صدى العرب : هـــــون عليـــــك (طباعة)
هـــــون عليـــــك
آخر تحديث: السبت 15/04/2017 02:09 ص
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي


 
البساطة في حياتنا حلوة، التوازن مع النفس متعة، التبسط في الأمور راحة نفسية، معالجة الأمور بحجمها وعدم تضخيمها، أو إضفاء المسوح عليها بشكل يعقدها من الحكمة بمكان.. استمعت إلى مثل هذه الأقوال في ظروف متعددة وملابسات متباينة من أفراد مختلفين في أعمارهم واهتمامهم وثقافتهم وبلدانهم واختصاصاتهم وأدركت أن المرء في حياته قد يكون طاقة إيجابية يشع ضياؤها على من حولها فتطبع البسمة والأمل والرجاء على من حولها، فتنتقل العدوى إن جاز لنا تسميتها إلى الآخرين فتزرع في نفوسهم البشر والترحاب والتفاؤل وعلى النقيض قد يكون لدى المرء طاقة سلبية وينظر للأمور دائما بالشك والريبة وسوء النية والطوية وقد تنتقل هذه العدوى إلى من هم حوله أو يستمعون إلى أقواله وتصرفاته.. 

وانا أتأمل هذه الحالات، وإذا الذكرى تعود بي إلى تلك التعاليم التي تلقيناها من الدروس في السيرة النبوية الشريفة يوم كنا في المراحل الاولية للتعليم النظامي الإعدادية والثانوية بل ربما في المراحل الابتدائية عندما كان التعليم يربط بين المناهج والحياة والقيم الاجتماعية، والثقافية، والإنسانية والعقيدية في حياتنا.

وتترجم الكتب المقررة علينا غرس القيم والتعاليم السمحة وكان الربط واضحا بين التربية والتعليم، وأخلاق وصفات السابقين وكان الاستشهاد بالأحاديث النبوية الشريفة والسيرة النبوية العطرة للنبي الخاتم محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه، النبي الذي أوتي جوامع الكلم فقد روت لنا السيرة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فكلمه فجعل ترعد فرائصه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هون عليك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في هذه البطحاء» و(القديد هو اللحم الجاف المحفوظ عن طريق التجفيف أما بعرضه على الشمس أو على نار الفحم)، ولازال الكثير من الناس في البادية أو أخواتنا في شمال أفريقيا العرب وبعض دول أفريقيا يستخدمون في أكلاتهم اللحم المقدد وكذلك دول شرق آسيا، وأمم وشعوب أخرى. الشاهد أن نبي الأمة أراد أن يخلق في هذا الرجل طاقة إيجابية فيزيل عن نفسه رهبة الموقف، ويجعله يتوازن مع نفسه ويفضي بمكنون ذاته دون خوف أو وجل أو تلعثم أو تردد لكي تصل أقواله إلى الرسول الكريم بكل شجاعة وأريحية فيكون النقاش وتبادل الرأي والمشورة بنفس طيبة رضية.

فما أحوجنا إلى هذه القيم وهذه الأخلاق الفاضلة التي تغرس في النفوس الثقة وتشعر المرء بذاته وكينونته وأدميته وانسانيته. 

وقصة النبي المرسل مع هذا الرجل البسيط تؤكد لنا أيضا افتخار النبي بأمه والاستشهاد بها لمكانتها في نفسه ومنزلتها عنده، ولو تذكرون أعزائي القراء أنه في مجتمعنا البسيط كان الناس من الجيران ينسبون الأطفال لأمهم فيقال مثلا: «إسماعيل ولد نورة» عرفانا بفضل الأم على أبنائها، وجاء لنا زمن للأسف الشديد يأنف المتنطعون أن يذكروا أسماء أمهاتهم. مع أن بعض البلدان يكتبون اسم الأم في جواز السفر.

ولذلك فإن فكرة إحياء مناسبة عيد الأم سنويا فكرة وخطوة في الطريق الصحيح، كما أن الاحتفال بيوم اليتيم العربي يؤكد مكانة الأم والأب عند نفوس من حرموا من هذا الحنان وواجب المجتمع أن يكون لهم أم أو أب يعوضهم ما فقدوه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى وفرق بينهما قليلا». 

نحن بحاجة إلى التأمل في أهمية البساطة وأن نعيش حيث ما نحن نتعاون مع الآخرين، نلتمس الأعذار لهم، نناقشهم، نستوضح منهم قبل أن نأخذ موقفا قد نندم عليه أو أن تكون معلوماتنا عنه ليست كافية فنقع في خطأ وسوء التقدير للموقف وهنا نندم حيث لا ينفع الندم. وقد تسمع من آخر خبر الدنيا: «يا أخي الدنيا والله ما تسوى شيئا فلماذا نعادي هذا ونخاصم هذا ونعاتب هذا وما هي إلا لحظات وإذا أنت مفارق أو أخ لك قد فارق، حينئذ تصاب بالندم، فبقاء الحال من المحال». رحم الله الشاعر بشار بن برد المخضرم الذي أدرك نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية حيث قال: 

 إذا كنت في كل الأمور معاتبا

 صديقك لم تلق الذي تعاتبه

 فعش واحدا أو صل أخاك فإنه

 مقارف ذنب تارة ومجانبه

 إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى

 ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه 

إنها عادات في نفوس بعض الناس وسلوكيات دأبوا عليها ينظرون دائما إلى الأمور بنقصانها ولو عودوا النفس على تقبل الآخر ونظروا إلى الأمور بكلياتها وأخذوها بإيجابياتها وسلبياتها لوجدوا أن الجانب الإيجابي هو الغالب وإن ضاقت واستحكمت حلقاتها، ولكنها إلى الفرج أقرب وأدوم، وللأخوة المصريين تعبير يعكس الحال هو «كبر دماغك» كما أنه في علم الإدارة تعبير آخر وهو «التفكير خارج الصندوق»، وكل ما نحتاج إليه هو أن نقول لمن نحب «هون عليك».

وعلى الخير والمحبة نلتقي.