صدى العرب : الجزء الثاني : الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه .. (طباعة)
الجزء الثاني : الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه ..
آخر تحديث: الخميس 24/11/2016 06:42 م بقلم .. الإعلامي والمؤلف .. إسلام يحيى سليم ..


مناقب الإمام الشافعى رحمه الله : -

فهي كثيرة وقد صنف الائمة فيها عدة مصنفات فمن أفرادها بالتأليف داود الظاهرى والساجى وابن أبى حاتم والحاكم والقطان والاصفهانى والبيهقى والرازى وابن المقرى والدارقطنى والمقدسى وامام الحرمين والزمخرشى والسبكى وابن حجر وغيرهم ، وقد أخذ الشيخ الصبان من ذلك زبدا ترجمة الإمام الشافعي فى رسالة الصبان : -

قال ابن عبد الحكم ان الإمام الشافعي رضي الله عنه : " لما حملت أم الشافعي به رأت كأن كوكب المشترى خرج من بطنها وانقض فوقع منه فى كل مكان شظية فقال لها المعبر أنه يخرج منك عالم عظيم " ، وقال الشافعي رضي الله عنه : ( رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى النوم فقال أدنى منى فدنوت منه فأخذ من ريقه وفتحت فى فأمر من ريقه على لسانى وفمى وشفتى وقال امش بارك الله فيك ) ، وقال : ( رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام زمن الصبا بمكة يؤم الناس فى المسجد الحرام فلما فرغ من صلاته أقبل على النساء يعلمهم فدنوت منه فقلت له علمنى فأخرج ميزانا من كمه فاعطانى وقال هذا لك ) ، قال المناوى بأن مذهبه أعدل المذاهب وافقها لسنة التى هى أعدل الملل ، قال عبد الله بن احمد بن حنبل لابيه : ( أى الرجل كان الشافعي ؟ فإنى سمعتك تكثر الدعاء له فقال يا بنى كان الشافعى رضى الله عنه كالشمس بالنهار وكالعافية للناس فانظرهل لهذين من خلف او عنهما عوض ) ، وقال احمد بن حنبل رضي الله عنهما ما أعلم احد أعظم منه من الشافعي فى زمن الشافعي ، وللشافعي نظم بديع اشتهر منه كثير .

مسجد وضريح الإمام الشافعي رضي الله عنه ( أو قبة الإمام الشافعي ) بمسجده : -

أول من بنى مسجدا على مقام الإمام الشافعى هم السلاطين الايوبية واولهم السلطان الكامل الايوبى الذى دفن بجوار الإمام الشافعى ثم اعاد عمارة المسجد السلطان صلاح الدين الأيوبى أما المتبقى من عمارة السلطان صلاح الدين الايوبى فى المسجد فهو المقام ذاته فالخشب ومقصورة المقام والنقوش كاملة جميعها تعود لصلاح الدين الايوبى ثم دخلت بعد ذلك عمارة المماليك والعثمانيون وغيرهم ، وقد قام الأمير عبد الرحمن كتخدا ببناء الأمير عبد الرحمن كتخدا الأمير عبد الرحمن كتخدا ، ثم هدمه بالكامل الخديو محمد توفيق وبناه مرة أخرى على نفقته الخاصة .

أما القبة فأول من بناها بشكلها الحالى هو السلطان الكامل الأيوبى فقد بناها حباً فى الإمام الشافعى وطلباً لأن يدفن بجواره وبالفعل فقد دفن السلطان الكامل الأيوبى ، ثم جددها على نفس هيئتها السلطان قايتباى الذى كان مريداً عند السيد الدشطوشى الذى مسجده ومقامه ومدرسته بباب الشعرية ، ثم جددها أيضاً السلطان قنصوة الغورى ، ثم جددها على بك الكبير من نفقته الخاصة سنة 1772م وهو الذى أزال الواح الرصاص الفضية اللون من على جميع القبة التى كساها اياها السلطان الكامل الأيوبى وأبدلها الألواح الخشبية الحالية .

ويعتبر ضريح الإمام الشافعى أكبر الأضرحة فى مصر على الاطلاق ، وأقدم قبة خشبية بمصر ، وهي عبارة عن غرفة تشغل مسطحاً مربعاً محاطاً بأربعة حوائط سميكة ، إذ تبلغ مساحة الضريح 400 متر تقريبا ، وارتفاعه 29 مترا ، وتتكون القبة من طبقتين : الأولى خشبية داخلية ، والثانية خارجية مصنوعة من الرصاص ، وللضريح ثلاثة محاريب تتجه نحو مكة ، عند حائط اتجاه قبلة الصلاة ، وهناك باب في كل من الحائطين الشرقي والشمالي ، والحوائط الداخلية مغطاة بالرخام ، وقد بنى السلطان صلاح الدين ناووساً ( تابوتاً ) وضعه فوق قبر الإمام الشافعي في عام 574هـ الموافق 1178م ، والناووس مصنوع من خشب الساج الهندي ، ومزخرف بحلية دقيقة وآيات من القرآن ، وبعد ذلك بُني مسجد يضم ضريح الإمام الشافعي .

