صدى العرب : الكلاب تعرف طريقها (طباعة)
الكلاب تعرف طريقها
آخر تحديث: الأربعاء 03/01/2018 12:41 م
السفير: خليل الذوادي السفير: خليل الذوادي
معذرةً لهذا العنوان؛ لأنه في أدبياتنا عندما نذكر «الكلب» نقول: «أعزكم الله»، فهذا الحيوان به نجاسة إن لم يعتنَ به ويخضع للعلاج الطبي الدوري من قبل الطبيب البيطري المختص، ولذلك فالكلاب الضالة بها خطر متعدد المناحي، وعليه فقد تنادت بعض الجهات في بلدان شتى بإيجاد مأوى لهذه الكلاب الضالة أو إيجاد حلول أخرى بحيث لا تسرح ولا تمرح على هواها مما يعرض الناس للخطر، خصوصًا الأطفال، وبالذات إذا كانت الكلاب من النوع الشرس، إلا أن هذا الحيوان، خصوصًا إذا أحسنت تربيته ووجد التدريب اللازم له، ولا أدعي معرفة بكل سلوك هذا الحيوان، وكل ما أعرفه أنه بالتمعن فيه سلوكه نجده من بين أذكى الحيوانات.

عمومًا، في منظر غريب في إحدى ضواحي القاهرة وقريبًا جدًا من شارع الألفي، وكان الشارع مزدحمًا بمرور السيارات، وعبور المشاة يكاد أن يكون مستحيلاً، وإذا بكلبين يريدان أن يعبرا الطريق في وسط هذا الزحام، فوجدت نفسي مشدوهًا ومتأملاً لحال هذين الكلبين، وتوقفت مع زميلي محمد بن شاهين البوعينين من مواطني مملكة البحرين وكان زائرًا في هذا الوقت للقاهرة، وقلت له: «يا بوشاهين» تمعن في سلوك هذين الحيوانين الكلبين، وكيف يمكنهما أن يعبرا الطريق، وتوقفنا متأملين تصرفهما، وبالفعل وجدت العجب العجاب، فقد توقف أحدهما يرقب الطريق ويتحين الفرصة للعبور الآمن، والكلب الآخر وجد فرصة للعبور وكاد أن يلقي حتفه لولا فطنته العفوية وتحاشيه للسائق الذي كان يعبث بهاتفه ولم يلقِ بالاً للكلب العابر، وتفادى الكلب الحادث بذكاء بينما وقف زميله الآخر يتحين الفرصة للعبور، وبالفعل عبرا الطريق المزدحم دون أن يتسببا في ربكة أو تعطيل للمرور، فبطبيعة الحال يقفز إلى الذهن سؤال فيه كل علامات التعجب؛ هل نعجز نحن أو غيرنا عندما نريد أن نعبر الطريق فنأخذ من هذا الحيوان العظة والعبرة؟! مآسٍ نسمع عنها في معظم طرق بلداننا نتيجة العبور غير السليم أو أن السائق منشغل عن الطريق بوسائل وتشتت ذهن هو بعيد كل البعد عن آداب الطريق، عندها لا نملك إلا أن «نعض البنان ندمًا وحسرة» على ما فرطنا في احترام الطريق، وما يستلزمه من أدبيات تفرض علينا جميعًا التعاون إلى أبعد الحدود؛ لأن في ذلك سلامة لنا ولغيرنا.

كلكم أو جلكم أعزائي القراء زار بلدانًا أوروبية ووجد كيف يكون الطريق موزعًا، فهذا طريق الباصات والحافلات الكبيرة، وهذه حارة للسيارات الصغيرة، وحارة أخرى للسيارات متعددة الوقوف.

أما الأرصفة فهي مقسمة أيضًا بين المشاة، وراكبي الدراجات الهوائية وممارسي رياضة الجري في الطرقات، وكل يعرف طريقه ومساره، «وكل بعقله راضي» كما نقول.

عندما تحترم طريقك فأنت تحترم الآخرين، وعندما تسعد برؤية دقة النظام، فأنت تتمنى أن يكون ذلك حاضرًا ومتجسدًا في أوطاننا.

ونحن نفتح صفحة جديدة في عامنا الجديد 2018، هل يحق لنا أن نعيد النظر في سلوكيات كانت خاطئة ونراجع أنفسنا ونعترف بأخطائنا؟ وليس عيبًا أن نستفيد من غيرنا؛ لأننا -لكيلا نجلد الذات- لدينا سلوكيات يستفيد منها غيرنا، وهي لا تعد ولا تحصى، ولكننا غائبون عنها أو ربما مغيبون عنها.

المرء منا مطالب بأن يفكر في مخلوقات الله سلوكًا وتصرفات، ومطلوب منه أن يحمد الله على كل شيء، فنعمة النظر ونعمة السمع ونعمة التفكير من نعم الله علينا التي لا تحصى، ولعل العظة والعبرة من الأسس التي تبنى عليها الحياة..

وعلينا أن لا نقلل من شأن أي مخلوق، فلعلنا نستفيد من أبسط مخلوقات الله.

كان الناس في بلادي يربون البهائم والدواجن، ولا يكاد يخلو بيت من بهيمة أو حيوان أليف أو دواجن، وكان هدفهم في ذلك طبعًا المنفعة لهم ولزائريهم من أصدقائهم وأقربائهم، والهدف الأبعد هو تعودينا ونحن صغار على ألفة هذه الحيوانات والدواجن وتسليتنا في تربيتها وإعطائها الغذاء اللازم، كما أن الأجداد والآباء آمنوا بأن في كل ذات روح رطبة صدقة، علاوة على إطعام هذه الحيوانات مما تبقى من غذاء بدل ما نشاهده اليوم من أطنان من فضلات الطعام التي ترمى في براميل القمامة.

كانت على شحة الموارد الغذائية إلا أن القناعة عندهم كنز لا يفنى، والزاد الذي يبقى يجد طريقه إلى عمل الخير، فقد آمنوا بأن اللقمة عندما تقسم على اثنين أو ثلاثة فيها البركة والخير، هي قناعات إيمانية ومجتمعية غرست في نفوسهم، فعاشوا في رضا وطيبة خاطر، وتعاونوا على البر والتقوى.

مطلوب منا المشاركة في عمل الخير وأن نشعر بالآخرين، أيًا كان هذا الآخر، فالحياة لا تسير إلا بالتكاتف والتعاون والتفاني في التغلب على المشاكل وضائقة العيش، والفرج بعد الشدة به طعم البقاء ولذة الحياة.

وعلى الخير والمحبة نلتقي.