صدى العرب : الحب آخر العمر فضّاح (طباعة)
الحب آخر العمر فضّاح
آخر تحديث: الخميس 04/01/2018 01:19 ص
نوال الدوسري نوال الدوسري


هكذا يقال والعهدة على الراوي، الحب آخر العمر أغلى من الحب في أول العمر.. وربما الفرصة الأخيرة دائمًا أغلى من الفرصة الأولى.

إذا كان ما يتحدث عنه الناس من سعادة الحياة وطيبها، وغبطتها ونعيمها صحيحًا، فسعادتي فيها أن أعثر في طريقي، في يوم من أيام حياتي، بصديق يصدقني الود وأصدقه، فيقنعه مني ودي وإخلاصي دون ان يتجاوز ذلك الى ما وراء من مآرب وأغراض، وأن يكون شريف النفس فلا يطمع في غير مطمع، شريف القلب فلا يحمل حقدًا ولا يحفظ وترًا، ولا يحدث نفسه في خلوته بغير ما يحدث به الناس في محضره، شريف اللسان فلا يكذب ولا ينم، لا يلم بعرض ولا ينطق بهجر، شريف الحب فلا يحب غير الفضيلة ولا يبغض غير الرذلة، هذه هي السعادة التي أتمناها، ولكني لا أرها من أقول المنفلوطي عن السعادة والحب.

السعادة هي الحب، وعندما يأتي الحب لنا ندرك بأن سعادة المحبوب باتت أهم شيء في الدنيا هي سعادتنا الشخصية التي الكل ينساها وانما وضع أمام عينيه إسعاد الغير ونسى نفسه.

ولكن عندما يغادرنا الحب نجد أنفسنا وحيدين في مواجهته، فعلينا أن ننزوي عن الحب كي لا يزيدنا ألمًا رغم معرفتنا بأن الحب هو السعادة الحقيقية لنا.

حينما يسيطر الحب على الرجل والمرأة في أواخر عمرهما او في منتصفه، أي منذ أن يبلغ الاربعينات والخمسينات فما فوق، لا يمكن أن نقول إن الحب حرام او حلال، فهو أمر فطري وغريزي يقع على الانسان دون أن يعلم وبغير اختيار، والحرام هو التصرف أو السلوك الذي يُبنى على الإحساس به.

حينما يقع الرجل في الحب، حتى لو كان متزوجًا وما بين الاربعينات والخمسينات، تحدث تقلبات في الزواج، حتى لو تكون طبيعية وطيبة فيما بينهما، ولكن الرجل هنا يمر في مرحلة بيولوجية للوقوع في الحب ونسف الحب الأول للزوجة الأولى، وهذا التأهل للوقوع في حفرة الحب إما أن تجعله يحب زوجته أكثر اذا كان يحبها أصلاً ويعيش في غرام طويل، وأنا أستثني هذه الحالة لدينا، وأما أن يقع في حب امرأة أخرى تعطيه كل ما تريد من حب وحنان وعطف.. وأنا لا أعتقد أن حب الرجل والمرأة يحتاج الى البيولوجيا ولا حتى برمجة، ولكن الآن عرفنا في هذا العمر أن المرأة والرجل على استعداد تام في هذه المرحلة العمرية للوقوع في حفرة الحب وهم كبار وناضجون جدًا.

 الآن في لحظة وقوع الحب لهذا الرجل الكبير، نراه في حالة تغيير في لبسه ومظهره العام. قد نراه عجولاً على الحب فتراه يتصرف كالمراهقين باصطياد الفتيات او إقامة علاقات عابرة، ومن المظاهر المضحكة قد نراه قد يشتري ملابس لا تليق بسنه، مثل (الشورت) والتجول بالأماكن العامة، وكذلك اختيار الألوان الصارخة الشبابية، او تراه يخفف شواربه، واذا كانت لديه لحية يحلقها او يبدأ بصبغ الشعيرات البيضاء التي تحولت بين ليلة وضحاها الى شديدة السواد وبوضع السكسوكة، المهم أن يظهر بمظهر أصغر من عمره، فيبدأ بالرجيم والرياضة من إزالة الكرشة والتردد على مستشفيات التجميل للبوتكس والفلير، وتبييض الأسنان او تغييرها بالابتسامه الهوليودية، ويكون سباقًا في (السوشيال ميديا)، والإكثار من تصوير نفسه (سيلفي) بلقطات أمام زوجته وأبنائه، ويحاول أن يمسك أحلى لقطة له، ويشتري (موبايل) آخر جديدا ليواكب التكنولوجيا وما استحدثته من موبايلات، يسافر كثيرًا، ويقاطع او يقلل من الاندماج مع أصحابه كبار السن الذين يذكرونه بعمره الحقيقي، يبتعد عن البيت عن أبنائه وطلباتهم الذين يذكرونه بأنهم هم وأمهم السبب في ضياع سنوات حياته، كل ذلك من أجلهم، فيتأخر في الدخول الى البيت عند باب بيته، (فقط) ليودع حبيبته بالموبايل، يكون داخل البيت متوترًا، ويفزع كل ما جاءت له رسائل صوتية، فتراه يقرأ الرسائل مبتسمًا، كم أنت كبير يا رجل...، أما عندما ينتهي من الحب، فيبدأ بتصيّد أخطاء زوجته، وبالتذمر. 

قد يتخذ قرارات عشوائية فيما يتعلق بالتصرف بأمواله، كبيع او شراء دون تخطيط من أجل الحب، فهو يشتري نوعًا من أنواع السيارات الرياضية الفخمة، ويتعطر بعطور فخمة بأغلى الأثمان، يغني ويصفر في حالة نشوى كبيرة، لا يهتم ببيته كثيرًا ومتطلبات البيت، وإنما يمر على البيت كأنه فندق أو ضيف عندهم. هذه المراهقة والحب الثاني الذي يعصف بالرجل أكثر من المرأة. أحبتي لا تستغربوا أن الحب والعمر المتبقي قد يستمر فترة طويلة، وقد تكون مؤقتة ويرجع الى قوقعته مرة أخرى.

ثم تبدأ المرحلة الثانية للرجل المحب من هجر لبيوته ومسؤولياته للتفرغ للزواج الثاني.. عزيزي الرجل لا تعبث بالمرأة، فهي تعلم وتدري بكل حركة وتغيير، وإن سكتت فهي قد حافظت على بيتها وصانت أبناءها خوفًا عليهم من تفكك الأسرة وضياعها، فعلامات الحب واضحة عليك وضوح الشمس، ولكن اعرف عزيزي الرجل أن الحب آخر العمر فضَّاح.