صدى العرب : ولهان يا محرق (طباعة)
ولهان يا محرق
آخر تحديث: الخميس 08/02/2018 04:52 م
نوال الدوسري نوال الدوسري

من منا لم يمر عليه موقف او حكاية غريبة لا يمكن نسيانها، وحينما تذكرها أمام الآخرين او تتذكرها في نفسك لابد ان تضحك، حدثت لي حكاية ظريفة في مدينة المحرق.

أطلقت رجلي ذات يوم في دواعيس المحرق، وقد كنت مستمتعة بشتاء البحرين عام 2014، حيث كان المطر رذاذاً ناعماً يتساقط بكل خفة عليّ، يا الله ما أبدع هذا المكان برائحة عبق التاريخ الجميل، قاصدة ذلك اليوم مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، وقد استمتعت بما رأيته أثناء جولة رئعة في أرجاء هذا المكان، وأخذني الحماس في مواصلة دربي، الى ان وصلت بيت عبدالله الزايد، حيث تسمرت هناك مما رأيته من إرث عريق وتاريخ مجيد، يجعل الانسان فخوراً بما قدمه وما نحن عليه الآن من تراث الصحافة، وقد تجولت ببيت رهيب، مع هيبة المكان، وها أنذا الآن أخرج من البيت لأدخل بيت الشعر هكذا كُتب عليه بيت الشاعر ابراهيم العريض، وزادني الحماس، فقد كنت أمشي في الطرقات وأشم رائحة القهوة والهيل، فزادني الحماس حتى رأيت ذلك الباب  الخشبي الضخم العتيق، فوقفت بكل زهو وأتيت بكل ما أملك من قوة لدفع هذا الباب، فما وجدت إلا جداراً قد صُبغ باللون الأزرق اللمّاع، وهناك بعض الأحذية والنعل المتناثرة، فقلت مرحباً بحقبة السبعينات، وكان هناك قفص معلق على جانب الجدار وبه (طائر الكاسيكو)، فقلت في نفسي ما شاء الله ديكورات حية، وما أن دفعت الباب وإذ إلا أرى رجل عجوز وزوجته وقد فرشا الأرض ببساط بسيط، كما رأيت المأكولات التي أعشقها كالعصيدة المتوجة بالبيض المبهر وبجانبها البلاليط وأكواب شاي الحليب والقهوة والتمر، فقلت لهم أهلاً بحقبة السبعينيات، فرحبوا بي ثم قلت لهم أهذه تمثيلية أم متحف مباشر، وردّ صاحب المنزل حياك الله في بيت العطاوي، وما هي إلا لحظات ساد الصمت فيها ثم الضحك المتواصل مشوبة بلحظات الانحراج الشديد، حتى تعرفت عليهم وقد قاموا بتقديم المأكولات الشهية وضيافتي بالقهوة العربية، هؤلاء هم أهل المحرق ببساطتهم وكرمهم وشهامتهم وجودهم.

 ليس بغريب أن تكون المحرق عاصمة للثقافة الإسلامية للعام ضمن المنطقة العربية، فهذا فخر ووسام على كل بحريني. 

جزيرة البحرين هي أكبر جزر البحرين، مداخلها جميلها، وأزقتها ضيقة، فهي منارة الثقافة في البحرين، يهمس بها التاريخ في كل شبر فيها، وفي كل زاوية تتنفس فيها هواء التاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، نعم الكل يشهد أن المحرق تطورت من الناحية العمرانية، ولكن ظل التاريخ متمسكاً بها، وظلت أطلال أجدادنا وأبائنا باقية تقول نحن مازلنا هنا نحكي، ونحاكي أجيالنا الجدد على مر التاريخ هنا عاشوا وهنا ناضلوا وهنا درسوا.

فهي منبع الحياة وإن اختلفت أسماؤها على مر التاريخ،  ففي سبب تسميتها بالمحرق هو أن المجوس كانوا لا يحرقون أمواتهم في ذلك الزمان قبل دخول الإسلام، حيث برز صيتها منذ القرن التاسع عشر، فاختيارها الحاكم آنذاك الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ومعظم أفراد العائلة الحاكمة مقراً لهم.

معظم التجار في البحرين يملكون السفن وقد اشتهروا بصناعتها، وصيد اللؤلؤ والأسماك وايضا السفن التجارية التي كانت تبحر على مستوى أقاصي البحار.

وازدهرت لوفرة المياه، والتربة الخصبة، والعنصر البشري بأبنائها وآبائها وأجدادها، حيث اشتهرت البحرين بالحدائق الغناء المليئة باللوز والخضروات والنخيل.

كانت البحرين من أشهر الدول الصائدة للؤلؤ الطبيعي والمنتجة والمصدرة في ذلك الوقت الى أن اقتحم أسواقنا اللؤلؤ الياباني الصناعي. كما اشتهرت بعمرانها المتميز في الخليج العربي كبيت الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، وبيت سيادي اللذين يعتبران من أبرز المعالم الإسلامية.

لله درك يا المحرق، فقد عاشت فيك الأديان والأعراق والمذاهب الدينية المختلفة، فاختلطت فيك دماء أبنائنا بالمصاهرة على مر السنين، فالمحرق هي كالأم الحاضنة لأبنائها، فنرى بيوت المحرق مرصوصة بعضها البعض، فهي مبنية باللبنات الطينية فكلها سواسية، ولها وقفات في الحزن والفرح والمناسبات والأعياد والطقوس الدينية في وقت واحد، فالكبير مع الصغير والغني مع الفقير كلهم يد واحدة الى أن قاموا بنهضة البلد، فهم الذين ساهموا في تعزيز البنية التحتية لتعزيز البيئة الاجتماعية المتقاربة، ففيه حالة التعايش والسلم التي مازالت حاضرة.

وللثقافة شأن آخر فلقد تطورت بشكل سريع، حيث من قام في رفع منارة العلم والثقافة من أمثال عبدالله الزايد الذي استورد أول مطبعة في الخليج العربي، وأسس أول جريدة (جريدة البحرين)، وبعدها نقلت راية الإعلام والصحافة وبدأت الحملة التنويرية والإبداع في سماء البحرين لامعة وبراقة، بقيادة محمود المردي، وعلي سيار.

وأول المكتبات أُنشئت في البحرين كان في عام 1920م، وتلتها محلات بيع الكتب، وسميت أول مكتبة (مكتبة التاجر)، ثم تبعتها المكتبات الأخرى، فكانت منبع الثقافة في الخليج، كانت الوفود من الكويت والسعودية تأتي لزيارتها، فهم قد ساهموا معنا في بناء الثقافة والحضارة عن طريق ملتاقهم في المجالس او في قهوة (بو خلف)، الذي كان ملتقى الأدباء والشعراء الخليجيين، ساهموا في نهضة هذه المدينة العظيمة وفي تأسيس الأندية والجمعيات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وفي مجال الرياضة، فقد أسس الشيخ محمد بن عبدالله آل خليفة نادي العربي الثقافي عام 1922م، الى جانب الأديب الشاعر عبدالله الزايد، والشاعر الكويتي خالد الفرج، والشملان، الذين قاموا بتكريم الرحالة اللبناني أمين الريحاني، وأمير الشعراء أحمد شوقي عام 1932م، الى جانب كل ذُكر فهي تملك قلعة عراد الحصن الحصين، وبعد هذا ألا يستحق هذا الصرح تغطية إعلامية كبيرة، وزيارات ورحلات مدرسية من المدارس الحكومية ليكن الجميع  مشاركاً في مدينة العظماء المحرق.