صدى العرب : عندما تتبخر الأحلام (طباعة)
عندما تتبخر الأحلام
آخر تحديث: الثلاثاء 22/05/2018 11:55 ص
بقلم/حمد العامر الكاتب والمحلل السياسي بقلم/حمد العامر الكاتب والمحلل السياسي

حيرة كبيرة تنتاب من يراقب إدارة قطر للأزمة التي أشعلتها سياساتها المستغرقة في دعم الإرهاب والإرهابيين رغم كل المحاولات التي بذلها قادة دول مجلس التعاون خلال السنوات الماضية لإعادة قطر إلى الصف الخليجي من جديد وفق عدد من الشروط التي وجدتها قطر (مطالب تمس سيادتها الوطنية وفيها إملاءات مرفوضة وتدخل في شؤونها الداخلية)، بينما الواقع يشهد أن قطر هي التي انتهكت سيادة دول مجلس التعاون باستدعائها للحرس الثوري الإيراني والجنود الأتراك لتهديد الحدود الشرقية للمملكة العربية السعودية وتدنيس أراضيها بإقامة القواعد العسكرية في تجاهل تام لبنود الاتفاقيتين الأمنية والدفاعية لدول المجلس اللتين تمنعان ذلك لما فيه من تدخل سافر في الشؤون الداخلية وتهديد للأمن القومي الخليجي، كما أن النظام الأساسي لمجلس التعاون وضع أسسا واضحة للعلاقات الخارجية لدول المجلس في إطار عدد من المبادئ والالتزامات الأمنية والاستراتيجية تجاه الأخطار والتهديدات الخارجية، ولم تلتزم قطر بأدنى مبدأ منها!
المؤسف حقيقة في هذه الأزمة الخطيرة هو تعاطي أركان الحكم القطري معها على نحو يظهر تماديهم الواضح وعدم حرصهم على حماية مصلحة ومستقبل الدولة والشعب بإنهاء هذه الأزمة عبر الاستجابة لمطالب الدول المتضررة من السياسة القطرية، وهو ما يعقد الوضع العام ويزيد التوتر بين الأشقاء ويجعل الحل يسيرا في طريق مسدود ويحصر قطر في وضع اقتصادي واجتماعي يزداد صعوبة يوما بعد الآخر، وهذا الأمر يتجلى في الأمور الآتية:
الأول: تعاملت قطر مع الأزمة من منظور الثروة المالية التي تمتلكها، والتي تستخدمها لتخدير شعبها لكسب ولائه بطريقة بعيدة كل البعد عن نهج التعددية السياسية وأساليب التحضر والديموقراطية الحديثة التي تتغنى بها في كل محفل، وهي في ذلك كله لم تقرأ الأحداث بصورة صحيحة، ولم تضع مصلحة الشعب القطري فوق اعتبارات الكبرياء والغرور والتعالي والمكابرة، فتسببت بذلك في تقطيع سبل تواصل العائلات القطرية مع أرحامهم في دول المقاطعة، حتى أصبحت الزيارات العائلية بينهم غاية في الصعوبة وتتطلب جهدا كبيرا ووقتا طويلا ومالا كثيرا!
الثاني: استغلت القيادة القطرية تداعيات الأزمة لاستهداف المعارضين لها من القبائل، فطاردتهم واعتقلتهم وأسقطت الجنسية عن ستة آلاف شخص منهم دون أدنى مراعاة لكبار السن والأطفال والنساء الذين ألحقت بهم أضرار فادحة جراء ذلك، وكان هدفها الأساسي من ذلك هو تثبيت ركائز (حكم الحمدين) باعتماد أساليب قمعية كالإقصاء والتهجير والمنع من السفر وسحب الجنسيات بعد فشل مسرحية المحاولة الانقلابية في (فبراير 1996م)، فتمكن الحاكم السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني من اعتقال مئات المعارضين لحكمه وتكميم أفواه منتقديه من أفراد العائلة المالكة والقبائل.
