظر إقرار الميزانية مثله كباقي المشروعات، وكيف يمكن تجاوز الدواء في قضية إقرار الموازنة بحيث يكون له بند خاص تحت مسمى «عاجل لا يحتمل التأخير»، وأعود وأؤكد وأكرر أنه يمثل الحياة لإنسان في حال توفره، وربما الموت لآخر «لا قدر الله» في حال تأخره، نسأل الله الشفاء العاجل والدواء الناجع للجميع.