ومن الطريف ان قبة الإمام الشافعى يعلوها سفينة طولها 2.5 متر وهى ترمز على أن الإمام الشافعى بحر العلوم والمعارف ويحمل سفينة النجاة للذى يتزود من هذه العلوم والمعارف ، ورحم الله الإمام البوصيرى الذى وصفها  قائلا : -

                                      

بقبة قبر الشافعى سفينة .. رست فى بناء محكم فوق جلمود

وقد غاص طوفان العلوم بقبره استوى .. الفلك من ذاك الضريح على الجودي

 

وبأعلى القبة من الخارج مركب صغير فوق هلال من نحاس تسع الحب قدر ونصف أردب يوضع فيها الحب لأكل الطيور وفيها سلسلة من حديد لاجل امكان الصعود إليها ، وقد قيل فيها وفى القبة عدة أشعار مذكورة فى المقريزى وغيره منها قول الكاتب بن ملهم : -

 

مررت على قبة الشافعي .. فعاين طرفى عليها العشارى

فقلت لصاحبى لا  تعجبوا .. فإن المراكب فوق البحار

 

ومنها لعلاء الدين النابلسى : -

لقد أصبح الشافعي الإمام .. فينا له مذهب مذهب

ولو لم يكن بحر علم لنا .. غدا وعلى قبره مركب

 

وقال آخر : -

أتيتُ لقبرِ الشافعيّ أزورُهُ .. تعرّضنا فُلْك وما عندهُ بحرُ

فقلتُ تعالى الله تِلكَ إشارة .. تشيرُ بأن البحرَ قد ضمَّهُ القبرُ

 

وجود مركب بدلاً من الهلال على قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه

 وفى رحلة النابلسي قال خرجنا الى زيارة الإمام الشافعي رضي الله عنه فدخلنا الى قبته المبنية على قبره فوجدناها قبة واحدة كبيرة تسعة جدا لا يرى مثلها فى البنيان ومتانة الجدران والارتفاع وفى داخلها محراب عظيم وقبر الإمام الشافعي فى الجهة الشمالية وفيه شباك مطل على القبور فى القرافة وبجانب قبره " قبر شيخه " وقد روى فى المنام وهو يقول : ( زوروا شيخى فإني ما أنا بشيء الا به ) كذا نقل عن المناوي وفي طبقاته ورأينا على قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه من جهة الخارج سفينة مربوطة بالهلال يوضع فيها الحب للطيور وقد قلنا في ذلك : -

 

يا قبة للأمام الشافعى زهت .. بها القرافة فى مصر لهيبته

لو لم يكن بها بحر العلوم لما .. سفينة الحب كانت فوق قبته

 

وفى الخطط التوفيقية لعلى باشا مبارك ج5 ص 22 : جامع الإمام الشافعي رضي الله عنه ، هذا الجامع بالقرافة الصغرى حيث مشهد الامام الشافعي رضي الله عنه بقرب جامع الامام الليث أنشأه الامير عبد الرحمن كتخدا فى مكان المدرسة الصلاحية ، ففى اسعاف الراغبين فى أهل البيت للشيخ الصبان عند ترجمة الامام الشافعى رضى الله عنه لما تعطل غالب شعائر المدرسة الصلاحية التى بجوار قبة الشافعي وقل الانتفاع منها هدمها حضرة الامير عبد الرحمن كتخدا مع أماكن قد اشتراها وبنى الجميع مسجدا عظيما متسعا سنة خمس وسبعين ومائة وألف وأقام تلك الشعائر فانتفع بها الساكنون والزائرون انتفاعا كليا ، يوجد على واجه المسجد هذا البيت : -

 

مسجد الشافعى بحر علوم .. أشرقت شمسه بنور محمد

 

ويعلوا الباب الكبير تجاه المشهد الشريف يصعد إليه بسلم من الرخام وأمامه رحبة صغيرة مفروشة بالرخام الترابيع وبأعلاه مصبوغ بالاخضر عليه هذا البيت : -

 

الله نور مسجد تاريخه .. يزهو به اشراق مجد الشافعي

 

والباب المذكور مبنى من الرخام وبابه الخشب مصفح بالنحاس ، وفى الرحبة الداخلية نصعد بدرجتيين من الرخام على اليمين مقام " الشيخ زكريا النصارى والشيخ أبو الحسن المفسر والشيخ شيبان الراعى " ، وفى حائطه الغربية باب يوصل الى زاوية السادة البكرية فى طرقة مفروشة بالحجر النحت عليه رخامة مكتوب عليها : -

 

أكرم به من مسجد مصباحه .. كنز الهدى المولى الإمام الشافعي

 

وفاة الإمام الشافعي رحمه الله : -

 

وقد توفي رضي الله عنه بمصر يوم الجمعة بعد العصر في آخر ليلة من رجب سنة 204هـ ، 820م ، وقد بلغ من العمر أربعة وخمسين عاماً ، وقد صلت السيدة نفيسة رضى الله عنها على الجثمان الشريف للإمام الشافعي رضي الله عنه ، ودفن بالقرافة فى القبة المشهورة ، وقال المزنى دخلت على الشافعي رضي الله عنه فى علته التى مات فيها فقلت : -

( كيف اصبحت ؟ قال : أصبحت من الدنيا راحلا .. وللإخوان مفارقا .. ولكأس الموت شاربا .. ولسؤ أعمالى ملاقيا .. وعلى الله واردا .. فلا أدرى أروحى الى الجنة تصير فأهنيها .. أم إلى النار فأعزيها ) .