الثالث: عدم الاكتراث بالتاريخ المشترك الطويل والإرث القديم وقرابة الدم التي تربط العائلة المالكة القطرية بالعائلات المالكة في السعودية والبحرين والإمارات، وعدم إعطاء الوساطة الكويتية بقيادة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح دورا لحل الأزمة، حيث اعتمدت قطر على الولايات المتحدة الأمريكية لإيجاد الحل، واعتقدت خاطئة بأن الأمور ستجري كما جرت مع القيادات الخليجية السابقة التي كانت تضع حسابا للعلاقات الخاصة مع البيت الأبيض.
إن تعامل قطر مع الأزمة يؤكد بأن قيادتها تعاني حالة تمرد على النفس، وقد كشفتها التصريحات الأخيرة للسفير الروسي بالدوحة وما ورد فيها من معلومات تؤكد التآمر القطري لإسقاط الأنظمة العربية الحاكمة، حيث أشار إلى أن: (القيادة القطرية كانت تأمل -بعد الإطاحة بنظام الحكم في مصر- أن تتحكم في العالم العربي عن طريق مصر، والتأثير -تبعا لذلك- على إسرائيل والقضية الفلسطينية.. وأن إسقاط النظام الليبي لم يكن لأسباب أيدولوجية وحسب بل وتجارية أيضا.. وأنه حضر لقاءات شارك فيها يوسف القرضاوي –زعيم تنظيم الإخوان المسلمين- الذي دعا إلى ضرورة دعم قوى المعارضة في الدول العربية وتخلي موسكو عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد من منطلق أن الأنظمة العربية ساقطة لا محالة لأنها غير ديمقراطية!).
وعن الأسباب الحقيقية وراء تمسك قطر بموقفها منذ (يونيو 2017م) وسعيها لتعميق الأزمة وتعقيدها هي:
أولا: المكابرة وعدم الاعتراف بما اقترفته سياساتها من جرم في حق الشعوب العربية بتمويلها ودعمها للإرهاب والإرهابيين بشكل معلن، وعن أهم عملية إرهابية قامت بتمويلها هي محاولة اغتيال الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بمشاركة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.
ثانيا: الاستقواء باستضافتها لقاعدة العديد الجوية، وهي أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط أعطت القيادة القطرية شعورا بأنها فوق كل الالتزامات الحقوقية التي تطالب بها الدول الكبرى والمنظمات الحقوقية الدولية كمجلس حقوق الإنسان.
ثالثا: تصور القيادة القطرية بأن (قناة الجزيرة) هي معيار تحولها الديمقراطي، فاستخدمتها أثناء موجة الربيع العربي -التي خططت لها مع البيت الأبيض والخارجية الأمريكية- كمنبر مزيف للدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، فأشعلت الشعوب العربية ضد قياداتها لتحقيق الهدف الأكبر وهو إسقاط الأنظمة القائمة والاستفراد بحكم المنطقة والسيطرة عليها.
إن نوايا أركان الحكم القطري بالإجهاز على أنظمة الحكم العربية القائمة بالاستعانة بالإدارة الأمريكية السابقة، تقاطعت مع نوايا تنظيم الإخوان المسلمين والنوايا الإيرانية الخبيثة الساعية منذ نجاح الثورة الخمينية عام (1979م) لتنفيذ مبادئها باستخدام كافة الأساليب، وتهدف جميعها في النهاية لحكم المنطقة وبسط النفوذ واستملاك القرار السياسي فيها، وقد تحقق جزء من ذلك بعد التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1) خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما في (يوليو 2015م)، وكانت نتيجته الفورية اتساع النفوذ الإيراني في المنطقة وتمدده وبسط سيطرته على أهم العواصم العربية (بغداد ودمشق وبيروت)، وتحريك أذرعه التخريبية في البحرين واليمن والسعودية والكويت والمغرب الذي يعتبر آخر ضحايا التصرفات الإيرانية المرفوضة التي أدت إلى إعلان المملكة المغربية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران مطلع هذا الشهر.
وفي سبيل حفظ وحدة الصف العربي والخليجي وسط المخاطر والحروب والصراعات التي تموج فيها المنطقة العربية تحديدا والعالم عموما، فإن على قطر مسؤولية تاريخية في إعادة اللحمة الخليجية وترتيب البيت الخليجي على أسس جديدة وتصحيح الوضع العربي المتدهور الذي آلت إليه المنطقة بصورة عامة نتيجة سياساتها المرتبطة بأحلام انتهت.

 المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون