صدى العرب : فيروس الإرهاب المؤلم..ومصير الداعشين (طباعة)
فيروس الإرهاب المؤلم..ومصير الداعشين
آخر تحديث: الجمعة 02/02/2018 11:04 م
أحمد المرشد أحمد المرشد
 
 
أعود بعد فترة غياب الي المقال السياسي، وكان  ابتعادي خارج عن إرادتي خاصة عندما كتبت عن "أطلال" أم كلثوم، فاكتشفت أن كثيرين يريدون متابعة مدي اعتماد هذه المطربة العظيمة علي فكرة "الذكريات" في القصائد والأغاني التي غنتها، فاستغرق الموضوع عدة مقالات، وهاأنا أعود اليوم الي عالمنا الذي لا نستطيع التخلي عنه، وهو عالم ملئ بالمشاحنات والتجاذبات  والقضايا الساخنة، وأقصد به عالم السياسة، سواء علي المستوي المحلي أو الإقليمي أو الدولي، وقد أري اليوم وفقا لمعطيات الواقع الذي  نعيشه أنه ربما تمتد هذه الهجمة الإرهابية التي يتعرض لها العالم - دولا وشعوبا - للعام الحالي رغم أمنياتنا، وهو ما يستدعي بسرعة القضاء علي هذه الآفة المدمرة، ولكن نحمد الله أن أواخر العام الماضي شهد نجاحات جزئية في القضاء علي بعض مواقع تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، ولكن الخوف أن يمتد تأثير ونشاط هذا التنظيم المخرب الي مناطق أخري حيث يعتبرها "بطن رخو".
 
وطبيعي أن يكون البطن الرخو في أي بلد أو إقليم في هذا الجزء البعيد عن أعين الأمن أو ابتعد عنه الأمن لظروف طارئة، أو ابتعاد سلطة الدولة المركزية عنه مثلما حدث في مناطق كثيرة في العراق وسوريا واليمن وليبيا وبعض المواقع في قارة إفريقيا،  ومن الخطأ ربط هذا التشبيه – البطن الرخو - بوجود بعض التنظيمات الإرهابية والداعشية في منطقة شمال سيناء المصرية، لأن السيادة المصرية علي هذه البقعة من الأرض قوية وراسخة اللهم سوي أن بعض التنظيمات استطاعت  التسلل الي شمال سيناء  والتمركز في المناطق الجبلية ووسط السكان بسبب أحداث الفوضي التي أعقبت تطورات 25 يناير 2011، بيد أن القوات المسلحة والشرطة المصرية تمكنتا من إعادة السيطرة علي معظم الإقليم رغم أن فلول داعش يسعون للهرب إلي المناطق المصرية بعد نجاح القوات السورية والعراقية في السيطرة علي معظم أراضي الدولة الإسلامية المزعومة.
 
والمثير في مسألة داعش، أن الولايات المتحدة ومعها دول التحالف الخاصة بمواجهة هذا التنظيم في العراق أولا ثم سوريا، تأخرت كثيرا في التعامل مع مخاطر داعش، وتلكأت في دعم القوات المحلية المسؤولة عن مقاومة نشاط التنظيم الذي امتد الي مناطق كثيرة من العراق وسوريا منذ عام 2013 وحتي أواسط 2017، ولكن مع وطأة العمليات الإرهابية التي عاني منها الغرب والولايات المتحدة علي مدي السنوات الماضية، اضطر التحالف الدولي الي التنسيق مع الجهات المحلية (العراق تحديدا) لتكثيف الحرب ضد داعش والقضاء عليه كلية. غير أن المشكلة التي لا تزال باقية هي أفراد هذا التنظيم، فأين يذهبون؟ وهل ستقبلهم مجتمعاتهم ثانية عقب عودتهم منكسرين منهزمين؟ وما هي المناطق المحتمل اللجوء إليها؟ كلها تساؤلات تبحث عن إجابات، خاصة أن الدول الأوروبية سنت قوانين مشددة للتعامل مع العائدين، فمصيرهم المحاكمة والسجن مباشرة، في حين أن بعض الدول العربية تشهد سجالا وتباينا حتي يومنا الراهن حول الرغبة في استقبال العائدين وقبول توبتهم.  ففي الوقت الذي تسعي بعض الحكومات الي قبول هؤلاء اتقاء لشرورهم، إلا أن الشعوب نفسها ترفض عودتهم بعد أن تلوثت أيديهم بالدماء، ويعتبر الرافضون أن الأوطان لا تتحمل عودة إرهابي واحد إليها، فما هي الضمانات  التي ستضعها الحكومة لتأمين الشعوب من شرور وإرهاب هؤلاء، خاصة بعد أن أصبحوا متعطشين للدماء، والحياة مع الإرهابيين ومجالستهم ومعايشة كل خرافات ما يسمي بـ"دولة الخلافة الإسلامية"..ثم ما هي وسيلة حماية المجتمعات من هؤلاء إذا كانوا ذئابا منفردة تنتظر تعليمات و توجيهات القيادات حتي ولو بعد حين. ويقيني أن الشعوب علي صواب في رفضها قبول عودة الداعشيين من سوريا والعراق ومناطق الصراع، فالإرهابي مكانه السجن وليس سواه.
 
ورغم ما ذكرناه سلفا بأن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة استطاع بالتعاون مع السلطات المحلية في العراق تحديدا السيطرة علي معظم مناطق نفوذ الدولة الإسلامية (داعش)، إلا ان كل المعطيات الراهنة لا تقودنا الي القضاء كلية علي الإرهاب الدولي، فهو يتخذ أشكالا متعددة، ويتمدد فى فضاءات مفتوحة ومغلقة..وأبسط توصيف لهذا الإرهاب أنه يعمل كالفيروس، ومن الصعب  القضاء عليه بسرعة، فهو يحتاج لبعض الوقت.. هذا الكلام ليس مبالغة في الوصف في الحالة، وأمامنا كل دول العالم التي اتخذت إجراءات وتدابير مشددة للقضاء عليه ولكنها لم تستطع حتي يومنا الراهن. فالقوة وحدها لم تفلح في تقويض العمليات الإرهابية، وكذلك فشلت محاولات بعض الحكومات تطويقه عبر تطبيق منطق التسعينيات وهو نظام المصالحة والعفو العام، ولكن لا نستطيع القول  أن كلا الإسلوبين نجح تماما سواء منفردين أو مجتمعين.
 
الي هنا أجد نفسي مضطرا الي طرح تساؤل جديد :" هل أصبح الإرهاب متلازما مع واقعنا الحالي؟..بمعني أنه ربما يطول لبعض الوقت رغم كل الإمكانات المسخرة للقضاء عليه تماما. الإجابة ليست متشائمة مثل السؤال، حتي لا يتهمني البعض بعدم التفاؤل، فالمسألة بعيدة عن المشاعر والأحاسيس لارتباطها بواقع مؤلم نعيشه كل يوم في كل دول العالم. ومبعث عدم تشاؤمي هو الإرهاب، فلا ننكر أنه كان سببا مباشرة في تعطيل مسيرة بعض الأوطان اقتصاديا وسياسيا وحتي اجتماعيا – وهذه تحديدا تحتاج شرحا – ولكن الإرهابيين من الصعب تبوأ مكان الدولة وسلطتها، ومثالنا هنا واضح تماما وصريح وأٌقصد جماعة الإخوان المسلمين التي تولت الحكم لعام فقط في مصر وفشلت في إدارة البلاد فكان مصير قياداتها السجن والهرب. وكذلك الحال في الجزائر في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، فالحرب استمرت لسنوات عديدة بين الدولة وبين جماعة "الإنقاذ" ورغم خسائر الجزائريين الضخمة الاقتصادية والبشرية والاجتماعية ، إلا أن الأمر استقام لسلطة الدولة رغم التجربة المريرة مع الإرهابيين السفاحين هناك وممارساتهم التي بلغت عنفا يصل الي ذبح سكان قري ومدن بأكملها وعدم التورع عن حرق الجثث، حتي اكتشف الجزائريون بعد انتهاء تلك الحرب الشرسة مدي عنف أنصار الإٍسلام السياسي.
 
وإذا كانت جماعة الإخوان قد تمكنت من التوغل في نفوس المصريين وخداعهم لتفوز بانتخابات برلمانية ورئاسية وتتولي إدارة الدولة في ظروف ما، إلا أن الدولة الجزائرية العميقة رفضت الخضوع للإسلام السياسي وتسليم البلاد لحكم الإسلاميين والحفاظ علي الهوية المجتمعية للشعب الجزائري الذي يتذكر حتي يومنا هذا أهوال هؤلاء الإرهابيين.
 
العنصر الآخر في تفاؤلي وعدم تشاؤمي مثل السؤال الذي طرحته، أن الإرهاب ليس سوي "حالة مرضية" سيذهب الي حال سبيله سواء اليوم أو غدا مهما تعددت تنظيماته ووسائله لإرهاب الشعوب والدول، فهو زائل مثل أي احتلال، والتجربة ماثلة أمامنا، هل بقي احتلال حتي يومنا هذا سوي الاحتلال الصهيوني لفلسطين لظروف خارجة عن إرادة العرب في الوقت الراهن وغياب المعايير الدولية في التعامل مع تلك القضية الفلسطينية، وحتي الاحتلال الصهيوني سينتهي يوما ما، وإسرائيل ومن يقف وراؤها ويحميها يعلمان هذا جيدا، ويكفي النصوص القرآنية التي تبشرنا بهذا،  ولعل من يطالع سورة الشعراء ويقرأ تفسيرها بدقة يقتنع بما أقوله.
 
ومثلما الاحتلال الي زوال، فإن الإرهاب بشكله الحالي الي زوال أيضا، لأنه ضد طبيعة البشر وطبيعة المسلمين، وحتي لو استغل الإرهابيون عباءة الدين، فتوصيفهم هو أنهم إرهابيون ومتطرفون..ولذلك فالإرهاب محكوم عليه بالزوال لأن التنظيمات الإرهابية مهما توفرت لها الإمكانات البشرية واللوجستية والتسليحية ووسائل اتصال ضخمة، لن تستطيع مجابهة قوي الشرطة والجيش في أي دولة من دول العالم، وقد رأينا أن تكثيف العمليات العسكرية للتحالف الدولي قد أدث بثمارها في تقليل الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش الذي إدعي يوما ما أن كاد يبتلع العراق و سوريا معا.
 
ونصل الي حقيقة مؤكدة في هذا المضمار، إن الإرهاب فشل في جميع مراحله في زعزعة ثقة الشعوب في قياداتها المركزية، كما فشل في نشر ثقافة التطرف والعنف والكراهية بين المواطنين، حتي لو دفعت بعض المجتمعات ثمنا غاليا من اقتصادها وأمنها فترة ما، فكل الدول التي عانت من الإرهاب لديها القدرة علي مقاومة هؤلاء الظلاميين.