 ثم بكى وأنشد : -

ولما قسا قلبى وضاقت مذاهبي .. جعلت رجائي نحو عفوك سلما

تعاظمني ذنبى فلما قرنته .. بعفوك ربي كان عفوك أعظما

فمازلت ذا عفو عن الذنب لم تزل .. تجود وتعفو منه وتكرما

فلولاك لم يسلم من أبليس عابد .. وكيف وقد غوى صفيك آدما

 

ويقول العلامة الكبير والمؤرخ الشهير " أبى الحسن نور الدين على بن أحمد بن عمر بن خلف بن محمود السخاوي الحنفي الشهير بالسخاوي " فى " تحفة الأحباب وبغية الطلاب فى الخطط والمزارات والتراجم والبقاع المباركات " يقول السخاوي : -

 

لما رحل الشافعي إلى جهة مصر ( عندما أراد السفر إلى مصر ) قال وهو سائر هذه الابيات : -

 

أرى النفس مني قد تتوق إلى مصرٍ .. ومن دونها أرض المفازة والقفرِ
فو الله ما أدري أللخفضِ والغنى .. أساق إليها أم أساق إلى قبري ؟

 

ومرض بمصر بعلة البطن ، ثم مات بدرب النخل وغسله المزنى ودفن بهذه المقبرة ، وكانت قديماً تعرف ببنى زهرة وتعرف أيضا بأولاد ابن عبد الحكم ، كان رحمه الله تعالى إماما فاضلاً سخياً كريماً جواداً ، أسمر اللون ، كثير الحياء ، وفضائله ومناقبه أشهر من أن تذكر وقد أفرد له جماعة كتاباً على حده فيه مناقبه ، ومنها كتاب " مناقب الشافعي " لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي    ( 384 - 458 هـ ( ، وكتاب " مناقب الإمام الشافعي " تأليف الإمام فخر الدين الرازي المتوفى سنة 606هـ .

 

كرامة الجسد الشريف للإمام الشافعي رضي الله عنه : -

فى عام 1517م بينما كان بعض الجنود العثمانية يطاردون المماليك البرجية للقضاء عليهم دخل الجنود العثمانية محل مقام الإمام الشافعي رضي الله عنه باحثين عن المماليك فإسترعاهم المقام وجماله وصنعته ، فقرروا فتحه للتأكد من انه هو الإمام الشافعي فعلا وانه ليس مجرد خدعة من المماليك ليخفوا فيها كنوزهم ، فلما ان فتحوا على الإمام الشافعي إبنعثت رائحة فواحة شديدة الجمال ما إستنشقها أحدا منهم وهم يرون الجسد إلا وغاب عن وعيه وعقله حتى أمرهم كبيرهم برد الجسد الشريف كما كان فوراً وردم التراب وإعادة إصلاح المقام مرة أخرى .

 

كرامة الجسد الشريف للإمام الشافعي رضي الله عنه

 

العامود أو الأسطوانة الرخامية التاريخية بضريح أو قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه بمسجده : -

والتي يفوق عمرها أكثر من ألف ومائتى عام ، وهي تقع أمام مقام الامام الشافعى وتؤرخ له رضى الله عنه بنقوشها التاريخية الباهرة الفريدة ، فهي تعتبر أقدم عامود أو شاهد على مقام فى مصر بنفس فترة القدم التى عليها حالة مقام السيد يحيى الشبيه والدفائن من الشواهد التى لا تزال موجودة إلى وقتنا هذا ، وقد كتب تلامذة الإمام الشافعى وحاكم مصر أنذاك ترجمة إنتقال مولانا الإمام الشافعى وبقيت محفوظة إلى وقتنا هذا وتفصيلها ، كالتالى : -

( بسم الله الرحمن الرحيم وأن ليس للانسان الا ماسعى وأن سعيه سوف يرعى ثم يجزيه الجزاء الاوفى هذا قبر الامام السيد ابى عبد الله محمد ابن ادريس ابن العباس ابن عثمان ابن شافع ابن السائب ابن عبيد ابن عبد يزيد ابن هاشم ابن عبد المطلب ابن عبد مناف جد النبى صلى الله عليه وسلم ولد رضى الله عنه سنة خمسون ومائة وعاش الى سنة اربعة ومائتين ومات يوم الجمعة اخر يوم من رجب من السنة المذكورة ودفن فى يومه بعد العصر ) .

 

أثر القدم الشريف لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بضريح أو قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه بمسجده : -

وبالتدقيق يظهر لنا اثر طبع القدم الشريف على الصخر المكي ، وقد جلبها لمصر السلطان البطل صلاح الدين الأيوبى من مكة المكرمة أثناء أدائه لفريضة الحج هناك ، وأهداها لمقام الإمام الشافعي رضي الله عنه .