صدى العرب : مملكة البحرين الحاضرة دائمًا (طباعة)
مملكة البحرين الحاضرة دائمًا
آخر تحديث: الأربعاء 03/05/2017 03:40 م
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي


عرفت الباحث التراثي، المغرم بالوثائق والمخطوطات صقر بن عبدالله المعاودة منذ أن أقام معرضًا تحدث فيه عن مخطوات ووثائق وصحف بحرينية وخليجية وعربية حينئذ لم أملك إلا الإعجاب بجهده ودأبه ومثابرته وحرصه على إنجاز عمل ثقافي يؤرخ ويؤطر الثقافة البحرينية في عمقها موضوعًا وشكلاً، وتلاحمها مع الثقافة العربية والإسلامية في مفهومها الواسع، وكنت على قناعة راسخة منذ مدة طويلة بأن في هذا الوطن العزيز مملكة البحرين رجالاً عشقوا التاريخ وحافظوا على التراث ووضعوا كل إمكانياتهم البشرية الذاتية والمالية لخدمة هذه الهواية والتي أصبحت مع الزمن جزءًا لا يتجزأ من شخصية من يتبناها ويحرص عليها، ولا غرو أن وجدنا أفرادًا في مجتمعنا يحرصون على أن يضعوا بيوتهم الخاصة بمثابة متاحف شخصية، وخصصوا غرفًا في بيوتهم ليستضيفوا فيها التراث أو ما بقي من هذا التراث حاضرًا وهو كثير، وقد ضاقت به الغرف التي خصصوها، وهنا يمكنني أن آخذ بعض الأمثلة لهؤلاء الرجال الذين أعرف شخصيًا اهتمامهم بالتراث والوثائق والمخطوطات ومن بينهم طبعًا صقر بن عبدالله المعاودة، والأخ صالح الحسن وعبدالله باقر، وعبدالله بوزبون وعبدالعزيز بوزبون وغيرهم كثير في المدن والقرى ولو خصصنا لهؤلاء الرجال قرية تراثية لأصبحت مكانًا بارزًا ومتميزًا للتراث والثقافة والترويج السياحي، ولضاقت هذه القرية بما فيها من كنوز هي من ثقافة وموروث هذا الوطن الذي يجب أن نحرص عليه ونبرزه للعيان، أتمنى أن نحقق هذه الأمنية الرغبة التي طالما راودت أصحاب هذه الكنوز خصوصا وأن معظمهم من المتقاعدين الذين سيتفرغون لمحلاتهم وستتاح الفرص لأن نخلق أسواقا مرادفة من مقاهي ومطاعم شعبية هي بتراث وثقافة هذا الوطن الزاخر بالكنوز التي آن الآوان لإبرازها والتأكيد عليها.

أعود إلى الحديث عن الجهد الكبير الذي بذله الباحث في تاريخ وتراث البحرين وعاشق التراث والمتيم بالوثائق والمخطوطات صقر بن عبدالله المعاودة الذي أصدر حتى الآن أربع كتب الأول:

«البحرين في صحافة الماضي» عام 2012م و«دول مجلس التعاون في صحافة الماضي» عام 2012م و«الصحافة البحرينية تاريخ وعطاء» عام 2014، وكتابه الأخير «البحرين وتكريم أمير الشعراء أحمد شوقي» عام 2017م.

    وقد آثر المؤلف صقر بن عبدالله المعاودة أن يتم تدشين كتابه هذا بمناسبة مرور تسعين عامًا على مبايعة الشاعر أحمد شوقي أميرًا للشعراء في عام 1927م بمتحف الشاعر أحمد شوقي بكورنيش النيل بالجيزة بمدينة القاهرة يوم السبت 29 أبريل 2017م برعاية كريمة ودعم من سعادة الشيخ راشد بن عبدالرحمن آل خليفة سفير مملكة البحرين لدى جمهورية مصر العربية والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية وباحتضان وزارة الثقافة المصرية ومتحف أحمد شوقي، وهو عبارة عن منزله الشخصي الذي أقام فيه طوال حياته هو وأسرته زوجته وابنيه وابنته، وفي عام 1972 أصبح بيت أحمد شوقي ملكا للدولة المصرية ومتحفا من متاحف وزارة الثقافة المتخصصة بعد أن أصدر الرئيس الراحل أنور السادات قرارًا جمهوريًا في 3 مايو 1972 باستملاك الدولة للمنزل وتحويله إلى متحف يخلد تاريخ أمير الشعراء أحمد شوقي.

فكان الحضور كبيرًا من المثقفين والأكاديميين والشعراء والفنانين والإعلاميين، وكانت أمسية بحرينية مصرية استضافنا فيها شوقي الغائب الحاضر بإبداعاته وتاريخه في منزله ومتحفه.

وقد نظم المؤلف صقر المعاودة الحفل تنظيمًا دقيقًا بالتعاون مع إدارة المتحف وألقيت فيه الكلمات، والقصائد الشعرية للشاعر سيد العيسوي القائم على النشاط الثقافي لمتحف أحمد شوقي، وقد ألقيت كلمة بهذه المناسبة استميحكم العذر في إيراد جزء منها حيث قلت:

«البحرين وتكريم أمير الشعراء أحمد شوقي»، هذا هو عنون كتاب الأخ الباحث صقر بن عبدالله المعاودة عاشق التراث والمتبحر في الوثائق والمخطوطات، والذي أثرى المكتبة البحرينية والعربية بكتب أصبحت اليوم من المراجع الضرورية.

واليوم نحن بإزاء تدشين كتاب يؤرخ ويجسد علاقات وثيقة بين بلدين شقيقين جمعت بينهما روبط على مدى التاريخ حضاريًا، وثقافيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، وسياسيًا جمهورية مصر العربية ومملكة البحرين.

هل يجوز لي أن أتحدث عن علاقة حضارة ديلمون وتايلوس وأوال والتي ميزت البحرين على مدى تاريخ يعود إلى سبعة آلاف سنة قبل الميلاد، مع حضارة مصر القديمة «الفرعونية» وشواهد شامخة على عمق حضارتها وتاريخها العريق، وارتباط الحضارات مع بعضها، فلا عجب أن عثر المنقبون الآثاريون على أختام فرعونية على شكل «جعران» في مدافن حضارة ديلمون في البحرين وفي المقابر العمالقة التي اصطلح على تسميتها بالمقابر الملكية والتي هي في فلسفتها ومفهومها قريبة من فلسفة البعث والخلود؟

أم أتحدث عن علاقة ربطت البحرين بمصر في تاريخها القديم والحديث والمعاصر منذ البواكير الأولى للنهضة التعليمية والثقافية، ورموز وشخصيات لعبت أدورًا في التقارب، وتبادل الرأي والمشورة، والاستفادة من المعطى الثقافي والنبع الصافي من الفكر والإبداع والتميز.

إذن هذه هي العلاقات مجتمعة لا تنفصل عن بعضها، فالتاريخ ممتد وشواهده الموغلة في القدم تتجسد في أيامنا هذه في الزيارات المتبادلة واللقاءات الحميمية التي جمعت بين قيادة البلدين الشقيقين.

حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى حفظه الله ورعاه، وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية أيده الله ونصره.

لقد فاجأني الأخ والصديق صقر المعاودة وما أكثر مفاجآته عندما حدثني عبر الهاتف عن نيته في طباعة كتاب عن البحرين وتكريم أمير الشعراء أحمد شوقي. وإذا بي بعد أقل من شهر أتصفح هذا الكتاب ولسان حالي يقول: إننا عندما نتكلم عن إنجاز الأولى أن نكون قد حققنا خطوات عملية في التنفيذ قبل أن نشرع في التحدث عن فكرة مرت بالخاطر. فقد أرجعني يا أخ صقر كتابك عن شوقي إلى بداية السبعينيات بجامعة الكويت عندما كلفني أستاذي في النقد والتاريخ الأدبي الأستاذ الدكتور/‏ محمد حسن عبدالله الابن البار لجمهورية مصر العربية بالكتابة عن شوقي، فاخترت له عنوانًا «شوقي من البلاط إلى المنفى» وإذا بي أسبح في بحر لجي متلاطم الأمواج، وكان على أن أنجز ذلك في وقت قصير، فاحترت من أين أبدأ هل أتكلم عن النشأة والتاريخ أم أبدأ بدراسة «ديوان الشوقيات» في أجزائه الأربعة، أم أتكلم عن أغراض شعر شوقي في المديح والرثاء والأناشيد والحكايات، والدين، والحكمة والتعليم والوطنية والسياسة والمسرح الشعري والوصف والمواقف الاجتماعية؟ وإذا بي أقف مشدوها أمام أبيات:


قم للمعلم وفه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

أعلمت أشرف أو أجل من الذي

يبني وينشئ أنفسًا وعقولا

وأواصل وإذا بي أقرأ:

ريم على القاع بين البان والعلم

أحل سفك دمى فى الأشهر الحرم


ومرة أخرى أسمع شوقي:

ولد الهدى فالكائنات ضياء

وفم الزمان تبسم وثناء


وفقني الله وأنجزت البحث فاستحسن أستاذي ذلك، ومن يومها وأنا أبحث عن شوقي في كل ما يكتب أو يقال، وإذا بنا اليوم نحتفل أعزائي معكم بكتاب الأخ صقر بن عبدالله المعاودة الذي كرسه لتسجيل ودراسة حقبة زمنية ممتدة تمثلت وتجسدت في دعم المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة نائب حاكم البحرين آنذاك وأخويه سمو الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة وسمو الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة غفر الله لهما وأسكنهم جميعا الجنة ورضوان النعيم. عندما تبنوا مبادرة النادي الأدبي بالمحرق في المشاركة بتكريم أمير الشعراء أحمد شوقي في عام 1927م، وخير من يحدثنا عن ذلك صاحب الكتاب الأخ صقر المعاودة، غير أننا كأبناء هذا الوطن البحرين نعتز بهذه العلاقة الوثيقة التي تأصلت وتواصلت عبر السنين، فالثقافة طريق مهد لكل تقارب وتفاهم بين البلدين والشعبين الشقيقين، وإننا نفخر اليوم بأن يكون بيننا ابنًا بارًا من أبناء الأسرة الحاكمة الكريمة سعادة الشيخ راشد بن عبدالرحمن آل خليفة سفير مملكة البحرين لدى جمهورية مصر العربية والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية والذي بحضوره ومشاركته يؤكد تواصل هذه العائلة الكريمة مع أي جهد ونشاط يجمع شمل الأخوة والأصدقاء البحرينيين والمصريين..، فشكرا لسعادة السفير العزيز.. «انتهى نص كلمتي».


وكانت البحرين قد أهدت أمير الشعراء هدية «هي عبارة عن (مجسم) لنخلة صنعت من الذهب الخالص، واللؤلؤ البحريني، وبرفقتها قصيدة نظمها عضو النادي الشاعر خالد الفرج خصيصا لهذه المناسبة وتعبيرا عن شعوره وكافة أهل البحرين تجاه أمير الشعراء»

وقال خالد الفرج في مطلعها:

من منبت الدر تسليم وتكريم

لشاعر اللغة الفصحى وتفخيم

حياك في دارنا البحرين لؤلؤها

والنخل إذ بسمت فيه الأكاميم


وليرد شوقي في قصيدته بمناسبة التكريم ويذكر هذه الهدية بقوله:

قلدتني الملوك من لؤلؤ البحرين

آلاءها ومن مرجانه

نخلة لا تزال في الشرق معنى

من بداوته ومن عمرانه


يظل كتاب صقر بن عبدالله المعاودة «البحرين وتكريم أمير الشعراء أحمد شوقي» ذخيرة لا غنى لدارس عنها وحوى من المعلومات والوثائق والصور وسطور من التاريخ ما ينم عن الجهد الكبير الذي بذل، والحرص على تسجيل كل إنجاز بحريني يربطنا بأمتنا حضاريًا وثقافيًا وفكريًا.


وعلى الخير والمحبة نلتقي